03-مارس-2025
بزشكيان وجواد ظريف

جواد ظريف يستقيل من منصبه (رويترز)

يبدو أن حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان تواجه ضغوطًا متعددة المصادر. فبعد أن أطاح البرلمان، يوم الأحد، بوزير الاقتصاد القوي عبد الناصر همتي على خلفية معدلات التضخم المرتفعة والانهيار الحاد في قيمة الريال الإيراني بسوق الصرف، قدّم نائب الرئيس الإيراني للشؤون الإستراتيجية، محمد جواد ظريف، استقالته اليوم الاثنين، بعد أن أمضى في منصبه أقل من ثمانية أشهر.

وبحسب وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية، فإن خطاب استقالة ظريف لا يزال على مكتب بزشكيان، بانتظار الموافقة عليه. يشار إلى أن ظريف سبق أن قدم استقالته بعد 11 يومًا فقط من تشكيل الحكومة، مبررًا قراره آنذاك بعدم مراعاة تمثيل النساء والشباب والقوميات في التشكيلة الحكومية بالشكل المطلوب، قبل أن يتراجع عنها، وسط تقارير تربط ذلك برفض قاطع من بزشكيان، إلى جانب وعود بمعالجة مشكلة التمثيل الحكومي. وقد كان بزشكيان وفريقه الرئاسي يَعِدون الإيرانيين بحكومة مختلفة، سواء في وجوهها أو برامجها، مقارنة بالحكومات السابقة.

عقبات وضغوط تواجه الحكومة الإيرانية

نقلت تقارير عن محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني للشؤون الإستراتيجية، قوله إن استقالته جاءت بناءً على "نصيحة من رئيس السلطة القضائية بالعودة إلى الجامعة، لتخفيف الضغوط عن الحكومة". وأضاف ظريف: "آمل أن يؤدي انسحابي إلى إزالة العقبات أمام تحقيق إرادة الشعب ونجاح الحكومة".

حقق التيار المحافظ مزيدًا من النقاط، على مسار تغيير بوصلة العمل الحكومي في إيران، عبر الإطاحة بجواد ظريف ووزير الاقتصاد عبد الناصر همتي

وتعتبر "الغارديان" أن استقالة ظريف بمثابة ضربة قوية لبزشكيان، وهي الثانية التي يتلقاها في غضون يومين بعد إقالة وزير اقتصاده. وبهذا، يكون التيار المحافظ قد كسب نقاطًا إضافية في مساعيه الرامية إلى تغيير مسار العمل الحكومي، مستغلًا في ذلك، حسب "الغارديان"، ارتفاع معدلات التضخم وانهيار العملة.

وإذا وضعنا في الاعتبار أن ظريف كان أحد مهندسي الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب عام 2015، عندما كان وزيرًا للخارجية في حكومة الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني (2013-2021)، وأنه خاض الحملة الانتخابية مع بزشكيان، وكان تركيزه منصبًا على سبل رفع العقوبات، وإحياء نهج الدبلوماسية والانفتاح في التعامل مع الإقليم والعالم، ولا سيما مع الولايات المتحدة الأميركية والترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا)؛ فإنّه، بأخذ كل تلك المعطيات بعين الاعتبار، يمكن تفسير جانب كبير من أسباب استقالة ظريف بدعوة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، علي خامنئي، إلى سدّ الباب أمام أي حوار أو مفاوضات مع الإدارة الأميركية، واتباع نهج أكثر صرامة في التعامل مع الغرب.

هذا بالإضافة، طبعًا، إلى إعلان الرئيس الإيراني بزشكيان، أمس الأحد، أمام البرلمان، استجابته لدعوة المرشد، قائلًا: "كنت أعتقد أن الحوار مع واشنطن قد يكون الخيار الأفضل، لكنني أؤكد أنني ملتزم بتوجيهات المرشد الأعلى، الذي يرى أن الحوار مع واشنطن غير مجدٍ وغير حكيم"، معلنًا، أي بزشكيان، أن إيران "تواجه حربًا شاملة، تستدعي الاستعداد لها، بدلًا من إلقاء اللوم على بعضنا البعض"، مشددًا على أن "العدو يضيّق الحصار والعقوبات علينا"، وزاعمًا أن لدى حكومته "برامج للخروج من هذا الوضع".

من المرجّح أن ظريف، الذي لعب دورًا محوريًا في حملة بزشكيان الرئاسية، غير مقتنع بهذا التوجه الانكفائي والتقوقعي، لأنه، في نظره، يجلب مزيدًا من العزلة لإيران، ويجعلها فريسة سهلة للعقوبات الأميركية التي لا ترحم، والتي ظهرت آثارها بسرعة في ارتفاع معدلات التضخم والغلاء المعيشي. ومع الإشارة إلى أنه كلما ازداد الضغط الاقتصادي قوة، ازدادت احتمالات انفجار الأوضاع الداخلية على شكل احتجاجات بسبب وطأة الظروف الاقتصادية السيئة.

ويعتقد ظريف، الذي يمثل تيارًا إصلاحيًا يحظى بثقل معتبر في إيران، أن الاتفاق النووي، الذي انهار جزئيًا عام 2018 بانسحاب دونالد ترامب منه، هو "طوق النجاة" الذي لا يجب التفريط به. فبسبب الانهيار الجزئي للاتفاق، أعادت وزارة الخزانة الأميركية فرض العقوبات على إيران، ومن شأن مغادرة باقي الأطراف للاتفاق أن تزيد الأوضاع تعقيدًا بالنسبة للإيرانيين، خاصة أن إسرائيل تتحين، هي الأخرى، الفرصة لتوجيه ضربة عسكرية لإيران.

وظلّ بزشكيان متمسكًا، طيلة الأشهر الخمسة الأولى من رئاسته، بنهج فكّ العزلة عن إيران، عبر سياسة الانفتاح على الإقليم والعالم، مما دفع إلى إعطاء ديناميكية جديدة لمفاوضات الاتفاق النووي ومساعي رفع العقوبات المفروضة على طهران. لكنّ تراجعه عن تلك السياسة، انسجامًا مع توجهات المرشد الأعلى للجمهورية، علي خامنئي، قد يدفع إيران إلى العزلة مجددًا على المستوى الخارجي، وإلى انسحاب عدد من وجوه التيار الإصلاحي من واجهة مشهد العمل الحكومي داخليًا.