مضى أكثر من عامين على شغور منصب الرئاسة في لبنان، بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق، ميشال عون في تشرين الأول/أكتوبر 2022، والذي وصل في الأساس إلى قصر بعبدا في عام 2016 بعد شغور المنصب ذاته لمدة لا تقل عن 29 شهرًا، في جلسة تخللها فوضى ما صار يُعرف "بالصوت الزائد".
وتتجه الأنظار، غدًا الخميس، إلى مقر مجلس النواب اللبناني وسط بيروت، حيثُ من المقرر أن يصوت النواب على اختيار رئيس جديد للبنان، وسط حالة ضبابية تخيّم على المشهد بشكل عام، خاصة في ظل الانقسام بين الطبقة السياسية التقليدية على هوية المرشحين، فيما يتهم الشارع اللبناني النواب التغييرين الذين جاؤوا من رحم ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر بانحيازهم لهذه الطبقة التقليدية الحاكمة منذ عقود في لبنان.
الكتل النيبابية والتحالفات
قبل الحديث عن حظوظ المرشحين، لا بد من أن نعرج قليلًا على طبيعة الكتل النيابية في البرلمان اللبناني. فقد حصل حزب القوات اللبنانية على 19 مقعدًا في الانتخابات التي نُظمت في أيار/مايو 2022، ويليه التيار الوطني الحر بـ18 مقعدًا، فيما حصلت حركة أمل على 15 مقعدًا، ومثلها للنواب التغييرين.
التغيّرات التي طرأت على المشهد اللبناني بعد آخر جلسة لانتخاب رئيس جديد للبنان في حزيران/يونيو 2024، قد تشير إلى توافق لبناني على ضرورة انتخاب رئيس جديد
كذلك، حصل النواب المستقلون في الانتخابات الأخيرة على 13 مقعدًا، ومن بعدهم الحزب التقدمي الاشتراكي بتسع مقاعد، أما ما تبقى من مقاعد فقد توزعت بين أحزاب وقوى سياسية لم تتجاوز عتبة الست مقاعد. ومع عقد أولى الجلسات النيابية، أُعيد فرز هذه المقاعد على أسس كتل نيابية، والتي يحظى بأغلبيتها الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)، في الوقت الذي يشهد الشارع المسيحي انقسامًا بين القوات اللبنانية والتيار الوطني، فضلًا عن فك التيار لتحالفه مع حزب الله، بعد 18 عامًا من التوافق السياسي.
ويضم البرلمان اللبناني 128 نائبًا، حيثُ يحتاج الاسم المرشح إلى ثلثي الأصوات، أو ما يعادل 86 صوتًا في الجولة الأولى، وفي حال لم يحصل أي من الأسماء المرشحة على هذا العدد من الأصوات، يتم الدعوة إلى دورة ثانية، على أن يتم اختيار الاسم الذي يحصل على 65 صوتًا.
حظوظ وفرص المرشحين
التغيّرات التي طرأت على المشهد اللبناني بعد آخر جلسة لانتخاب رئيس جديد للبنان في حزيران/يونيو 2024، قد تشير إلى توافق لبناني على ضرورة انتخاب رئيس. إذ إنه ما كان واضحًا خلال الجلسات السابقة، ما لا يقل عن 12 جلسة، إصرار الثنائي الشيعي على انتخاب رئيس تيار المردة، سليمان فرنجية، الحليف الرئيسي لحزب الله، في مقابل رفض القوى السياسية المسيحية انتخاب فرنجية، وفي مقدمتها القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، بالإضافة إلى حزب الكتائب.
يمكن إرجاع هذا الرفض إلى مجموعة أسباب، لكن أهمها يبقى أن انتخاب عون قبل 9 أعوام، جاء عبر تفاهمات بين حزب الله والتيار الوطني الحر، الذي كان يتزعمه حينها عون نفسه، بالإضافة إلى إلى حصوله على دعم زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، لكن الانتخابات البرلمانية الأخيرة أفضت إلى فقدان المستقبل الذي يُمثل المكون السني غالبية مقاعده، وفي المقابل كانت المفاجئة بفوز النواب التغييرين بـ15 مقعدًا.
كذلك، فإن المشهد السياسي تغير بصورة متسارعة منذ توسع العدوان الإسرائيلي على لبنان في 23 أيلول/سبتمبر 2024، وما رافقه من تطورات كان أبرزها الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وهو ما دفع بالأمين العام الجديد، نعيم قاسم، إلى إعلانه تفويض الحزب لرئيس مجلس النواب وزعيم حركة أمل، نبيه بري، بانتخاب رئيس جديد، في الوقت الذي بدأت التقارير تتحدث عن تراجع حظوظ فرنجية، في مقابل تصدّر قائد الجيش، جوزيف عون، الذي يحظى بتوافق دولي، خاصة في ظل التطورات التي طرأت على المشهد السوري، بسقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في سوريا.
ومن باب التذكير، كان أحد البنود التي أفضت إلى وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، أن يتم انتخاب رئيس جديد، والمؤكد أن قائد الجيش كان يحظى حينها بتوافق دولي. وفي المقابل برز حينها اسم زعيم حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، كواحد من الأسماء المرشحة، بعدما أشار في تصريحات غير مباشرة إلى احتمالية حدوث ذلك، لكن المعطيات المتوفرة تشير إلى استبعاد انتخاب جعجع.
مناورة الطبقة السياسية
في تصريحات أطلقها مؤخرًا مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله، وفيق صفا، قال: "ليس لدينا فيتو على قائد الجيش، والفيتو الوحيد بالنسبة إلينا هو على (رئيس حزب القوات اللبنانية) سمير جعجع"، وهو ما يرفع من حظوظ جوزيف عون. ومع ذلك، يُشاع في الأوساط اللبنانية أن اختيار عون يحتاج تعديلًا دستوريًا، رغم التوافق الدولي والمحلي، نوعًا ما على اسمه، نظرًا لأن المادة 49 من الدستور اللبناني تنص على أنه "لا یجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى" في حال كانوا على رأس عملهم.
لكن نائبة رئيس تحرير صحيفة "لوريان لوجور" اللبنانية الناطقة بالفرنسية، ريتا ساسين، ترى في حديثها لموقع "الترا صوت" أنه حتى الآن "الكل يناور خاصة في ما يخص ترشيح قائد الجيش"، وتعتبر أن "الحزب لن يسير بقرار مختلف عن حليفه نبيه بري. وهذا الأخير لن يقبل بجوزيف عون رئيسًا"، معيدة التذكير بأن "أحد نواب الحزب قال إن مرشحهم يبقى إلى الآن سليمان فرنجية".
وتضيف ساسين أن "التيار الوطني الحر (ممثلًا بجبران باسيل) لن يسير بترشيح قائد الجيش"، مشيرةً إلى وجود "ضغوط خارجية ودعم خارجي لقائد الجيش، لكنه لم يفضي إلى نتيجة حاسمة بعد"، معتبرةً أن "الجلسة مفتوحة على كل الاحتمالات، منها فرط النصاب أو التأجيل أو انتخاب شخصية غير جوزيف عون، الذين اتفقو جميعًا على قطع الطريق عليه"، وفي هذا الجانب توضح أنه علينا "أن نرى حجم الضغوط الدولية، خاصة ربط الملف الرئاسي بالحرب، والانسحاب الإسرائيلي من الجنوب. كل الأمور ممكن أن تتغير في الربع الساعة الأخيرة".
تقول رئيس تحرير صحيفة "لوريان لوجور" لـ"الترا صوت" إنه علينا "أن نرى حجم الضغوط الدولية، خاصة ربط الملف الرئاسي بالحرب، والانسحاب الإسرائيلي من الجنوب. كل الأمور ممكن أن تتغير في الربع الساعة الأخيرة"
كذلك يبرز أيضًا من بين الأسماء المرشحة، المدير العام للأمن العام بالإنابة، اللواء الياس البيسري، جنبًا إلى جنب مع وزير المالية السابق، جهاد أزعور، والنائب المستقل، نعمة أفرام، الذي فض تحالفه مع التيار الوطني الحر في أعقاب ثورة 17 تشرين.
وترجح الأوساط اللبنانية أن الخيار الأمثل حتى الآن هو، جوزيف عون، الذي يحظى بموافقة أطراف لبنانية عدّة في المرحلة الراهنة، وتأكيد صفا عدم وجود فيتو من الحزب عليه زاد من حظوظه.
وفي هذا الجانب ترى ساسين أنه "حتى الآن لا توافق" على أي من المرشحين أزعور والبيسري، إذ إنه من وجهة نظرها ممكن اختيار أزعور في حال "سارت القوات اللبنانية به"، وهو "ما يعمل عليه باسيل بالتنسيق مع بري"، مضيفة أن "الأمر ذاته ينطبق على البيسري المرفوض من المعارضة، لكن إن تم إقناع القوات ممكن. لكنه احتمال ضئيل"، على هذا الأساس تعتبر ساسين أن "حظوظ أزعور أقوى من البيسري".
بين الترقب والحذر، ينتظر اللبنانيون جلسة البرلمان لانتخاب رئيس للبناني ينهي الفراغ الرئاسي، في ظل أزمة سياسية متعددة الطبقات، بدأت مع الانهيار الاقتصاد، وزاد من الانقسام السياسي جراء العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، فيما لا يزال ملف إعادة الإعمار عالقًا مع استمرار التهديدات الإسرائيلية بشن ضربات جوية جديدة، دون أن نتجاهل تغير الحالة السياسية في سوريا بسقوط نظام الأسد.