بخلاف ما دَأَبَ عليه أسلافُه من تسيير أولى رحلاتهم الخارجية إلى أوروبا أو إلى آسيا، حطّت طائرة وزير الخارجية الأميركي الجديد، ماركو روبيو، في أول رحلةٍ له بمنصبه الحالي في أميركا الوسطى وبالتحديد في بنما، وذلك في رسالةٍ لا تخطئها العين، مفادُها أن قضية الحد من الهجرة "غير الشرعية" تحتل الأولوية لدى ترامب، هذا بالإضافة لرسالة خاصة لبنما مقتضاها تأكيد عزْم ترامب على استعادة السيطرة على قناتها الرابطة بين المحيطين الأطلسي والهادي، وذلك على الرغم من معارضة بنما لذلك ورفضها مناقشة الموضوع من أصله.
وترى أسوشيتد برس أنّ زيارة روبيو، الذي ينحدر من أبوين كوبيين مهاجرين، لأميركا الوسطى تعكس توجّه ترامب إلى تركيز قدر كبير من طاقة السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية بالقرب من حدودها.
واستبق روبيو رحلته إلى أميركا الوسطى بمقالٍ نشره في صحيفة وول ستريت جورنال قال فيه: "ليس من قبيل المصادفة أن رحلتي الأولى إلى الخارج كوزير للخارجية ستبقيني في نصف الكرة الأرضية"، معتبرًا أن ليس ملف "الحد من الهجرة ومكافحة تهريب المخدرات هو المسعى الوحيد من وراء الزيارة، بل ثمة أولوية رئيسية أخرى تتمثل في الحد من نفوذ الصين المتزايد في نصف الكرة الغربي، وفوق ذلك إعادة تأكيد السيطرة الأميركية على قناة بنما. التي بنتها أميركا وسلمتها إلى البنميين في عام 1999 وهم يعترضون الآن بشدة على طلب ترامب بإعادتها".
تلحّ الإدارة الأميركية الجديدة على أنّ "استعادة السيطرة على قناة بنما مدفوعة بمصالح أمنية وطنية مشروعة تنبع من المخاوف المتزايدة بشأن النشاط الصيني ونفوذ بكين في أمريكا اللاتينية
وأضاف روبيو أنّ "الهجرة الجماعية والمخدرات والسياسات العدائية التي تنتهجها كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا أحدثت دمارًا كبيرًا. وفي الوقت نفسه، يستخدم الحزب الشيوعي الصيني النفوذ الدبلوماسي والاقتصادي - كما هو الحال في قناة بنما - لمعارضة الولايات المتحدة وتحويل الدول ذات السيادة إلى دول تابعة" وفق تعبيره.
في المقابل قال رئيس بنما خوسيه راؤول مولينو إنه "لن تكون هناك مفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن ملكية القناة التابعة لبنما"، معربًا عن أمله في أن "تركز زيارة روبيو بدلًا من ذلك على المصالح المشتركة مثل الهجرة ومكافحة الاتجار بالمخدرات".
الشمّاعة الصينية
على الرغم من موقف المسؤولين البنميين، ومن ورائهم الزعماء الإقليميين في المنطقة، تُلحّ الإدارة الأميركية الجديدة على أنّ "استعادة السيطرة على قناة بنما مدفوعة بمصالح أمنية وطنية مشروعة تنبع من المخاوف المتزايدة بشأن النشاط الصيني ونفوذ بكين في أمريكا اللاتينية"، وفي هذا الصدد قال وزير الخارجية الأميركي إنّ "الاستثمارات الصينية في الموانئ والبنية الأساسية والمرافق الأخرى في كل من طرفي القناة في المحيط الهادئ والبحر الكاريبي تشكل سببًا للقلق الشديد، مما يجعل بنما وطريق الشحن الحرج عرضة للصين".
وأضاف روبيو أنه "إذا أرادت الصين عرقلة حركة المرور في قناة بنما، فبإمكانها ذلك، وسيكون ذلك انتهاكًا لمعاهدة عام 1977 التي وقعها الرئيس السابق جيمي كارتر والتي بموجبها تخلت الولايات المتحدة لاحقًا عن السيطرة"، ومن هذا المنطلق ترى واشنطن أنّ عودتها لإدارة القناة مرةً أخرى هو مسألة ضرورية.
وترى صحيفة نيويورك تايمز أنه "على الرغم من رفض مولينو لأي مفاوضات بشأن الملكية، إلا أنّ مسؤولين يعتقدون أن بنما قد تكون منفتحة على حل وسط يتم بموجبه نقل عمليات القناة على كلا الجانبين، بعيدًا عن شركة موانئ هاتشيسون التي تتخذ من هونج كونج مقرًا لها والتي مُنحت تمديدًا لمدة 25 عامًا بدون عطاءات لتشغيلها. وتجري بالفعل مراجعة لملاءمة هذا التمديد وقد تؤدي إلى عملية إعادة تقديم العطاءات".
وما هو غير واضح، حسب نيويورك تايمز، هو ما إذا كان ترامب سيقبل نقل الامتياز إلى شركة أمريكية أو أوروبية لتلبية مطالبه، والتي يبدو أنها تغطي أكثر من مجرد العمليات.
يشار إلى أنّ زيارة روبيو لأميركا الوسطى تتزامن مع "فرْض دونالد ترامب رسومًا جمركية على كل من الصين وكندا والمكسيك"، كما تتزامن مع "زيارة استثنائية للمبعوث الأميركي ريتشارد غرينيل إلى فنزويلا، حيث نجح في تأمين إطلاق 6 أميركيين بعد إجراء محادثات مع الرئيس نيكولاس مادورو، الذي لا تعترف واشنطن برئاسته".
كما يأتي وصول روبيو إلى بنما بعد يوم واحد فقط من استئناف الولايات المتحدة "معالجة التأشيرات في سفارتها في بوغوتا عاصمة كولومبيا، والتي تم إغلاقها بعد أن رفضت الحكومة الكولومبية قبول طائرتين عسكريتين محملتين بالمرحلين الكولومبيين من الولايات المتحدة".
وبعد مغادرته بنما سيزور روبيو تباعًا السلفادور وغواتيمالا وكوستاريكا والدومينيكان، حيث سيكون ملف الهجرة غير النظامية على رأس أجندة المحادثات.