07-يناير-2018

يبدو أن ابن سلمان يتخلص بشكل ممنهج من آل سعود للانفراد بالسلطة (أسوشيتد برس)

من جديد تعود الاعتقالات إلى صدارة المشهد السعودي بعد غيابها لعدة أسابيع، فبالأمس، السبت السادس من كانون الثاني/يناير 2018، كان نحو 11 أميرًا على موعد مع الاعتقال بعد ما قيل إنه احتجاج وتجمهر قاموا به أمام قصر الحكم، وفقًا لبيان رسمي، قال: "تجمهروا فأُبلغوا بخطأ تصرفهم ورفضوا مغادرة قصر الحكم، فصدر أمر كريم بالقبض عليهم، وتم إيداعهم سجن الحائر تمهيدًا لمحاكمتهم".

اعتقلت السلطات السعودية 11 أميرًا من الأسرة الحاكمة، بعد تجمهرهم احتاجًا أمام القصر الحاكم 

كعادته، برر ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للبلاد، محمد بن سلمان، الاعتقالات بمكافحة الفساد، إذ زعم البيان أن المحتجين طالبوا بإلغاء الأمر الملكي الذي نص على إيقاف سداد فواتير المياه والكهرباء عن الأمراء.

اقرأ/ي أيضًا: هل تصمد مزاعم محاربة الفساد أمام بذخ ابن سلمان وهدر المال العام؟

الجديد في الاعتقالات هذه المرة، أنها ناجمة عن احتجاجات صريحة من أمراء من العائلة المالكة، وإن كانوا من الفرع الأقل نفوذًا في آل سعود، المعروف بفرع "سعود الكبير"، ليدخل بذلك ولي العهد في عداوة جديدة مع آخرين من ذويه، بعد أن قام خلال الأشهر الأخيرة بالعديد من حملات الاعتقال، كان أبرزها في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عندما اعتقل عشرات من أمراء العائلة المالكة، وكبار رجال الأعمال. وسبق تلك الاعتقالات حملة اُخرى استهدفت من بين من استهدفتهم الأمير عبد العزيز بن فهد، فضلًا عن إطاحته بابن عمه محمد بن نايف من ولاية العهد ووضعه تحت الإقامة الجبرية.

وسعود الكبير هو اللقب الذي يطلق على سعود بن عبد العزيز، من أبناء عمومة الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، وسُمي بالكبير للتفريق بينه وبين سعود بن عبد العزيز آل سعود، ثاني حكام الدولة السعودية الحالية. وقد كان سعود الكبير مستشارًا مقربًا من عبدالعزيز، بلا أي تطلعات للحكم، إلا أنّ أبناءه وأحفاده، مثلوا الفرع الأكثر تهميشًا داخل آل سعود.

آل سعود على صفيح ساخن

التمرد والاحتجاج ليس أمرًا شائعًا في السعودية، خاصة بين أفراد الأسرة الحاكمة الذين يعدون بالآلاف، وبالرغم من وجود حالات تمرد فردية من بعض الأمراء، أو بالأحرى انزعاجًا من بعض سياسات الحكم، غير أنّ فكرة الاحتجاج إجمالًا لم تكن واردة على مدار عقود، إلا خلال فترة الحركة التي عرفت باسم "الأمراء الأحرار"  في أواخر الخمسينيات، والتي قادها طلال بن عبد العزيز والد الوليد بن طلال، ومعه عدد من إخوانه، وهي الحركة التي طالبت بتعديلات في هيكل الحكم، وجعل البلاد ملكية دستورية، مع إعطاء المرأة حقوقها، لكنها وُئدت بنفي أمرائها خارج البلاد، وإسقاط لقب أمير عنهم. وبعد سنوات، تم الصلح بين الأمراء الأحرار وبين العائلة المالكة، وعُفي عنهم وسُمح لهم بالعودة للسعودية، حتى أنّ أحدهم تولى إمارة مكة.

الصمت المستمر والمعتاد منذ عشرات السنوات من قبل أفراد العائلة يعود في الغالب للاستقرار المالي الذي تنعم به الأسرة الحاكمة والامتيازات الوافرة على جميع المستويات، مالية واجتماعية، وإن لم يكن الجميع سواسية، ولكن كان الجميع كان راضيًا بالرغم من اختلاف المخصصات والعوائد والمميزات والنفوذ الذي يظهر بين أفرع عائلة آل سعود، فنسل عبد العزيز الملك المؤسس، ينعم بالسلطة والحكم والنفوذ والمال أيضًا، على العكس من فرع محمد بن عبدالرحمن آل سعود، وكذلك فرع سعود الكبير.

لكن الأوضاع اختلفت مع صعود محمد بن سلمان، فأصبح الجميع في دائرة الاعتقال، بما في ذلك أقوى من كانوا يُعدون من أقوى رجال آل سعود، كتعب بن عبدالله ومحمد بن نايف، أو حتى الوليد بن طلال من جهة ثروته الضخمة. 

ومنذ سيطرة ابن سلمان، أو الأمير الطائش كما بات يُعرف، والصراعات الداخلية تكاد تعصف بآل سعود، وبدلًا من محاول احتوائها بالإقناع والتفاوض، ليقبلوا كونه أول ملك مُنتظر من أحفاد عبدالعزيز؛ دخل في المقابل في صراعات مع الجميع، عززتها سياساته المتهوّرة، والتي يبدو أنها تسببت في شعور بالاستياء بين أفراد العائلة المالكة.

تعد حركة الاحتجاج التي نظمها الأمراء السعوديون المعتقلون هي الأولى من نوعها تقريبًا في تاريخ السعودية

ويُذكر أنّ حركة الاحتجاج التي نظمها 11 أميرًا من آل سعود للمرة الأولى تقريبًا في تاريخ الدولة السعودية الثالثة، سبقتها بشهور محاولة هجوم مُسلح على قصر السلام، مقر ابن سلمان في جدة، وكان من بين السيناريوهات المطروحة تورط أحد أو مجموعة من آل سعود، في هذه العملية.

اقرأ/ي أيضًا: اعتقالات الأمراء في السعودية.. كل شيء مباح لوصول "السفاح" للعرش

ومثّل تعامل ابن سلمان مع حادث الاحتجاج الأخير، سياسة التخويف والقمع التي انتهجها حتى مع ذويه، حيث ركزت المواقع والصحف والحسابات واللجان الإلكترونية التابعة لابن سلمان، على تفصيلة "قوة السيف الأجرب" التي قامت باعتقال الأمراء. وهي قوة عسكرية مرتبطة بشكل مباشر بابن سلمان. ويبدو أنها إحدى الكتائب التي استحدثها في سلاح الحرس الملكي الذي استحوذ عليه من ابن عمه متعب بن عبدالله، ويبدو أيضًا أنها القوة الجديدة التي قرر ابن سلمان إبرازها من باب التخويف. 

في ذات السياق، تكرر الحديث بين نفس الشخوص والحسابات والمنصات، عن سجن الحائر. ومن المعروف أن الحائر هو سجن سيئ السمعة، مرتبط بالتعذيب والانتهاكات الحقوقية.

الروايات الرسمية وغير الرسمية

بالرغم من حجب أسماء الأمراء المعتقلين حديثًا، إلا أن الأخبار الرسمية وغير الرسمية، تشير إلى أنهم من نسل سعود الكبير داخل عائلة آل سعود، فوفقًا لنص البيان الرسمي للنائب العام السعودي، يقول عن الحادثة: "طالبوا بالتعويض المادي المجزي عن حكم القصاص الذي صدر بحق أحد أبناء عمومتهم"، والأمير السعودي الوحيد الذي طبق عليه حكم القصاص، هو الأمير تركي بن سعود بن تركي بن سعود الكبير، وذلك في تشرين الأول/أكتوبر 2016، بعد صدور حكم من المحكمة العامة، أيدته محكمة الاستئناف والمحكمة العليا، وصدر أمر ملكي من الملك سلمان بتطبيق الحكم، وهو حكم الإعدام الأول بعد إعدام الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود قاتل الملك فيصل عام 1975. 

الرواية الرسمية الصادرة عن النائب العام السعودي، والتي نشرتها وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، قالت إن الأمراء طالبوا "بإلغاء الأمر الملكي الذي نص على إيقاف سداد الكهرباء والمياه عن الأمراء"، وفيما يرى البعض أن الرواية ربما تكون منطقية، خاصة وأن أفراد فرع سعود الكبير ليسوا بثراء غيرهم من آل سعود، لكن ثمة ما يضرب في منطقية الرواية الرسمية.

الجميع في السعودية بمن فيهم أفراد آل سعود، في دائرة اعتقالات ابن سلمان الذي بسبب طيشه يزداد الغضب بين أفراد العائلة الحاكمة

تناقلت حسابات وصفحات اسمين من المعتقلين، هما سعود ونايف أبناء الأمير سلطان بن محمد بن سعود الكبير، والأمير سلطان من أبرز رجال الأعمال في السعودية، والوحيد من نسل سعود الكبير الذي أدرج في قائمة أغنى 30 شخصية سعودية عام 2014، فهو مؤسس وصاحب شركة المراعي وشريك في عدد كبير من الفنادق والمصانع والشركات.

 

 

قد يكون ذلك كاشفًا بشكل ما، فعلى ما يبدو اعتقل ابن سلمان من بين من اعتقل، نجلي سلطان بن محمد بن سعود الكبير، في إطار محاولة سرقة ثروات أغنياء آل سعود ومن غير آل سعود.

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:
محمد بن سلمان.. صعود سريع لأمير طائش يهدد البلاد والمنطقة!

في سابقة فريدة.. خبراء أمميون يدينون قمع السعودية للنشطاء والحقوقيين