05-ديسمبر-2016

قناص بالجيش السوري (Getty)

شذوذ السهام المُنجّزة وتيهانها عن المرمى المراد أسفًا يولد بخذلانه ملامح اكتئاب غير مسبوق لفعل بشري أكثر نضّارة. فتصادم الهدف مع بريق لمعان الأعين قبيل الإطلاق، لمحة الاستقامة الأكثر دقة في المسعى الحسابي لهندسة الإنسان الملطخَة بالدم، والمرصعة بالاصطلاحات الواهية تجميلًا. جمود الدماء، وصمت الرهبة الذهنية في اللحظة التي تسبق الإطلاق، تفوق كل الطاقات التي يمنحها ذات الروح لإحياء اخضّرار تتبجّح فيها طريدة تائهة الألم، والتي تستشعر هي الأخرى، قبيل احتضانها السواد القادم بشريًا بالشرود الممنوح أبدا. فالرهبة السماوية منجاة التفسير لشذوذ أوصال، لا قراءة تملك باستثناء بشاعة الاستقامة المنجزة.

عالم الصياد صاحب الاستقامة الموصوفة سابقًا ماهو سوى عالم لترشيح الموت. رجال التاريخ اعتبروا الصيد جزء من التقدم البشري، وجزء من حقيقة أن الإنسان كان سيبقى في غمضة عن أجزاء صالحة لإغناء الجسد. ماذا جلب الصياد غير الدماء، واللحوم، وبعض الحسك؟ الثمار التي ظل أجداده القريبون وأجدادنا البعيدون جدًا يقتاتون منه لم تعرف سوى بناء الجسد بصورة أكثر صلابة. ينزف الناس من وراء مكتشفات الصياد. أمراض وأمراض. خسائر في الأرواح، وخسائر فيما يحويه الجيب من وراء أمراض مخلفات الصياد.

يتحمل الصياد أوزارًا كثيرة لم يتحملها قاطف الثمرات. وزر أن تخطط لتقتل شيئًا حيًا وإن شرعه لك الرسل وأصحاب القانون

يكافح ورثة قاطفي الثمار في إيجاد أدوية لمرضى مأكولات الابن الخشن (الصياد). نزيف الثمار أمام تزايد البشرية لم يكن بقدر نزيف الطرائد أمام تزايد البشرية. أليس صوت دعاة حماية الحيوانات المهددة بالانقراض أقوى بكثير من غيره من الأصوات التحذيرية؟

اقرأ/ي أيضًا: هل خسر السنة المعركة؟

يتحمل الصياد أوزارًا كثيرة لم يتحملها قاطف الثمرات. وزر أن تخطط لتقتل شيء حي وإن شرعه لك الرسل وأصحاب القانون، أثقل بكثير من وزر أن تسرق ثمار شجرة من بيت جارك النائم. علب الأدوية التي أنتجتها الشركات الكبرى في العالم رغم أعدادها الهائلة لعلاج الصياد من نتائج نتاجه لم تصل بعد لما قتل على يد الصيادين في المسيرة التاريخية للبشرية.

جاء لنا الصياد بالكثير من الأفكار المعقوفة. أذكر منها أن أحد مدرسي اللغة العربية المؤقتين في مدينتي (رميلان) الصغيرة في شمال سوريا، والقادم من المناطق الساحلية للبلاد، وهو بالطبع صياد ماهر، وحفيد يفتخر به جده المكتشف للصيد، ظل لأيام يأكل ما يصيده في كل ليلة، ولايترك طيرًا من طيور المدينة ينجو منه، ويتباهى في ذات الوقت بثمار منطقته الساحلية اللذيذة الطعم. هل الجمع هنا غنى أم هو جزء من تلويث الجميل المتوفر بما أتيت لنا به أيها الصياد الأول؟

تطور مسيرة الثمار كان أنقى بكثير من تطور مسيرة الصيد. كيف؟ الثمار أتت بمراكز بحثية لعلاج الآفات. وأتت بطرق لزيادة المساحات الخضراء. وأتت بدراسات عن أهمية الصحة في عالم الشجر. كان لدور الشجر وثمارها القليل في رسم الخرائط في حروب البشر الكثيرة. لكن، لم يكن الوضع ذاته مع الصيد. رجل الصيد ورث أحفاده ذهنية الدم. أصبح الصياد قناصًا، وأصبحت الطريدة بشرا، وأصبح العلم يشد الخطى لتطوير الرماح والسهام إلى قذائف وبنادق.

ولدت من رحم الفكرة التي ترتكز على إسقاط الهدف بلحظة خاطفة الكثير من الدماء. ألم تقل إحدى السيدات في أحد المدن السورية بأنها كانت تزحف على بطنها وهي تحمل صغيرتها على ظهرها تفاديًا لقناص النظام في المدينة الذي اختار بدوره المحمول على الحامل، وتركها حية مشلولة المشاعر. ألم نسمع حديث أحد اطفال المخيمات العراقية عن عمه الذي ظل مرميًا بالقرب من النهر في منطقة القيارة التابعة للموصل، وبالقرب من بيته، وتحت حراسة القناص (الصائد) الذي منع الناس من الاقتراب منه لخمس ليال كاملة فقط ليتسلى بحزنهم.

اقرأ/ي أيضًا: الطريق إلى خان الشيح

يجلب المكتشف العتيق الكثير من الآهات. لم يكن يدور في خلد جدنا القديم جدًا أن طعم الحيوان القتيل الذي كان يتذوقه حتى قبل اكتشاف النار سيتحول إلى تلذذ البعض منا بأكل قلب بشري كما شاهدناه مع أحد المعارضين في سوريا بعد كل هذه القرون.

لم يتخيل جدنا أن طعم الحيوان القتيل الذي تذوقه حتى قبل اكتشاف النار سيتحول لتلذذ البعض منا بأكل قلب بشري كما شاهدناه في سوريا

رجال من كل أصقاع الأرض يتراكضون ليصبحوا أحفادًا ناجحين لجدهم الصياد وينسون أن جد جدهم من ذات السلالة، فلماذا هذا التمييز في الحب للاثنين؟ هياكل دولية كاملة تتشكل لتقوي من نتاج جدنا الدموي على حساب جد جدنا الأكثر نعومة، والأكثر فضلًا وسلام. لم يكن ليسهم ذاك سوى في الكثير من الوجع ولون واحد للمشهد (الأحمر).

ترداد اللون الأحمر ضمن نسق الأخبار في حرب شعواء كالحرب السورية مثلًا جعل البعض يفكر بان العالم أحمر اللون! هل نحن على المريخ؟ في حين كانت ألوان الثمر المتنوعة الجميلة في هامش كبير من المشهد. اللهم إلا إذا اعتبرنا إن إعلام الدول في الاجتماعات السياسية التي تصدف الحرب السورية على سبيل المثال لا الحصر جزء من عالم الثمر. وهي طبعًا كذبة كبرى أخرى جاءت حصرًا بعد ولادة جدنا الصياد صاحب الاستقامة الأكثر بشاعة في التاريخ.

اقرأ/ي أيضًا:
مجزرة حلب المستمرة.. إعدام ميداني للأحياء الشرقية
رياض الصالح الحسين.. بعيدًا عن التصفيق والتهليل