07-مايو-2020

كيم جونغ أون في أول ظهور له خلال افتتاح مصنع الأسمدة شمال بيونغ يايغ (Getty)

بدد الزعيم الأعلى في كوريا الشمالية كيم جونغ أون الشائعات التي تناقلتها وسائل الإعلام الغربية حول وفاته نقلًا عن منشقين يقيمون في كوريا الجنوبية، بعدما ظهر مؤخرًا في افتتاح مصنع للأسمدة، في أول ظهور له منذ قرابة 20 يومًا، الأمر الذي دفع بالمنشقين الشماليين لتقديم الاعتذار عن المعلومات الخاطئة التي أدلوا بها، مما عرّضهم لانتقادات من مسؤولين في الحزب الديمقراطي الحاكم في الجنوب.

آخر ظهور للزعيم الأعلى في كوريا الشمالية  

على عكس التدابير الاحترازية التي اتخذتها عديد الدول والعواصم العالمية للحد من انتشار فيروس كورونا الجديد، كان الزعيم الأعلى في البلاد يمضي بإجراء تجارب صاروخية جديدة، بالقرب من الحدود مع الجنوب مطلع الأسبوع الثاني من نيسان/أبريل الماضي، في مشهد وصفته سيول حينها بأنه "يفتقر للياقة بشدة"، في ظل انشغال الخارطة العالمية بمكافحة الفيروس التاجي.

ورغم سلسلة القيود التي فرضتها السلطات المحلية في بيونغ يانغ لتفادي كارثة إنسانية في حال حدوث إصابات بين مواطنيها نظرًا لامتلاكها واحدًا من أسوء أنظمة الرعاية الصحية على المستوى العالمي، فإن جونغ أون ظهر في أكثر من مناسبة حتى ما قبل الـ12 من نيسان/أبريل الماضي، كان من بينها حضوره حفل وضع حجر الأساس لمشروع بناء مستشفى جديد أمام الآلاف من الجنود ضمن احتفالات العام الجديد.

 كان واضحًا أن التقارير التي تحدثت عن احتمالية استلام الشقيقة الصغرى مقاليد الحكم لم تؤثر على علاقتها مع جونغ أون، المعروف عنه شنه حملة ضد المناوئين لحكمه

ويرجع آخر ظهور للزعيم الشيوعي إلى يوم الـ11 من نيسان/أبريل الماضي عندما نشرت وكالة الأنباء المركزية الرسمية صورًا لترأسه اجتماعًا للمكتب السياسي للجنة المركزية لحزب العمال الكوريين، لم يرتدي فيها أي من الحضور كمامات، فضلًا عن جلوسهم إلى جانب بعضهم غير متباعدين، متجاهلين التدابير الاحترازية التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية، وكان اجتماع المكتب السياسي قد عقد بالتزامن مع اجتماع مجلس الشعب الأعلى الذي يحضره عادًة ما يزيد على 700 مسؤول في البلاد.

ولم تظهر صور تؤكد حضور جونغ أون لاجتماع مجلس الأعلى، كما أن عدم لم ظهوره لم يحظى بتغطية إعلامية، نظرًا للقرارات التي صدرت اجتماع المكتب السياسي، كان أهمها استبدال خمسة من أعضاء لجنة شؤون الدولة أعلى سلطة حاكمة في البلاد، إضافة لانتخاب نائبة مدير اللجنة المركزية لحزب العمال الحاكم كيم يو جونغ الشقيقة الصغرى لجونغ أون عضوًا بديلًا في المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الحاكم، والذي يأتي في إطار صعودها الهرمي للسلطة خلال العامين الماضيين.

كوريا الشمالية تواجه التقارير الغربية بالصمت

وفقًا للسنوات السابقة كان من المتوقع أن يحضر جونغ أون احتفالات الذكرى السنوية لميلاد مؤسس كوريا الشمالية الجد كيم إيل سونغ يوم 15 نيسان/أبريل، والذي يعتبر عطلة رسمية في البلاد يتخلله زيارة الحفيد لضريح جده، غير أن غيابه عن الاحتفالات أثار العديد من التكهنات بشأن تدهور حالته الصحية التي أثير حولها الكثير من الشائعات سواء أكانت إصابته بأزمة قلبية أو الفيروس التاجي، أو أنه يخضع للحجر الصحي بعد ثبوت إصابة أحد مرافقيه، وصلت ذروتها عندما غردت عشرات الحسابات على موقع تويتر معلنةً وفاة جونغ أون، في مقابل صمت مطبق من وسائل الإعلام الرسمية في الشمال.

لكن هذا الصمت الذي أبدته بيونغ يانغ حيال الحالة الصحية لجونغ أون قوبل بتقارير نشرتها عديد وسائل الإعلام الغربية التي تؤكد خضوعه لعملية جراحية في نظام القلب والأوعية الدموية يوم 12 نيسان/أبريل الماضي، وتعزز هذا الخبر مع ورود تقارير تشير لإرسال الصين فريقًا يضم خبراء طبيين لتقديم المشورة بشأن الحالة الصحية للزعيم الشمالي، ووفقًا لمصادر كانت ضمن الوفد المرسل فإن الفريق كان برئاسة عضو كبير في إدارة الاتصال الدولي بالحزب الشيوعي الصيني، وهي الهيئة الصينية الرئيسية التي تتعامل مع الشمال المجاور.

تسارعت التقارير برفقة الأسابيع التي صاحبت اختفاء الزعيم الكوري عن المشهد العالمي للحديث عن البدلاء الفعليين الذين يمكن لهم خلافته في الحكم، وبرز في المقام الأول ترشيح الشقيقة الصغرى لخلافته في الحكم، وجاء بعدها من الأسماء المرشحة لخلافة شقيقها الرئيس الشرفي لكوريا الشمالية تشوي ريونغ هاي، فضلًا عن صدور تقارير منفصلة تتحدث عن مستقبل السلاح النووي الكوري الشمالي في مرحلة ما بعد كيم جونغ أون الذي يعمل على تحويل البلاد لدولة نووية.

غير أن سلطات الشمال ارتأت الرد على التقارير التي أثيرت حول صحة زعيم البلاد بنشر وكالة الأنباء المركزية صورًا تظهر حضوره مراسم الانتهاء من بناء مصنع للأسمدة شمال بيونغ يانغ في الأول من أيار/مايو الذي يصادف عيد العمال، والذي يعتبر واحدًا من الأعياد التي تحتفل بها الأحزاب الشيوعية والحركات اليسارية في مختلف أنحاء العالم سنويًا.

وأشارت الوكالة الرسمية إلى أن الحضور "انفجروا في هتافات مدوية" مرحبين بالزعيم الأعلى في البلاد الذي قام بقص شريط الافتتاح خلال مراسم الاحتفال، مشيرةً إلى أن عدد من كبار المسؤولين بمن فيهم الشقيقة الصغرى كانوا يرافقونه في الاحتفال، فيما أظهرت صور أخرى الزعيم الشمالي يضحك – كما جرت العادة في معظم الصور – إلى جانب مجموعة من كبار المسؤولين.

وبعد أيام من ظهور جونغ أون قالت لجنة المخابرات في البرلمان الجنوبي إن المعلومات التي أثيرت حول صحة زعيم الشمال "لا أساس لها"، وأوضح عضو اللجنة كيم بيونغ كي في حديثه أن جونغ أون "كان يؤدي واجباته على النحو المعتاد عندما كان بعيدا عن الأنظار"، قبل أن يضيف مستدركًا بأن الزعيم الشمالي لم يظهر منذ بداية العام الجديد سوى 17 مرة مقارنة بمتوسط 50 مرة ظهر فيها خلال السنوات السابقة، مرجعًا السبب في ذلك إلى احتمال انتشار الفيروس التاجي في الشمال، والتي من المممكن أن تكون قد أدت لتقليص نشاطاته إلى أقل من النصف خلال العام الجاري.

وعرّض ظهور جونغ أون بصحة جيدة المنشقين الشماليين لانتقادات حادة من قبل مسؤولي الحزب الحاكم في الجنوب متهمين إياهم بـ"اللامبالاة"، ودفع للتشكيك بمصداقية المعلومات التي يقومون بنقلها من داخل البلد الذي يوصف بأنه "صندوق أسود" بالنسبة لوسائل الإعلام الغربية والمراقبين الخارجيين، بالأخص بعد تأكيد غالبية المنشقين أن جونغ أون إما مصاب بمرض خطير أو قد يكون توفي.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا لو اندلعت الحرب ضد كوريا الشمالية؟.. سيناريو مُتخيّل لكارثة محتملة

وبعد أقل من يومين على الظهور الأول لجونغ أون أطلق الشمال طلقات نارية عبر حدودها مع الجنوب تخللها تبادل لإطلاق النار بين الطرفين في موقع حراسة ريفي دون أن تشير التقارير عن سقوط قتلى أو جرحى من الطرفين، فيما يبدو أنها رسالة غير مباشرة من الجانب الكوري الشمالي تؤكد على أن جونغ أون لا يزال يتمتع بكامل سلطته في البلاد، وأن بيونغ يانغ ماضية في تطوير ترسانتها العسكرية، فضلًا عن عدم وجود أي تحول في سياستها اتجاه الجنوب خلال فترة القادمة على أقل تقدير.

رسائل بيونغ يانغ للعالم الغربي

في واقع الأمر تعتمد النسبة العظمى من وسائل الإعلام الغربية في نقلها للأخبار المرتبطة بالبلد الشمالي على على مصدرين رئيسيين هما: وسائل الإعلام التي يديرها منشقون عن النظام الشيوعي تسمح لهم سيول بالنشاط على أراضيها، والدبلوماسيين المنشقين الذي يقيمون في سيول أيضًا، وهو ما يجعل المعلومات المرتبطة بالبلد المعزول على الخارج شحيحة بالنسبة لوسائل الإعلام.

ولعل الصور التي ظهر فيها جونغ أون بعد ما لا يقل عن 20 يومًا عن التقارير التي تكهنت حول أسباب اختفائه، حمّلت إشارات أرادت بيونع يانغ إرسالها لوسائل الإعلام الغربية، للتأكيد على أن الزعيم الأعلى في البلاد بصحة جيدة أولًا، وتوجيه ضربة لوسائل الإعلام الغربية التي تناقلت شائعات احتفائه أي كان مصدرها، وبالأخص ضرب مصداقية المنشقين الشماليين في أوساط الدبلوماسيين الغربيين.

خمس رسائل من بيونغ يانغ للعالم الغربي

ظهر جونغ أون كما جرت العادة مرتديًا البدلة التقليدية التي كان يرتديها ماوتسي تونغ مؤسس الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، دون أن تظهر عليه أي علامات تشير لفقدانه وزنه التي عادة ما تظهر بعد العمليات الجراحية أو الأزمات الصحية، الأمر الذي قيمة سلبية لعديد التقارير التي أحيكت حول أسباب اختفائه.

كما أنه كان واضحًا أن التقارير التي تحدثت عن احتمالية استلام الشقيقة الصغرى مقاليد الحكم لم تؤثر على علاقتها مع جونغ أون، المعروف عنه شنه حملة ضد المناوئين لحكمه ما بين عامي 2013 – 2014، كان من بينها إعدام زوج شقيقة والده جانغ سونغ تيك بعد اتهامه بـ"الخيانة ومحاولة الإطاحة بالنظام الحاكم"، حيثُ قامت الوكالة الرسمية بنشر العديد من الصور التي تظهر فيها يو جونغ كواحدة من الأشخاص الذين كانوا أكثر قربًا من شقيقها لتؤكد على عدم تأثير التقارير الغربية على مكانتها في السلطة.

وفقًا للمقاطع المصورة التي نشرها موقع إن كيه نيوز المعني بأخبار الشمال، فقد ظهر عدم ارتداء أي من المسؤولين بمن فيهم جونغ أون الكمامات، فضلًا عن ظهور مئات الأشخاص الذين كانوا يقفون إلى جانب بعضهم مرتدين الكمامات يلوحون بأيديهم بالعلم الرسمي لكوريا الشمالية عند أول ظهور لجونغ أون، مما يشير إلى أن بيونغ يانغ لا تزال ترى في الفيروس التاجي مصدر قلق لها.

وبالإضافة إلى ذلك كان ظهور عربة الغولف في إحدى الصور خلف جونغ أون قد لفت انتباه المحللين، الذين أشاروا إلى أن مشهد عودته مؤخرًا يشابه مشهد عودته عندما غاب قرابة ستة أسابيع في عام 2014، بعدما أشارت تقارير لأنه يعاني من مرض النقرس، ولا يختلف عنها إلا بعدم ظهوره مع عصا يتكأ عليها كما حصل قبل ستة أعوام، ورجحت تقارير غربية ظهور عربة الغولف بسبب مساحة المصنع الكبيرة، كما أن عربة مشابهة ظهرت سابقًا خلال الجولة التي أجريت للرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارته العام الماضي.

اقرأ/ي أيضًا: بعد شائعات عن تدهور صحته.. زعيم كوريا الشمالية يظهر من جديد

ويأتي أخيرًا ظهور العصا البيضاء الرفيعة مع أحد المسؤولين الذين يرافقون جونغ أون في جولته، والتي شوهدت تستخدم في صورة أخرى للإشارة في العرض التقديمي للمصنع، وتشير التقارير إلى أن تحليل الأقمار الصناعية التي كانت تراقب عملية بناء المصنع أظهرت وجود قدرات قد تساعد بيونغ يانغ على إنتاج اليوارانيوم لاستخدامه في تطوير الأسلحة.

المنشقون الشماليون يفقدون مصداقيتهم

قبل أقل من يومين على الظهور الأول لجونغ أون نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية تقريرًا يناقش آلية تعاطي وسائل الإعلام الغربية مع الأخبار الواردة من داخل البلد الشمالي، فقد دفعت القصص الهائلة التي تناقلتها وسائل الإعلام الغربية بوزير الوحدة في الجنوب كيم يون تشول لوصفها بأنها "جائحة إعلامية".

وتشير المجلة الأمريكية إلى أن المحللين أو وسائل الإعلام الغربية عندما يريدون الحصول على أخبار ذات مصداقية، يلجؤون إلى وسائل الإعلام الرسمية التي يديرها الحزب الشيوعي الحاكم، إضافة للقناة الخاصة بالشمال على موقع يوتيوب حيث تقوم بالترويج للأخبار الداخلية، من بينها مقطع مصور نشر يوم 12 نيسان/أبريل الماضي يظهر خلاله امرأة تتحدث اللغة الإنكليزية، تقوم بإجراء مقابلات مع الزبائن في محل تجاري، يتحدثون خلاله عن توفر الطعام رغم مخاوف الفيروس التاجي، والتي تخضع قبل نشرها لرقابة صارمة من السلطات المحلية.

عند المقارنة بين التقارير التي تنشرها وسائل الإعلام الخاضعة لنفوذ الحزب الحاكم في الشمال أو الصين من طرف، والتقارير الجنوبية أو اليابانية من طرف آخر، يمكن ملاحظة أن الأخبار المنشورة تكون أكثر قومية نظرًا لأنها تعكس وجهة نظر الحزب الحاكم دون أن وجود للآراء المعارضة، في حين يغلب على التقارير التي تنشر في الصحف والمجلات اليابانية طابع الصحافة الصفراء مثل الصحف الأمريكية.

وتوضح المجلة الأمريكية أن التقارير التي تنشر في الصحف اليابانية حول الشمال يظهر فيها القومية اليابانية والتحيز العرقي المعادي للشمال، وترجع فورين بوليسي ذلك الأمر إلى تأثير القضايا الثنائية العالقة بين البلدين على طريقة تعاطي الصحافة اليابانية مع أخبار بيونغ يانغ، والتي يأتي في مقدمتها قضية المخطوفين اليابانيين لدى بيونغ يانغ منذ سبعينيات القرن الماضي، إضافةً لتجارب الشماليين الصاروخية المستمرة، وهو ما يولد حالة من المشاعر السلبية عند اليابانيين اتجاه بيونغ يانغ.

لكن يبقى الأكثر تأثرًا من عدم صحة الأخبار التي نقلت خلال الأسابيع الماضية بشأن صحة جونغ أون المنشقين الشماليين الذين تراجعت مصداقيتهم لدى وسائل الإعلام الغربية أو المسؤولين الجنوبيين، وتشير فورين بوليسي في هذا الخصوص إلى أن عالم المنشقين دائمًا ما يكون مليئًا بالشائعات، لأن الأخبار التي يسمعونها من الشمال تمر عبر عديد الأشخاص قبل أن تصل إليهم ما يؤدي إلى تشويه القصة الحقيقية.

وتختم فورين بوليسي تقريرها بالإشارة إلى تأثير النقاش المسيّس في واشنطن بشأن الشمال على وسائل الإعلام، حيثُ فيما تسود مخاوف لدى الديمقراطيين من العزلة إذا ما أظهروا دعمهم للحراك الدبلوماسي الذي يقوده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الشمالي جونغ أون، فإن الجمهوريين الذين كانوا سيوجهون النقد للرئيس الأسبق باراك أوباما إذا كان سار على نهج ترامب الحالي، إلا أنهم يلتزمون الصمت حيال الرئيس الجمهوري ترمب، فيما ينتظر الشمال نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة لتبني عليها سياستها الخارجية مع واشنطن.

اقرأ/ي أيضًا:

إنفوغراف: ما حقيقة الميزان العسكري بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية؟

15 حقيقة عن كوريا الشمالية عليك أن تعرفها الآن