02-أكتوبر-2017

بعد نتيجة استفتاء كتالونيا، تُصبح كل الخيارات مفتوحة بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم (بو بارينا/ أ.ف.ب)

على ضوء ما تشهده إسبانيا من تصعيد متبادل بين حكومة مدريد المركزية، وحكومة إقليم كتالونيا، انتهاءً بإجراء استفتاء لاستقلال الإقليم؛ نشر موقع مجلة فورين بوليسي الأمريكية مقالًا عن الشبح الذي يُخيم على إسبانيا في هذه الأجواء التي تُعيد إلى الأذهان ثلاثينات القرن الماضي، أي شبح الحرب الأهلية الإسبانية. والسطور التالية هي ترجمة بتصرف لمقال فورين بوليسي.


على مدى السنوات الخمس الماضية، انخرطت الحكومة الوطنية المركزية في إسبانيا، وقيادة إقليم كتالونيا، في لعبة جس نبض خطيرة ومنهكة، بشأن مطالبة كتالونيا بالاستقلال. ويبدو الآن على نحوٍ متزايد، أن كلا الجانبين لا ينويان التوقف قبل لحظة التصادم.

منذ عام 2012 تصدت إسبانيا للقيادة المُؤيدة للاستقلال في كتالونياK برفضها أي حوار حول السيادة، مُجسدةً ذلك بقول "لا"

أمس الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2017، أخرجت حكومة إقليم كتالونيا صناديق الاقتراع للتصويت على الاستقلال التي تقول إنه سيكون نهائيًا. وينُص قانون الاستفتاء الذي أقرَه برلمان كتالونيا على أن التصويت بـ"نعم" سيُفضي إلى إعلان الاستقلال في غُضون يومين، مُتجاهلين تمامًا أن المحكمة الدستورية الإسبانية، علقت الحُجة القانونية للاقتراع. وفي لقطة مُعبرة، أظهر الإعلان التلفزيوني للحكومة الكتالونية، عملية الاستفتاء في شكل قطار يقترب من مفترق طرق.

اقرأ/ي أيضًا: في 8 نقاط.. كل ما تريد معرفته عن مجريات استفتاء استقلال كتالونيا

منذ عام 2012، تصدت إسبانيا للقيادة المُؤيدة للاستقلال في إقليم كتالونيا من خلال رفضها لأي حوار حول السيادة، مُجسدةً ذلك بقول "لا"، أما الآن يبدو أن هُناك نيّة لاستعراض عضلاتها، إذ تتجه السلطات القانونية والشرطة في إسبانيا، نحو التصرُف بشكل أعنف لمنع إجراء الاستفتاء.

إذ أن المداهمات التي شنتها السُلطات الإسبانية المركزية على الإدارات الحكومية الكتالونية وغيرها من الأماكن، وأسفرت عن اعتقال 14 شخصًا يوم 20 أيلول/سبتمبر؛ كانت بمثابة مؤشرٍ على تصعيدٍ مُفاجئٍ في جهود التحقيق التي كانت تقتصر في السابق على الاستيلاء على الملصقات وبطاقات الاقتراع، والبحث عن صناديق الاقتراع التي يصعُب وضع اليد عليها، والتي تقول الحكومة الكتالونية إنها هي من اشترتها للحدث.

لكن ما لم يتضح بعدُ هو كيف ستجد الحكومة الوطنية طريقةً لتفرض بها وجهة نظرها في هذه الأزمة. فواقع الأمر أن مدريد تملك ترسانة قانونية واسعة يُمكنها اللجوء إليها، أي أن قُوة القانون بالكُلية بين يديها، وتتمثل في اللجوء إلى مادة في الدستور تقضي بتعليق الحُكم الذاتي في منطقة من المناطق في حالة تمردها، وهذا وضعٌ ينطبق تمامًا على حالة حكومة كتالونيا. 

إلا أن فرض الحصار على الحكومة الكتالونية والتي يرأسها كارلس بوتشدمون قد يتطلب تدخُل عناصر الجيش على الأرض، وفي الواقع لم يخجل أو يتردد الساسة الإسبان في إرسال أعداد أكبر من قوات الشرطة إلى كتالونيا في الفترة التي سبقت الاستفتاء، إلا أنهم عادة ما يرفضون استخدام الجيش في مثل هذه الظروف. ولكن ومن شأن الإقدام على ذلك، أن يُعيد إلى الذاكرة تصرفات فترة ديكتاتورية الجنرال فرانكو، الفترة التي حكمت البلاد مُدة طويلة من القرن العشرين، وهو الأمر الذي من شأنه أن يُقوّض دعم الحكومة الوطنية، وليس فقط في كتالونيا.

ويعتقد الكثير من الإسبان في جميع أنحاء البلاد، أن عناد ماريانو راخوي رئيس الوزراء المحافظ، هو المسؤول عن الانقسام السياسي المتزايد، وأن الطريقة التي حاصر بها عشرات الآلاف من المتظاهرين في مباني الحكومة الكتالونية، في الوقت الذي قام فيه ضباط شرطة الحكومة المركزية الإسبانية بتفتيش المقر الرئيسي الذي يعد بمثابة الجهاز العصبي اللوجستي لعملية الاستفتاء، يوم الأربعاء الماضي، تُظهِر أن مستويات التوتر بلغت حدًا خطيرًا.

يُشار في هذا الصدد إلى ما قاله المتحدث باسم الحكومة الكتالونية، غوردي تورول: "إذا كان الحل النهائي بالنسبة للدولة الإسبانية هو الدبابة، فسنكون قد فُزنا بالفعل".

ومنذ 2016، تم منع رئيس الوزراء الكتالوني، أرتور ماس، الذي بدأ في التصويت غير القانوني من الناحية الفنية في عام 2014 من شغل أي منصب عام لعصيانهِ قرار المحاكم الإسبانية. ومن المُرجح جدًا أن يحدث نفس الشيء لكارلس بوتشدمون وبقية مجلس وزرائه الحاليين، الذين وقَّعوا جميعَا على مرسومٍ يسمح بإجراء الاستفتاء الجديد. لكن مسؤولين في برشلونة، يقولون إنهم سيتجاهلون ببساطة مثل هذا الحكم، لأن ولايتهم تنبع فقط من إرادة الشعب الكتالوني عبر برلمان الإقليم.

ويبقى السؤال المطروح هو: إلى أين ستتجه الأوضاع بعد الإعلان عن نتائج الاستفتاء بفوز "نعم"، وفقًا لحكومة كتالونيا التي قالت إن 90% من الأصوات أيدت الانفصال؟ مع العلم بأنّ نسبة الإقبال على التصويت، لم تتجاوز 42.3% ممن لهم الحق في التصويت، وهي نسبة كان مُتوقعًا أن تخفت لها حماسة الانفصاليين، لكن على ما يبدو كان التعامل العنيف من قبل سلطات مدريد سببًا في الاحتفال بـ"النصر".

وعلى الورق، فمن الممكن أن تؤدي نتيجة "نعم" إلى إصدار قانون انتقالي، تُصبح بموجبه كتالونيا جمهورية قانونية وديمقراطية واجتماعية لها سُلطة جمع الضرائب ومُصادرة ما كان يعتبر أُصولًا ومؤسسات إسبانية، في حين يتم وضع دستور كامل للاستفتاء عليه في غضون عام.

من الممكن أن تؤدي نتيجة "نعم" في الاستفتاء إلى إصدار قانون انتقالي تُصبح بموجبه كتالونيا جمهورية لها سلطاتها "القانونية"

وستواصل المحاكم الإسبانية العمل على وقف هذه الإجراءات باعتبارها غير قانونية وفقًا للقوانون والدستور الإسباني، إلا أن زُعماء كتالونيا الحاليين كانوا قد طالبون بأن يضعوا برلمانهم فوق أي أحكام وتدابير قانونية للدولة المركزية في إسبانيا، في حال فوزهم بالاستفتاء، وهو ما حدث.

اقرأ/ي أيضًا: تاريخ كتالونيا في 300 صفحة

ومع ذلك فقد يفضلون التصرف بشكل أكثر واقعية، وقد بدأت إدارة ماريانو راخوي مؤخرًا في التحدُث من وراء الكواليس عن استعدادها لمُراجعة الطريقة التي تتنازل بها الحكومة المركزية الإسبانية عن السُلطة للإقليم. وبعد الاستفتاء، قد تختار الحكومة الكتالونية التعامُل بالمثل بالمشاركة في عملية المراجعة، وإن كان ذلك غير بادٍ حتى الآن، خاصة وأنّ هناك العديد من العقبات التي تحول دون التوصل إلى حل تفاوضي.

قبل خمس سنوات سافر أرتور ماس رئيس وزراء كتالونيا آنذاك، إلى مدريد للمطالبة بصفقة خاصة مماثلة لتلك التي يتمتع بها إقليم الباسك الإسباني الواقع شمال إسبانيا، والتي يحصل الإقليم الثري بمُقتضاها على جُزء من الإنفاق الحكومي، يماثل ما يقدمه الإقليم للحكومة من الإيرادات الضريبية. لكن رئيس الوزراء الإسباني، رفض المقترح.

لم يكن الجيل الجديد من القوميين الكتالونيين مهتمين بالحصول على المزيد من الحكم الذاتي، أو حتى حُزمة مالية أفضل من طرف الحكومة المركزية، بنفس اهتمام جيل آبائهم، بل رغبوا في اختيار مستقبلهم وتحديد مصيرهم. ويبدو أن اللحظة المناسبة للتفاوض قد فاتت. 

في نهاية المطاف، سيتعلق الوضع بما يريده كارلس بوتشدمون، الرئيس الحالي لإقليم كتالونيا، وحكومته، فمثلما حدث من قبل مع أرتور ماس، رفيقه الحزبي، عزز كارلس بوتشدمون آمال الجميع بإمكانية حصول كتالونيا على استقلالها الفعلي على الفور، بدلًا من اللجوء إلى خطوات معتدلة لتحقيق ذلك الهدف. ويبدو أن كلا الرجلين كُتَب عليهما التضحية في سبيل ما يؤمنان به، بينما تُمزق تروس القضاء الإسباني الإطار القانوني الوهمي لاستقلال كتالونيا. إلا أن هذه التضحية قد تكون مناط الأمر، إذ ترى حركة استقلال كتالونيا أن هذا "التعسُف القضائي" كما تسميه، هو سببٌ آخر لاستمرار أملها في إقناع الأطراف الدولية بالضغط على إسبانيا.

ورغم عدم تبني الشخصيات السياسية العالمية للدعوات الكتالونية حتى الآن، إلا أن بعض مُحرَّري جريدتي نيويورك تايمز الأمريكية، ولوموند الفرنسية، طالبوا إسبانيا بالسماح بإجراء الاستفتاء، وهو ما أشعل الآمال من جديد.

بعد نتيجة الاستفتاء التي أعلنت عنها حكومة كتالونيا، فإن القوى المؤيدة للاستقلال، ستواصل مسعاها المنفصل من خلال إعادة تسمية المؤسسات القائمة، بينما يتبعها ببطء رفض القضاء الإسباني واستعادته للأوضاع على الورق. وقد رسمت الحكومة الكتالونية خارطة طريق نحو الاستقلال، تضمن لسكان الإقليم الحفاظ على وضعهم الإسباني في أثناء سعيهم للجنسية الكتالونية إن أرادوا ذلك. وهو ما يعد اعترافًا ضمنيًا بأنه حتى في حالة الفوز، فسيبقى الاستقلال منطقة رمادية في المستقبل القريب، في أحسن الأحوال.

ما يمكن أن تتطلع إليه إسبانيا الآن، تفاديًا لمصير الحرب الأهلية، هو الجلوس على طاولات مفاوضات لحسم الأمور

لكن في مرحلة ما، سيتعين على هذه الحقائق المتناقضة أن تلتقي وجهًا لوجه. وجُل ما يمكن لإسبانيا أن تتطلع إليه، هو أن يكون هذا اللقاء على طاولة مفاوضات لا على جبهات القتال، تُكرر مأساة الحرب الأهلية التي شهدتها إسبانيا في ثلاثينات القرن الماضي.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ما عواقب استقلال كتالونيا على برشلونة والمنتخب الإسباني؟

هل تشبه الحرب السورية الحرب الأهلية الإسبانية؟