05-يناير-2021

تصعيد محتمل مع طهران في آخر أيام إدارة ترامب (أ.ب)

كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن تلقيها رسالة من السلطات الإيرانية تفيد بأنها تتجه نحو تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء تزيد خمسة أضعاف عن الرقم المتفق عليه مع الدول الكبرى سابقًا، قبل أن يعلن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب انسحاب بلاده أحاديًا مما بات يعرف بالاتفاق النووي الإيراني في عام 2018، وظهور توقعات بأن ترامب قد يتجه إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران قبل مغادرته منصبه يوم 20 من الشهر الجاري.

كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن تلقيها رسالة من السلطات الإيرانية تفيد بأنها تتجه نحو تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء تزيد خمسة أضعاف عن الرقم المتفق عليه مع الدول الكبرى سابقًا

تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء تصل إلى 20 بالمائة

قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تتبع في هيكليتها للأمم المتحدة إن إيران أبلغتها بأنها بدأت التخطيط لتخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء تزيد على 20 بالمائة، وهو مستوى من التخصيب كانت قد وصلت إليه سابقًا قبل أن توقع مع الدول الكبرى على الاتفاق النووي الإيراني في عام 2015، في الوقت الذي أشارت تقارير مختلفة إلى أن التوقعات تتجه إلى أن طهران ستبدأ تخصيب اليورانيوم في موقع فوردو النووي.

اقرأ/ي أيضًا: التكهنات بهوية الزعيم الإيراني الجديد تعود.. من سيكون خليفة خامنئي؟

وحدد الاتفاق النووي الذي وقع بين طهران من طرف والدول الكبرى من طرف آخر نسبة تخصيب اليورانيوم لإيران بنسبة لا تزيد على 3.67 بالمائة، إلا أن الانسحاب الأمريكي الأحادي من الاتفاق دفع طهران لرفع نسبة التخصيب إلى نسبة تقارب 4.5 بالمائة، قبل أن تعلن على لسان رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي أنها ستبدأ تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء تصل إلى 20 بالمائة.

ويأتي إعلان صالحي الأخير ليؤكد التقارير الغربية التي تحدثت عن شروع طهران ببناء موقع داخل منشآتها النووية التي تقع تحت الأرض في فوردو، بعدما أشارت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية إلى أن صور الأقمار الاصطناعية التي حصلت عليها من شركة ماكسار تكنولوجيز، أظهرت أن طهران بدأت بتشييد البناء في الشطر الشمالي الغربي من الموقع بالقرب من مدينة قم، على بعد حوالي 90 كم جنوب غربي طهران.

التوترات الإيرانية – الأمريكية تنتقل إلى 2021

يأتي إعلان طهران عن توجهها بتخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء كانت قد وصلت إليها فعليًا قبل توقيعها الاتفاق النووي مع الدول الكبرى، في الوقت الذي تتحدث غالبية التقارير الغربية عن ذهاب الرئيس ترامب إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران قبل أن يتسلم الرئيس جو بايدن مهامه رسميًا في البيت الأبيض، بعدما شهد العام الماضي العديد من التوترات المتزايدة التي كانت من الممكن أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية بين الطرفين، والتي بدأت باستهداف طائرات مسيّرة أمريكية موكب قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني مع بداية العام 2020، والذي قوبل حينها بانتقادات شديدة اللهجة من مسؤولي الحزب الديمقراطي.

وفيما كانت التوقعات تشير إلى أن اغتيال سليماني قد يساهم بشكل أو بآخر من زيادة التوترات المتصاعدة بين الطرفين في الشرق الأوسط منذ أكثر من عامين، لأنها تزايدت بشكل أكبر مع الهجمات الصاروخية التي نفذتها الفصائل المنضوية ضمن منظومة الحشد الشعبي ضد القواعد العسكرية التي تضم القوات الأمريكية في العراق، بالإضافة لمحيط السفارة الأمريكية في بغداد، فضلًا عن مضاعفة تل أبيب للضربات الجوية التي استهدفت القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا.

وبالطبع فإن العام الماضي شهد إلى جانب ذلك خروج محطة نظنز النووية الإيرانية عن الخدمة بعدما استهدفت بهجمات سيبرانية، بالإضافة إلى عديد التفجيرات الغامضة التي استهدفت مواقع إيرانية مختلفة داخل طهران، فضلًا عن حادثة اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده أكبر، والذي يُنظر إليه داخل إيران على أنه مهندس البرنامج النووي الإيراني، مما دفع الحكومة الإيرانية للرد على هذه التهديدات باتخاذ إجراءات جديدة تدعم من خلالها برنامج النووي، مع اتهامها إسرائيل بالوقوف وراء هذه الأعمال العدائية.

ولا يمكن في هذا السياق فصل مصادقة البرلمان الإيراني على مشروع قانون يعيد البرنامج النووي الإيراني إلى ما قبل الاتفاق النووي الموقع مع الدول الكبرى عن التوترات المتزايدة في المنطقة، بعدما أقر البرلمان ضمن تسعة بنود حملة عنوان "الإجراء الاستراتيجي لإلغاء العقوبات الأمريكية" المفروضة على إيران، وهو ما يلزم الحكومة الإيرانية التي تعارض القانون بـ"إنتاج 120 كيلوغرامًا على الأقل من اليورانيوم سنويًا، بنسبة تخصيب 20 بالمائة في منشأة فوردو، وذلك بعد شهرين من إقرار القانون".

تحركات عسكرية مشتركة في  منطقة الخليج

ليس غريبًا أن عدم تمكن ترامب من الفوز بولاية ثانية في البيت الأبيض أثار المخاوف بشأن رغبته إشعال مواجهة عسكرية مع طهران في الشرق الأوسط، والتي زاد من توقعاتها وصول حاملة الطائرات يو إس إس نيميتز إلى منطقة الخليج مع سفن حربية أخرى، قبل أن تتبدد هذه المخاوف بإعلان القائم بأعمال وزارة الدفاع كريستوفر ميلر سحبها من المنطقة، فيما قالت تقارير أمريكية إن الهدف من إرسال حاملة الطائرات توجيه "رسالة ردع متزايدة لإيران".

وكانت المخاوف تدور في إطار الرد الانتقامي الإيراني على اغتيال الجنرال سليماني في 3 كانون الثاني/يناير 2020، والتي جاءت على لسان قائد فيلق القدس إسماعيل قآني الذي أعاد التهديدات التي أطلقتها بلاده مع بداية العام الجاري، عندما أشار إلى ذلك قائلًا: "عليهم (الأمريكيين) أن ينتظروا الانتقام الأقسى.. الزمان والمكان ستحددهما قوات جبهة المقاومة العزيزة"، وتابع مضيفًا في إشارة إلى إمكانية أن يكون الرد داخل الولايات المتحدة، أن "أولئك الذين شاركوا في هذا الاغتيال لن يكونوا آمنين على الأرض.. هذا مؤكد".

وكانت شبكة NBC الأمريكية قد نقلت على لسان مسؤول في الإدارة الأمريكية إشارته إلى رصد واشنطن مؤشرات متزايدة على تخطيط طهران لشن هجوم ضد القوات أو المصالح الأمريكية في المنطقة، مضيفًا بأن واشنطن تأخذ هذه المؤشرات على محمل الجد، على الرغم من صعوبة قراءة نية إيران أو التنبؤ بها، فيما أعرب مسؤول في البنتاغون في حديثه لشبكة CNN الأمريكية عن قلقه من مبالغة مسؤولين بالحكومة من حقيقة الوضع الراهن مع إيران.

في حين نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية على لسان محللين استخباراتيين قولهم إن الإدارة الأمريكية رصدت خلال الأيام الأخيرة دخول القوات الإيرانية في حالة تأهب قصوى، وأضاف المحللون بأن عملية الرصد شملت نقل المزيد من الصواريخ الإيرانية قصيرة المدى والطائرات المسيّرة إلى العراق، مضيفة بأن المسؤولين في البنتاغون لا يعرفون حتى الآن ما إذا كانت إيران أو وكلائها في العراق يستعدون لاستهداف القوات الأمريكية أم أنها مجرد إجراءات دفاعية لصد أي هجوم محتمل يأمر ترامب بشنه.

واعتبارًا من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أعاد البنتاغون نشر ألفي جندي إضافي مع سرب من الطائرات المقاتلة في السعودية، وألحقها بإرسال قاذفات من طراز "بي-52" في مهام بالخليج العربي لثلاثة مرات متتالية، كما أعلن عن إرسال غواصة هجومية مخصصة لإطلاق صواريخ توماهوك إلى خارج المياه الإقليمية الإيرانية، وانضمت تل أبيب إلى هذا الانتشار بإرسالها غواصة مجهزة نوويًا إلى الخليج.

سيناريوهات متضاربة ومخاوف من تنفيذ ترامب لتهديداته

حتى الآن لا تزال التوقعات متضاربة بشأن إمكانية إعلان ترامب توجيه ضربة عسكرية جديدة للمنشآت النووية الإيرانية، على الرغم من وجود ترجيحات في هذا الشأن، والتي تدخل في سياقها التقارير التي تحدثت عن مواجهة الإدارة الأمريكية الحالية لضغوط مشتركة من تل أبيب والرياض تطالب الإدارة الأمريكية بشن هجوم عسكري على المنشآت الإيرانية قبل أن يتولى جو بايدن مهامه في البيت الأبيض.

وأشارت تقارير منفصلة مرتبطة بالسياق عينه إلى أن الضغوط السعودية – الإسرائيلية أثارت المخاوف مجددًا من تخطيط ترامب لشن مثل هذا الهجوم، والتي كان قد مهد لها بسؤاله الموظفين في إدارته عن الخيارات المتاحة لضرب المنشآت النووية داخل إيران، وعلى الرغم من رفض المسؤولين الأمريكيين لمخطط ترامب، فإن التحركات العسكرية التي نفذتها واشنطن خلال الأسابيع الماضية في المنطقة، أعادت المخاوف مجددًا لإمكانية إقدام ترامب على القيام بمثل هذا الفعل "الكارثي".

وتزايدت المخاوف أكثر بإقدام ترامب على شن هجوم عسكري ضد إيران، بعدما رفضت إدارته السماح لفريق بايدن الانتقالي بالاجتماع مع وكالات الاستخبارات الدفاعية، وهو الأمر الذي عبّر عنه النائب البريطاني المحافظ ورئيس لجنة الدفاع في مجلس العموم توبياس إلوود بقوله إن ترامب: "يخطط لعمليتين مهمتين قد تحصلان على الضوء الأخضر قبل 20 كانون الثاني/يناير"، بينما وصفها الدبلوماسي السويدي السابق كارل بيلدت بأنها "تغييرات حديثة تتعلق بعمليات وشيكة محتملة أو مخطط لها".

وبحسب الخبير الاستراتيجي تريتا باريسي فإن هناك عاملين أساسيين يجب تحديدهما في إطار التوقعات بشأن تنفيذ ترامب هجومًا عسكريًا ضد إيران، يأتي في المقام الأول فشل السياسة الخارجية التي انتهجها اتجاه إيران خلال السنوات الأربع الماضية، في حين يضع في المقام الثاني محاولة ترامب الانقلاب بكافة الوسائل الممكنة على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أفضت لفوز بايدن، والتي يدخل في سياقها دعوة الجنرال المتقاعد مايكل فلين لنشر الجيش الأمريكي في الولايات التي كانت نتائجها متأرجحة بهدف إعادة الانتخابات الرئاسية.

ويضيف باريسي بأن إعلان ترامب شن هجوم على إيران سيحظى بدعم النسبة الأكبر من المسيحيين الإنجيليين الذين يعتبرون أن أي مواجهة عسكرية مع إيران، ليست إلا "تحقيقًا لنبوءة نهاية العالم في سفر الرؤيا"، إضافةً لنبوءة أكبر داعم مالي للحزب الجمهوري شيلدون أديلسون، والذي رضخ ترامب فعليًا لجميع مطالبه، بما في ذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إلا أنه رفض في مقابل ذلك إعلان الحرب على إيران.

اقرأ/ي أيضًا: المتشددون يسيطرون على البرلمان الإيراني.. هل بدأ التحضير لاختيار خليفة خامنئي؟

من جهتها أشارت مجلة فورين بوليسي الأمريكية في تقرير لها إلى أنه على الرغم من أن العقوبات الأمريكية المشددة التي أعاد ترامب فرضها على طهران قد أدت لانهيار الاقتصاد الإيراني، فإنها في مقابل ذلك لم تحقق شيئًا آخر، بالأخص بعدما أعادت طهران إحياء برنامجها النووي مرةً أخرى، مشيرةً إلى أن التوترات الدبلوماسية التي شهدتها المنطقة العام الماضي، إضافةً للاحتجاجات الشعبية التي خرجت داخل إيران، وتمكن التيار الإيراني المحافظ من السيطرة على البرلمان الإيرني، لم تظهر أن الحكومة الإيرانية تأثرت فعليًا بالعقوبات.

تزايدت المخاوف أكثر بإقدام ترامب على شن هجوم عسكري ضد إيران، بعدما رفضت إدارته السماح لفريق بايدن الانتقالي بالاجتماع مع وكالات الاستخبارات الدفاعية

وتختم المجلة الأمريكية تقريرها مشيرة إلى تصميم إدارة ترامب مع بعض الحلفاء الإقليميين في المنطقة على تعقيد مهام عودة إدارة بايدن إلى الاتفاق النووي، والتي قد تتعقد بشكل أكبر في ظل المخاوف من رد واشنطن على الهجمات الصاروخية التي تشنها الفصائل الموالية لإيران ضد القوات الأمريكية المتواجدة في العراق، مضيفةً بأنه يمكن لإدارة بايدن أن تمارس دورًا مهمًا من خلال استخدام ثقلها لحث الحكومة الإيرانية إلى جانب دول الخليج على الدخول في حوار لنزع فتيل التوترات الإقليمية، ومنعها من اندلاع حرب إقليمية قد تنشب عن غير قصد في المنطقة.