26-فبراير-2025
كير ستارمر

(Getty) زيادة بريطانية غير مسبوقة في الإنفاق الدفاعي منذ نهاية الحرب الباردة

 يصل رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، اليوم الخميس، إلى واشنطن في زيارة وصفتها صحيفة "الغارديان" بأنها محفوفة بالمخاطر الدبلوماسية.

وسيكون ستارمر بهذه الزيارة ثاني زعيم أوروبي يزور البيت الأبيض خلال الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وذلك بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مطلع الأسبوع الجاري.

وتتصدر أجندة الزيارتين قضيتان أساسيتان: الضمانات الأمنية لأوكرانيا من جهة، والأمن الأوروبي ومدى التزام الولايات المتحدة به من جهة أخرى.

أعلن كير ستارمر عن زيادة ميزانية الدفاع بنسبة 2.6 من الناتج المحلي الإجمالي وستدخل الزيادة حيز التنفيذ ابتداءً من العام 2027 وتعد الزيادة غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة

رفع الإنفاق الدفاعي استجابة لمطالب ترامب

في خطوة لافتة قبيل زيارته للبيت الأبيض، أعلن ستارمر عن زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2.6 % من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 13.4 مليار جنيه إسترليني سنويًا. وتعد هذه الزيادة غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة، وتعكس استجابة بريطانية لمطلب طالما كرره ترامب، وهو ضرورة زيادة الدول الأوروبية لمساهماتها في ميزانية حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ملوحًا مرارًا بإمكانية مراجعة الدعم العسكري الأميركي للدفاع عن أوروبا.

لكن اللافت أيضًا أن الزيادة الجديدة في ميزانية الدفاع ستتم على حساب خفض ميزانية المساعدات والتنمية الخارجية، حيث ستنخفض من 0.5 % إلى 0.3 % من الناتج المحلي الإجمالي. واعتبر ستارمر أن هذه الخطوة "ضرورية رغم صعوبتها" في ظل التغيرات الجيوسياسية التي طرأت على العالم منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.

تحولات في استراتيجية الدفاع البريطانية

كانت بريطانيا تخصص 2.3 % من ناتجها المحلي الإجمالي لميزانية الدفاع، لكن ابتداءً من عام 2027 سترتفع هذه النسبة إلى 2.6%، ومن المتوقع أن تصل إلى 3 % بحلول عام 2029.

آخر مرة أنفقت فيها بريطانيا 3 % من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع كانت خلال عامي 1993 و1994. ومنذ الحرب العالمية الثانية، عمدت الحكومات البريطانية المتعاقبة إلى تقليص الإنفاق العسكري، والتركيز في المقابل على زيادة مخصصات الصحة والرعاية الاجتماعية والتعليم.

ستارمر أمام مجلس العموم: الأمن أولًا

في كلمة غير معلنة مسبقًا أمام مجلس العموم البريطاني، قال ستارمر إن حكومته "ستبدأ أكبر زيادة مستدامة في الإنفاق الدفاعي منذ نهاية الحرب الباردة"، مؤكدًا أن الوضع الحالي يتطلب "اتخاذ خيارات صعبة لصالح أمن البلاد"، بما في ذلك خفض ميزانية المساعدات والتنمية الخارجية.

وبحسب الغارديان، فقد أثارت هذه الخطوة غضب بعض نواب حزب العمال والمناصرين للسياسات التنموية البريطانية، خاصة أن الحزب الحاكم كان قد وعد سابقًا برفع ميزانية المساعدات إلى 0.7 % من الناتج المحلي الإجمالي. إلا أن التقارير تشير إلى أن المسؤولين البريطانيين بدأوا منذ أسابيع في دراسة خفض المساعدات كوسيلة لتمويل زيادة الإنفاق الدفاعي.

انتقادات داخلية ومخاوف دبلوماسية

أثارت هذه التوجهات انتقادات واسعة في الأوساط السياسية والدبلوماسية البريطانية، حيث اعتبر وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، في تصريح لصحيفة "الغارديان" أن "خطط ترامب لإجراء تخفيضات كبيرة في ميزانية المساعدات الدولية الأميركية قد تكون خطأً استراتيجيًا كبيرًا، من شأنه أن يمنح الصين فرصة لتوسيع نفوذها العالمي". من جانبه، حذر الدبلوماسي البريطاني السابق، سايمون ماكدونالد، من أن "تقليص ميزانية المساعدات قد يلحق ضررًا بسمعة بريطانيا العالمية"، في حين شددت سارة شامبيون، رئيسة لجنة التنمية الدولية في حزب العمال، على أن "خفض تمويل المساعدات ستكون له عواقب وخيمة". ومع ذلك، لفتت الصحيفة إلى أن هذا القرار يحظى بتأييد بعض الشرائح في المجتمع البريطاني، مما قد يعزز موقف حزب العمال سياسيًا.

ستارمر: لا بديل عن زيادة الإنفاق الدفاعي

رغم الجدل، دافع ستارمر عن قراره، قائلًا: "سأفعل كل ما بوسعي للعودة إلى عالم لا يكون فيه هذا الإجراء ضروريًا"، لكنه شدد على أن "الدفاع وأمن الشعب البريطاني يجب أن يكونا دائمًا في المقام الأول".

وأكد أن المملكة المتحدة ستواصل دورها الإنساني في أوكرانيا والسودان وغزة، إضافة إلى جهودها في حماية البيئة والتصدي لأزمة المناخ، لكنه أشار إلى أن الأولوية الحالية هي للأمن القومي البريطاني.

الاختبار الدبلوماسي الأكبر: لقاء ترامب

رغم الزيادة في الإنفاق العسكري، لا تزال بريطانيا بعيدة عن النسبة التي يطالب بها ترامب لدول حلف شمال الأطلسي، والمحددة بـ 5% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي هذا السياق، ترى "الغارديان" أن لقاء ستارمر مع ترامب، المقرر اليوم الخميس، سيمثل أكبر اختبار لمهاراته الدبلوماسية والتفاوضية حتى الآن، حيث يسعى إلى تحقيق توازن دقيق بين المصالح الأمنية والاقتصادية للمملكة المتحدة، مع الحفاظ على علاقات مستقرة مع رئيس أميركي يصعب التنبؤ بمواقفه. وتأتي هذه الزيارة في ظل اضطرابات تشهدها العلاقات عبر الأطلسي، مدفوعة بتهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية مرتفعة على واردات الحلفاء الأوروبيين، فضلاً عن تقاربه المتزايد مع روسيا، الأمر الذي يثير قلقًا متزايدًا في الأوساط السياسية الأوروبية.