22-يونيو-2019

تراجع دونالد ترامب عن قرار تصعيد ضد إيران في اللحظات الأخيرة (Getty)

ألغى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضربة عسكرية محدودة كان متوقعًا تنفيذها فجر الجمعة ضد أهداف عسكرية داخل إيران ردًا على إسقاط طائرة تجسس أمريكية مسيّرة من قبل دفاع الجو الإيراني، وحمل التصعيد الأخير في المنطقة تحذيرات دولية من حدوث مواجهة عسكرية بين الطرفين في ظل التوتر الدبلوماسي غير المسبوق بين الولايات المتحدة وإيران في الشرق الأوسط.

لا تزال تداعيات إسقاط الطائرة الأمريكية المسيّرة غير معروفة بعد إلغاء ترامب لقرار تنفيذ الضربة العسكرية المحدودة كما وصفتها تقارير الصحف الغربية

إيران تتهم واشنطن باختراق أجوائها الجوية

أعلن الحرس الثوري الإیراني الخميس إسقاط طائرة تجسس أمريكية مسيّرة بدون طيار من طراز جلوبال هاوك بعد اختراقها مياهها الإقليمية بحسب بيان صادر عن الحرس الثوري، وأضافت طهران أنها أسقطت الطائرة في محافظة هرمزجان جنوب إيران بعد اختراقها الأجواء الإيرانية، باستخدام منظومة الدفاع الجوي الصاروخية 3خرداد، فيما نفى الجيش الأمريكي التقارير الإيرانية التي تشير لاختراق الأجواء الجوية الإيرانية.

 أقرأ/ي أيضًا: بعد تعزيز واشنطن ترسانتها العسكرية.. هل ينتظر الشرق الأوسط حربًا شاملة؟

وقالت وكالة أنباء فارس إن الطائرة المسيّرة أقلعت من قاعدة الظفرة الجوية في الإمارات، وأوضحت وسائل أعلام إيرانية أن الطائرة أقلعت من "إحدى القواعد الأمريكية في جنوب الخليج الفارسي، وخلافًا لقوانين الملاحة الجوية فقد كانت قد أطفأت جميع الأجهزة المتعلقة بتعريفها وفي منتهى السرية"، ونشر الحرس الثوري الإيراني مقاطع مصورة تظهر لحظة استهداف الطائرة المسيّرة في المياه الإقليمية الإيرانية حسبما ذكر.

وجاء الرد الأمريكي سريعًا على لسان الرئيس دونالد ترامب عندما أكد في تغريدة عبر حسابه الرسمي على تويتر أن إيران "ارتكبت خطًأ كبيرًا"، لكنه عاد بعدها للتخفيف من حجم الحادثة، مشيرًا إلى أنه لو كانت الطائرة مأهولة لكان "الأمر سيختلف جدًا"، فيما يظهر عدم نيته التصعيد عسكريًا.

والتطورات الأخيرة في المنطقة تأتي بعد أقل من أسبوع على تحميل واشنطن لطهران مسؤولية الهجوم الذي استهدف ناقلتي نفط في مياه الخليج الإقليمية منتصف الشهر الجاري، وكانت واشنطن قد اتهمت بشكل مباشر في وقت سابق طهران بوقوفها خلف الهجوم الذي استهدف ناقلات النفط في ميناء الفجيرة الإماراتي الشهر الفائت.

سلامة الأجواء الجوية والبحرية للخليج العربي في خطر

حظرت إدارة الطيران الاتحادية الأمريكية على شركات الطيران الأمريكية التحليق في مجال جوي تسيطر عليه إيران فوق مضيق هرمز وخليج عمان، وأعلنت فعلًا شركة يونايتد إيرلاينز تعليق رحلاتها من مطار نيوارك بولاية نيوجيرزي الأمريكية إلى مومباي مركز الهند المالي بعد مراجعة تتعلق بالسلامة نتيجة إسقاط الطائرة من علو مرتفع جدًا.

وطائرة التجسس الأمريكية التي أسقطتها طهران تًعرف باسم النسر العالمي للارتفاعات العالية وبعيدة المدى بقيمة سعرية في السوق تتجاوز 120 مليون دولار، وهي مزودة بأنظمة تجسس متطورة تصل حمولتها لـ900 كيلوغرام، ويمكنها التحليق لارتفاع 65 ألف قدم، ووصف خبراء إسقاطها بـ"المحرج جدًا" لواشنطن، كون ذلك يعد أقرب للمستحيل، والنموذج الذي أسقطته طهران قادر على الطيران لمسافة 8200 ميل، ولمدة 24 ساعة دون توقف وعلى ارتفاع شاهق.

وقالت طهران إن إسقاط الطائرة المسيّرة كان بواسطة منظومة الدفاع الجوي 3خرداد التي أعلنت عن بدء العمل بها عام 2014، وبحسب وكالة أنباء فارس الإيرانية فإن المنظومة متوسطة المدى تستخدم لتدمير أنواع الاهداف الجوية في ارتفاعات متوسطة، وتحظى بقابلية التصدي للاهداف حتى ارتفاع 27 كم، وقادرة على تدمير الأهداف على بعد 75 كم، كما يمكنها التصدي لأربعة أهداف بصورة متزامنة، والتصدي للطائرات التكتيكية والاستراتيجية والمروحيات وصواريخ كروز والطائرات المسيّرة.

ولا يقتصر الاستعراض العسكري في منطقة الخليج بين الطرفين على الأجواء الجوية التي بدأت تشهد مزيدًا من المخاوف بعد استخدام طهران لنظام دفاع جوي للمرة الثانية بعد إسقاطها طائرة استطلاع أمريكية كانت تجمع أدلة على الهجوم الذي استهدف ناقلتي النفط قبل أسبوع في مياه الخيلج العماني، إنما شملت تداعياته السلبية إمدادات النفط القادمة من الخليج العربي بعدما أصبحت سلامة مرورها غير آمنة، وهو ما أثار مخاوف بين الدول الآسيوية من انقطاع الإمدادات النفطية التي تعتمد عليها بشكل رئيسي في قطاعي الصناعة والنقل.

ما تداعيات حادثة إسقاط طائرة التجسس الأمريكية؟

كانت أبرز التوقعات بشأن إسقاط الطائرة المسيّرة تشير لاحتمالية تنفيذ واشنطن ضربة عسكرية محدودة اتجاه مواقع إيرانية على غرار ما فعلته سابقًا في سوريا، حين استهدفت بضربتين جويتين ما بين عامي 2017 – 2018 مواقع عسكرية لقوات النظام السوري ردًا على تقارير لضلوعه باستخدام السلاح الكيميائي بقصف القطاعات المدنية في مناطق سيطرة المعارضة السورية.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين أمريكيين أن ترامب وافق على تنفيذ ضربة عسكرية أمريكية محدودة تسهدف أهدافًا كأجهزة رادار وبطاريات صواريخ قبيل فجر الجمعة قبل أن يعطي أمرًا بإلغائها، مشيرًة إلى أن الطائرات كانت محلقة، والسفن كانت في مواقعها، لكن لم تنطلق أية صواريخ عندما صدر لها أمر بالمغادرة، ووفقًا للصحيفة الأمريكية من غير المعروف إن كان إلغاء الضربات ناجم لرجوع ترامب عن رأيه أم نتيجة قلق الإدارة من أمور تتعلق باللوجيستيات أو الاستراتيجية.

وكانت واشنطن خلال الفترة الماضية قد عززت من ترسانتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط بإرسالها حاملة الطائرات "أبراهام لينكولن" إلى الشرق الأوسط، ثم ألحقت ذلك بإرسال 1500 جندي أمريكي إلى المنطقة.

وتعليقًا على تقرير الصحيفة الأمريكية كشف مسؤولان إيرانيان لوكالة رويترز تلقي طهران رسالة من ترامب عبر سلطنة عمان للتحذير من هجوم وشيك للقوات الأمريكية على إيران، وأشارا إلى أن ترامب ذكر في رسالته أنه ضد أي حرب مع إيران، ويريد إجراء محادثات معها بشأن عدد من القضايا، وحدد فترة زمنية قصيرة للحصول على الرد، إلا أن الرد الفوري لطهران بسحب المسؤولين الإيرانيين هو أن القرار بيد الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي في هذه المسألة.

والتصعيد الأخير في المنطقة أتى بعد سلسلة من الإجراءات اتخذتها واشنطن منذ انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة فرض حزمة من العقوبات الاقتصادية اتجاه طهران لإضعاف الاقتصاد الإيراني، وإرغامها على التفاوض ببنود جديدة، واستهدفت الحزمة الأخيرة من العقوبات الأمريكية مطلع الشهر الجاري أكبر مجموعة قابضة للبتروكيماويات في طهران، ووفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية فإن الشركة توفر  الدعم المالي للذراع الاقتصادية للحرس الثوري المسؤول عن برنامج الصواريخ الباليستية والبرنامج النووي.

وكانت تقارير صحفية قد قللت من حجم العقوبات الأمريكية التي استهدفت خلال الشهرين الماضيين الحرس الثوري، والكيانات الإيرانية المتعاملة معه، وكشفت أن الحرس الثوري يمكنه التحايل على العقوبات الاقتصادية عبر مصادر جديدة، يأتي في مقدمتها عقود البنية التحتية الموقعة حديثًا في سوريا والعراق.

مابين إقرار أو إلغاء الضربة العسكرية.. هل ينفذ ترامب تهديده؟

لا تزال تداعيات إسقاط الطائرة الأمريكية المسيّرة غير معروفة بعد إلغاء ترامب لقرار تنفيذ الضربة العسكرية المحدودة كما وصفتها تقارير الصحف الغربية، وردت طهران على التقارير بتحميلها رسالة لواشنطن عبر السفير السويسري بأن الولايات المتحدة ستكون مسؤولة عن عواقب أي عمل عسكري ضدها وفقًا لوكالة فارس الإيرانية، التي أضافت أن طهران أكدت للسفير السويسري أنها لا تريد حربًا مع واشنطن.

وتشير التصريحات الأخيرة من كلا الطرفين إلى أنهما لا يريدان الذهاب إلى مواجهة عسكرية غير محسومة العواقب، إلا أن واشنطن وضعت قواتها في منطقة الشرق الأوسط على أهبة الاستعداد لمدة 72 ساعة بحسب تقرير لمجلة نيوزويك الأمريكية، مشيرًة إلى أنه في حال قرر ترامب مهاجمة طهران فإن ذلك سيكون خروجًا عن تعهداته السابقة بعدم شن عمليات عسكرية مكلفة ماليًا وفترتها الزمنية طويلة خارج الولايات المتحدة.

وانتقدت السناتور الديموقراطي إليزابيث وارين المرشحة للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة سياسة ترامب الخارجية بعد انتشار خبر إسقاط الطائرة، وقالت عبر تويتر بعد أن ذكّرت بتصريحات ترامب حول إعادة القوات الأمريكية إلى البلاد، إنه بدلًا من ذلك قام بالانسحاب من "صفقة ناجحة" في إشارة للاتفاق النووي الإيراني، و"حرض على نزاع آخر غير ضروري"، مشددًة على الحاجة للتراجع عن هذه الحرب.

وبرزت تقارير صحفية خلال الفترة الماضية تشير لأن ترامب طلب من المسؤولين الأمريكيين في إدارته التخفيف من الخطاب الحاد المستخدم اتجاه إيران، وأعرب مشرعون في الكونغرس الأمريكي عن قلقهم من تجاوز إدارة ترامب لها بشن هجوم عسكري على طهران دون مناقشة ذلك معهم، وكانت رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي قد حثت أمس الخميس ترامب الحصول على موافقة الكونغرس لشن ضربة عسكرية ضد إيران، مشيرًة إلى أنه لا يمكن التنبؤ إذا كان ترامب سيتشاور مع الكونغرس قبل تنفيذ الضربة العسكرية.

وتسود مخاوف داخل الكونغرس الأمريكي حول استخدام إدارة ترامب للقانون المرتبط بأحداث 11 أيلول/سبتمبر لاستخدامه في تنفيذ ضربة عسكرية ضد مواقع داخل إيران، حيثُ يعتقد مشرعون أن الناحية القانونية للقانون تشمل إيران، ويسمح القانون الذي أقره الكونغرس الأمريكي باتخاذ رد عسكري ضد أي دولة أو منظمة أو أشخاص قاموا بالتخطيط أو إعطاء الأوامر أو تنفيذ أو ارتكاب أو المساعدة على تنفيذ هجمات ضد المصالح الأمريكية.

أقرأ/ي أيضًا: بعد تعزيز ترسانتها العسكرية.. ترامب يتبنى خطاب التهدئة اتجاه إيران

واعتبر مراسل الشؤون الدفاعية لـ"بي بي سي" جوناثان ماركس في تعليقه على التطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة بعد إسقاط الطائرة الأمريكية، أن تصريحات ترامب الأخيرة المرتبطة بالحادثة تشير إلى التقارير السابقة التي تحدثت عن حرص البيت الأبيض على التخفيف من حدة التوتر مع إيران، وأضاف أن ترامب يراهن على احتمال ألا يتبع الجميع في طهران نفس قواعد اللعب، وربما يتركون مساحة لأصوات أكثر اعتدالًا هناك، لديها نفس الرغبة الأمريكية في التخفيف من حدة التوتر.

تشير التصريحات الأخيرة من كلا الطرفين الأمريكي والإيراني إلى أنهما لا يريدان الذهاب إلى مواجهة عسكرية غير محسومة العواقب، إلا أن واشنطن وضعت قواتها في منطقة الشرق الأوسط على أهبة الاستعداد لمدة 72 ساعة

وكانت مجموعة من الدول الغربية والاتحاد الأوروبي قد عبّرت عن قلقها من التوتر المتزايد بين طهران وواشنطن عقب إسقاط الطائرة الأمريكية، وصرحت المتحدثة باسم الأمين العام للأمم المتحدة أليساندرا فيلوتشي الجمعة من جنيف تعليقًا على الوضع في الخليج أن الأمين العام للأمم المتحدة يوصي أن يتحلى الطرفان "بأعصاب من حديد".

اقرأ/ي أيضًا: 

حين أصبحت هواوي رأس الحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة

"قرن الأمجاد الصينية".. صراع بكين وواشنطن للسيطرة على الجيل الخامس