18-أكتوبر-2019

تتوجه أنظار متابعي بريكست إلى مجلس العموم البريطاني يوم السبت (Getty)

في سياق مخاض طويل، وبعد خمسة أيام من المحادثات في بروكسل لانتزاع معاهدة طلاق جديدة، أصدر كل من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ورئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود جونكر، الخميس 17 أكتوبر/تشرين الأول إعلانهما بأنهما قد توصلا إلى اتفاق.

 تتحول جميع الأنظار الآن إلى مجلس العموم البريطاني، الذي وافق على عقد جلسة استثنائية يوم السبت بشأن هذا الاتفاق الجديد بين جونسون والاتحاد الأوروبي

وقد أبدى كلا الطرفين عن سعادتهما نتيجة التوصل لهذا الاتفاق، حيث قال جان كلود جونكر على تويتر: "إنها صفقة عادلة ومتوازنة للاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وتعبير عن عزمنا على إيجاد حلول. أوصي بموافقة عليه من قبل المجلس الأوروبي". معتبرًا أن الحل الوسط الذي تم التوصل إليه بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة أزال أي حاجة لتأجيل موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، المقرر في 31 من الشهر الجاري. أما بوريس جونسون وفي سياق حديثه عن "اتفاق جديد ممتاز"، عبر عن رغبته بالحصول على موافقة سريعة في مجلس العموم. وقال عبر تغريدة في تويتر: "يجب على البرلمان الآن أن يقر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يوم السبت، حتى نتمكن من الانتقال إلى أولويات أخرى، مثل تكلفة المعيشة والنظام الصحي والجريمة ووطننا".

أقرأ/ي أيضًا: بوريس جونسون وتعقيدات بريكست.. الديمقراطية البريطانية في خطر؟

بالتالي فجميع الأنظار تتحول الآن إلى مجلس العموم البريطاني، الذي وافق على عقد جلسة استثنائية يوم السبت بشأن هذا الاتفاق الجديد، حيث تمت الموافقة على الاقتراح الخاص بهذا الاجتماع بأغلبية 287 صوتًا مقابل 275 صوتًا.

تصريحات رافضة

في الدقائق التي تلت إعلان الاتفاق، أعلنت بعض المجموعات السياسية أنها لن تصوت على النص. حيث انتقد زعيم حزب العمال جيريمي كوربين الاتفاق، معتبرًا أن أفضل طريقة لحل هذه المعضلة هي إعطاء الناس الكلمة الأخيرة في تصويت شعبي جديد. كما أكد الحزب الديمقراطي الاتحادي الشمالي المتحالف مع بوريس جونسون، من جديد معارضته للاتفاقية نظرًا لتشدده في رفض الشراكة الأوروبية.

صوت آخر استنكر التسوية بين لندن وبروكسل، وهو نايجل فراج زعيم حزب الاستقلال البريطاني، حيث اعتبر أن هذا الاتفاق لا يمكن اعتباره خروجًا لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وبالتالي فجميع الأطراف المعارضة للاتفاق لا تراه سوى نسخة معدلة قليلًا من النص الذي تم الوصول إليه في عام 2018 من قبل تيريزا ماي والاتحاد الأوروبي.

وفي هذا السياق يأتي سؤال ما الذي توصل له الطرفان؟ خصوصًا إذا أخذنا بالاعتبار أن موضوع عودة الحدود ما بين جمهورية إيرلندا وإيرلندا الشمالية كانت العائق الأهم  خلال مسار المفاوضات المتعثرة ما بين الحكومة ومجلس العموم البريطاني.

ما هو الاقتراح الذي توصل له الطرفان؟

إن الحدود البرية الوحيدة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة ستكون على الجزيرة الإيرلندية، بين إيرلندا الشمالية وهي جزء من المملكة المتحدة وجمهورية إيرلندا. ومع ذلك، فمن غير الممكن  تثبيت حدود مادية بين هذين البلدين، بموجب اتفاقية الجمعة العظيمة الموقعة في عام 1998 لوضع حد للحرب الأهلية التي دامت ثلاثين عامًا بين "الموالين" لإيرلندا الشمالية، الذين يعتمدون على لندن، والجمهوريين الذين يرغبون في الانضمام إلى جمهورية إيرلندا. ولذلك فإن هناك من يعتبر أن إعادة إنشاء حدود للتحكم في تدفق البضائع والأشخاص الذين يمرون بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي من شأنه أن يوقظ الشياطين القدامى، ويهدد الاتفاق وحياة عشرات الآلاف من الناس.

إجراءات تقنية

شبكة الأمان هي بند مذكور في اتفاقية الانسحاب، وهي وثيقة من 599 صفحة تهدف إلى تحديد الشروط التي بموجبها تغادر المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي. يحدد هذا البند العلاقة بين إيرلندا الشمالية، وجمهورية إيرلندا، التي لا تزال في الاتحاد الأوروبي، بهدف ضمان عدم وجود حدود برية بين الإيرلنديتين.

وبمجرد تفعيل البريكست، في 31 تشرين الأول/أكتوبر، تنص اتفاقية الانسحاب على فترة انتقالية تستمر حتى 1 كانون الثاني/يناير 2021. خلال هذا الوقت، سيتعين على لندن وبروكسل تحديد علاقتهما التجارية الجديدة (الرسوم الجمركية، الضوابط، وما إلى ذلك) وإذا لم يتمكنوا، فسوف يتم تطبيق شبكة الأمان. لهذا السبب يتم ترجمته كـ "شبكة أمان". لأنها توفر حلًا مؤقتًا وتسمح بعدم عرقلة التجارة أثناء استمرار المفاوضات.

يوفر هذا الإجراء للمملكة المتحدة البقاء مؤقتًا في الاتحاد الجمركي حتى يتم إبرام اتفاقية تجارية مرضية مع الاتحاد الأوروبي. حيث إن "الاتحاد الجمركي هو مجموعة من البلدان التي تتبنى معًا نفس السياسة التجارية تجاه البلدان خارج هذه المجموعة". وبالبقاء في هذا الاتحاد، يتوجب على المملكة المتحدة أن تواصل اتباع القواعد التي تفرضها بروكسل على التجارة مع الولايات المتحدة أو البرازيل أو الصين، على سبيل المثال.

على عكس بقية المملكة المتحدة، ستبقى إيرلندا الشمالية في السوق المشتركة. و"السوق المشتركة هي مجموعة من البلدان التي يمكن أن تتاجر مع بعضها البعض دون تعريفات وكلها تعتمد نفس اللوائح (مثل المعايير المطبقة على الشركات المصنعة)". ومن خلال إبقاء إيرلندا الشمالية في السوق المشتركة، يصبح من غير الضروري، في الواقع، بناء مراكز حدودية لأنه لن تكون هناك حاجة للسيطرة على البضائع التي يتم تداولها بين إيرلندا أو فرض ضرائب عليها، فهي سوف  تخضع دائمًا لنفس القواعد وستكون الضوابط والجمارك واللوائح بين إيرلندا الشمالية وبريطانيا العظمى.

بالنسبة للضوابط التجارية بين بين فرنسا والمملكة المتحدة، سيتم تنفيذ ذات الإجراءات المعتمدة مع إيرلندا الشمالية وبقية المملكة المتحدة على مستوى الموانئ أو العبارات التي تنقل البضائع.

ولأن مصلحة بريطانية بالنسبة لفريق البريكست تكمن في الخروج من الاتحاد الأوروبي دون قيود من هذا النوع، لتستطيع إبرام اتفاقيات جديدة مع شركائها، أولًا وقبل كل شيء الولايات المتحدة، تكمن المعضلة بالنسبة لهذا الفريق أنه لا يوجد تاريخ نهائي لتطبيق هذا "الإجراء"، لأنه يجب أن يوافق الاتحاد الأوروبي قبل إيقافه. بالإضافة إلى ذلك، يريد أعضاء الحزب الاتحادي الإيرلندي الشمالي (المحافظ للغاية) التأكد من أنهم يستطيعون أن يقرروا من جانب واحد إنهاء العمل بالاتفاقيات الجمركية، وبالتالي إعادة طرح الحدود والمعابر الجمركية مرةً أخرى.

حل بوريس جونسون لتجاوز المعضلة

قدم بوريس جونسون، اقتراحًا ينص على قيام إيرلندا الشمالية بمغادرة الاتحاد الجمركي الأوروبي، مثل بقية المملكة المتحدة، لكنها من ناحية أخرى، ستواصل تطبيق القواعد الأوروبية على حركة البضائع.

 تخلق هذه الخطة منطقة تنظيمية تشمل كامل الجزيرة الإيرلندية. هذا الخيار من شأنه القضاء على جميع الضوابط بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا. لذلك لن يتم تحصيل الرسوم الجمركية بين البلدين كما أنه سوف يتم تشغيل تعقب البضائع من خلال اتفاقيات تعاون وثيق بين المملكة المتحدة وجمهورية إيرلندا، وبالتالي مع الاتحاد الأوروبي مع وجود عمليات تفتيش مفاجئة، بالإضافة إلى التوقيع على معاهدة تلتزم بعدم إعادة إنشاء حدود مادية بين البلدين.

من جانبهم  يعتقد الأوروبيون أنه من المستحيل في الوقت الحالي إنشاء نظام للضوابط غير مادية كما هو منصوص عليه في خطة بوريس جونسون، وهو ما عبر عنه التفاؤل الحذر الذي أبداه الرئيس الفرنسي تجاه الاتفاق في بداية انطلاق القمة الأوروبية، من خلال تذكيره بالسياق الذي رافق الاتفاق السابق مع حكومة تريزا ماي، وبالتالي تكون موافقة الاتحاد الأوروبي على هذه الخطة بهدف إعادة الكرة إلى الملعب البريطاني.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا يعني "بريكست دون اتفاق"؟.. 4 أسئلة تجيبك

العلاقات المستقبلية

وأخيرًا، في الإعلان السياسي الذي يصاحب اتفاق الطلاق ويناقش العلاقة المستقبلية بين الشريكين السابقين، تلتزم لندن بمعايير معينة، فيما يتعلق بالمنافسة والبيئة وحقوق المواطنين الأوروبيين، ويلتزم البريطانيون بمواءمة لوائحهم مع القواعد الأوروبية الحالية. وهو شرط لا غنى عنه بالنسبة للأوروبيين إذا أرادت المملكة المتحدة التفاوض على اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد في المستقبل.

يخشى الأوروبيون من أن تتحول بريطانيا إلى سنغافورة على نهر التايمز، الأمر الذي يحلم به بقوة بعض المشجعين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

يخشى الأوروبيون من أن تتحول بريطانيا إلى سنغافورة على نهر التايمز، الأمر الذي يحلم به بقوة بعض المشجعين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. هذه النقطة ستحكم العلاقات المستقبلية، إذا تم التصديق على اتفاقية الطلاق في الأيام المقبلة، وسيكون هذا الأمر محور مفاوضات يمكن أن تستمر حتى نهاية الفترة الانتقالية، أي قبل نهاية عام 2020.