07-أبريل-2018

تقول التقديرات إن 42 ألفًا شاركوا في احتجاجات سلوفاكيا الأخيرة (أسوشيتد برس)

بعد أن أُقيل رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيتسو، قبل أكثر من شهر، إثر احتجاجات عارمة شهدتها البلاد، لا تزال الاحتجاجات مستمرة بمشاركة عشرات آلاف الشباب، تأكيدًا على تصحيح المسار السياسي. صحيفة الغارديان البريطانية أعدت تغطية لتطورات الساحة السلوفاكية، ننقلها لكم مترجمةً في السطور التالية.


في البداية قُتل صحفي وخطيبته رميًا بالرصاص في منزله، في جريمة هزت سولوفاكيا، ثم حدث شيء آخر مثير للاهتمام بنفس الدرجة؛ فقد خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع، فيما يوصف بأكبر احتجاج عرفته البلاد منذ الثورة المخملية عام 1989، والتي دفعت بسقوط الحكومة الشيوعية.

للمرة الثانية خلال نحو 5 أسابيع خرج عشرات آلاف المتظاهرين في سلوفاكيا احتجاجًا على سياسات الحكومة، مطالبين تحديدًا بإقالة قائد الشرطة

أدى ذلك بدوره إلى استقالة رئيس الوزراء، روبرت فيتسو، الذي هيمن على المشهد السياسي في سلوفاكيا لأكثر من عقد من الزمان، وكذلك استقالة وزير الداخلية.

اقرأ/ي أيضًا: دافني كاروانا الضحية.. والتهديدات متعددة لصحفيي وثائق بنما

أما الآن، وبعد خمسة أسابيع من مقتل الصحفي يان كوسياك وخطيبته مارتينا كوشنيروفا، يشعر الكثيرون بالقلق من أن الزعماء الجدد سيعودون إلى أساليب العمل المعتادة، ويخفون فضائح الفساد تحت السجاد.

الصحفي السلوفاكي المقتول، بان كوسياك وخطيبته (فيسبوك)
الصحفي السلوفاكي المقتول، بان كوسياك وخطيبته (فيسبوك)

ولمرة أخرى، احتشد آلاف المحتجين الشباب في ساحة بوسط مدينة براتيسلافا، بعد ظهر الخميس الماضي، في محاولة منهم لضمان ألا يحدث هذا. وقد قدرت صحيفة "Denník N" المحلية عدد المحتجين بـ45 ألف شخص. ومن فوق المنصة، تم الإعلان عن المطلب الرئيسي للحركة، وهو أن يقيل وزير الداخلية الجديد قائدَ الشرطة، وهو الأمر الذي لم يستجب له حتى الآن. 

يقول جوراج زيليجا، طالب الدكتوراه البالغ من العمر 27 عامًا، والذي يستقطع من وقت كتابة رسالته في القانون الدستوري، للمساعدة في تنظيم الاحتجاجات، إن "الحركة لديها مطلبان أساسيان: تحقيق مستقل في مقتل كوسياك وصديقته، وتشكيل حكومة جديدة جديرة بالثقة".

استقلت سلوفاكيا، التي كانت جزءًا من الكتلة الشرقية لتشيكوسلوفاكيا، في عام 1993، وانضمت إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004. وقد صور فيتسو -ظل رئيسًا للوزراء 10 سنوات من الـ12 الماضية- نفسه على أنه شخصية أكثر منطقية من القوى الشعبوية والقومية في المجر وبولندا المجاورتين، على الرغم من أنه استخدم في بعض الأحيان خطابات شعوبية ومناهضة للهجرة، ووصف الصحفيين ذات مرة بـ"القذرين الذين يعملون ضد سلوفاكيا".

وعلى مر السنين، اجتازت الحكومة عددًا من فضائح الفساد جزئيًا، لعدم اكتراث الجماهير. عن هذا تقول بيتا بالوجوفا، رئيسة تحرير صحيفة "SME" الليبرالية: "تغلغل الفساد إلى جميع المستويات الإدارة في الدولة".

وقد أثار مقتل كوسياك غضب الجماهير. وكان الصحفي البالغ من العمر 27 عامًا يحقق في الروابط بين شخصيات المافيا الإيطالية، والمسؤولين السلوفاك، بما في ذلك الكشف عن أن أحد مساعدي رئيس الوزراء المقربين كان شريكًا تجاريًا لعضو في عصابة مافيا إيطالية.

وتوسعت حركة الاحتجاج بمرور الوقت، تحت شعار "من أجل سلوفاكيا نزيهة". ومع اكتسابها زخمًا خلال الشهر الماضي، استعان فيتسو بأسلوب فيكتور أوربان في المجر المجاورة، مشيرًا إلى أن المظاهرات يمولها الملياردير والخبير المالي الأمريكي، هنغاري الأصل، جورج سوروس، الهدف المفضل للحكومات اليمينية المعادية للمهاجرين في جميع أنحاء العالم.

تقول بيتا بالوجوفا، عن رد فعل فيتسو: "كان رد فعل يائس، فبدلًا من تحمل بعض المسؤولية في إدارة بلد اقتربت فيه المافيا كثيرًا من المناصب الحكومية العليا، بدأ يتكلم عن نظريات المؤامرة".

استخف فيتسو بشدة بقوة الاحتجاجات، حتى اضطر في آذار/مارس الماضي إلى الاستقالة، وإن كان بديله هو بيتر بيليغريني، حليفه وأحد أعضاء حزبه "Smer".

تثار الشكوك حول المتورطين في مقتل الصحفي السلوفاكي كوسياك إذ كان يُحقق في الروابط بين شخصيات المافيا والمسؤولين السلوفاك

بوصول بيليغريني لرئاسة الوزراء، ألغى المنظمون ما كان مخططًا له من احتجاجات، فوفقًا لطالب الدكتوراه زيليجا، فإنه حتى لو كان بيليغريني رجل فيتسو، إلا أن هذا التغيير يعني أنه قد حان الوقت لنقل ساحة المعركة إلى البرلمان. ولكن بسبب رفض وزير الداخلية الجديد، إقالة قائد الشرطة، دعا المنظمون إلى مظاهرة احتجاجاية أخرى، الخميس الماضي.

اقرأ/ي أيضًا: المافيا الإيطالية ومخصصات اللاجئين.. "الكوكائين" الجديد

يقول بيتر باردي، رئيس تحرير الموقع الإخباري "Aktuality"، حيث كان يعمل الصحفي المقتول كوسياك: "أنا أثق بالشرطة، لكني لا أثق بقادتها". وفي غرفة الأخبار، يوجد جدار يغطيه ملصق عليه شبكة عنكبوتية من العلاقات بين السياسيين السلوفاكيين والمافيا، وفي الخارج يقف حراس الأمن الأقوياء للمراقبة، وهي إضافة جديدة منذ جريمة القتل بحق كوسياك وخطيبته.

احتشد عشرات الآلاف للتظاهر في سلوفاكيا تنديدًا برفض وزير الداخلية إقالة قائد الشرطة (رويترز)
احتشد عشرات الآلاف للتظاهر في سلوفاكيا تنديدًا برفض وزير الداخلية إقالة قائد الشرطة (رويترز)

وجلبت الاحتجاجات مقارنات لا مفر منها مع الثورة المخملية، الحركة السلمية التي دفعت لنهاية الحكم الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا. لكن بينما انتقلت تلك الثورة من مطلب إلى آخر بحتمية ظاهرة، فإن الخطوات التالية للحركة الحالية أقل وضوحًا، خاصة عند النظر إلى البدائل المحتملة.

المعارضة السياسية مُجزأة، وتتكون من مجموعات مختلفة تُشكل نسبة 10% تقريبًا، وتتراوح بين مجموعة النازيين الجدد، إلى ما يُفترض أنه حزب "دعم الأسرة"، والذي يترأسه أب لعشرة أطفال مع تسع نساء مختلفات!

وكان المنظمون حريصون على الإصرار على أن الحركة الاحتجاجية تتعلق بالمشاركة المدنية، وليس بسياسات الأحزاب، وأن السياسيون ممنوعون من مخاطبة الحشود في المسيرات.

يقول مارتن بتورا، وهو أحد الأعضاء المؤسسين لحزب "جمهور ضد العنف"، وهي حركة سياسية سلوفاكية تأسست خلال الثورة المخملية: "كان لدينا عام 1989 سلسلة من المطالب التي تم الاستجابة لها واحدة تلو الأخرى"، مُضيفًا: "أما مع هؤلاء الأولاد والبنات (متظاهرو الاحتجاجات الحالية)، فالوضع أكثر تعقيدًا. ليس من السهل الحصول على مطالب واضحة ومفهومة".

هناك بعض الدلائل على وجود انخراط عام جديد في السياسة، إذ تقول بالوجوفا إنه في الأسابيع التي تلت مقتل الصحفي كوسياك، شهدت صحيفتها حجمًا هائلًا من التواصل من جهة الأشخاص الراغبين في الحصول على تسريبات ومعلومات ووثائق متعلقة بالفساد.

وتركز الحركة الاحتجاجية الآن على دفع الشباب السلوفاكي للانخراط اجتماعيًا وسياسيًا، وربما التسجيل في الانتخابات المحلية في تشرين الثاني/نوفمبر القادم، حيث يمكن للمرشحين التقدم كمستقلين، بعيدًا عن الانتماءات الحزبية.

تُركز الحركة الاحتجاجية في سلوفاكيا الآن، على دفع الشباب للانخراط في النشاط الاجتماعي والسياسي

يقول زيليجا: "نحن لسنا سعداء بالحكومة الجديدة، لكن هذا ليست احتجاجات الميدان الأوروبي في أوكرانيا (2013)"، مضيفًا: "سنتظاهر في نطاق الدستور فقط. وقد حققنا الكثير بالفعل. قبل شهر، لم يكن يظن أحد أنه من الممكن الإطاحة بفيتسو. لكن الشرفاء الذين يريدون العيش في بلد محترم، دفعوه إلى الاستقالة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل يكون 2018 عام الثورة المضادة على مكتسبات انتفاضة 1968 في أوروبا؟

الديمقراطية على حافة الهاوية