17-مارس-2019

برهان غليون (The Daily Beast)

ألترا صوت – فريق التحرير

في محاضرة نظمتها "الشبكة العربية للأبحاث والنشر"، فرع إسطنبول، على هامش صدور كتاب "عطب الذات: وقائع ثورة لم تكتمل.. سوريا 2011 – 2012" للدكتور برهان غليون، قدم الباحث أحمد أبازيد، والكاتب محمد الربيعو، بالإضافة لصاحب المذكرات عرضًا موجزًا لأبرز النقاط التي جرى تناولها في صفحات "عطب الذات"، معتبرين أنها مزجت بين "الهم الشخصي" والفكر التروتسكي عند غليون في تناوله لوقائع الثورة السورية.

"الهم الشخصي" والتروتسكية في "عطب الذات"

في البداية قدم أبازيد عرضًا للمذكرات التي أثارت موجًة من النقاش والجدل قبل صدورها ما يؤكد على أهميتها، فهو اعتبر أنها جاءت في سياق أجزاء متعددة تمزج بين السيرة الذاتية، والتأريخ لبدايات الثورة السورية، وصولًا لتأسيس المجلس الوطني السوري المعارض، ما يجعل منها سيرًة فكرية محورها الثورة السورية، والتنظير الفكري لما جرى، وكيف وصلت أحوال الثورة إلى هذه المرحلة.

كتاب "عطب الذات" لبرهان غليون هو مزج الهم الشخصي والفكر التروتسكي في تناول وقائع الثورة السورية

أبازيد ركّز خلال مداخلته على تأثر غليون في القسم الثاني للمذكرات بكتابات ليون تروتسكي من ناحية التشابه بالعناوين التي كتبها خلال القرن المنصرم الزعيم الشيوعي مثل "الثورة المغدورة، الثورة المخدوعة" حين انتقد استيلاء جوزيف ستالين على السلطة في الاتحاد السوفييتي بعد وفاة فلاديمير لينين، فقد كان تروتسكي واعيًا للفصل بين حالتي الثوري والمؤرخ، ومن هنا فإن كتاب "عطب الذات" جمع بين الأصناف التي كتب حولها تروتسكي.

اقرأ/ي أيضًا: برهان غليون: الرهان دائمًا على الشعب

الكتاب، بحسب أبازيد، ينقسم إلى أقسام متفرعة، منها تأريخ غليون للمراحل الأولى من الثورة السورية، بالأخص في قسم المعارضة السياسية، وتأريخ السيرة الذاتية لغليون نفسه قبل أو بعد الثورة السورية حتى استقالته من المجلس الوطني السوري، فضلًا عن الحديث عن الثورة المضادة التي حصلت من داخل أو خارج الثورة السورية، وأدت إلى المآلات التي وصلت إليها في وقتنا الراهن.

خلال المحاضرة (فيسبوك)

من جانبه تحدث الربيعو في بداية مداخلته عن عنوان الكتاب عينه "عطب الذات"، مشيرًا إلى أن السوريين لديهم منذ أكثر من 60 عامًا سؤال واحد يدور حول الهزيمة، فهو على الرغم من التنويه إلى عدم هزيمة الثورة السورية، وإشارته إلى أننا نمر في واحدة من أسوأ مراحلها، أشار إلى أن السؤال الدائم حول الهزيمة محوره: هل هو العامل الداخلي أم الخارجي؟

وأضاف الربيعو أن غليون في كتاب "عطب الذات" أعطى الجواب حول المشكلة، والتي وصفها بأنها "عطب السوريين" أنفسهم، فالمشكلة لم تكن كما يذكرها غليون في المذكرات نتيجة "إخفاق أو غياب وعي سياسي"، إنما هي أيضًا نتيجة غياب تجربة ثقافية وسياسية عند السوريين وفقًا لما يرى الربيعو.

الربيعو في مداخلته نوه إلى بروز "الهم الشخصي" في مذكرات غليون من خلال طريقة عرضها، مشيرًا إلى أنه على الرغم من أن القسم الأول من المذكرات سيكون مثيرًا للجدل بسبب تطرق غليون لذكر العديد من الشخصيات السياسية، لكن القسم الثاني من الكتاب هو الذي يحمل إشكالية أكبر، وبالتحديد على مستوى سلبية الثورة نفسها، فالمذكرات رغم تقديمها سردية متماسكة حول الثورة، أغفلت بعض التفاصيل التي كان ممكنًا لو ذكرت أن تحمل تأويلًا لبعض الأحداث بطريقة مختلفة.

برهان غليون.. "عطب الذات" أخذ مني جهدًا عصبيًا

في مداخلته حول "عطب الذات" تحدث غليون في البداية عن أهمية المذكرات وطريقة كتابتها، دون أن يسهو عن الإشارة لنقائص لم تتضمنها المذكرات يدركها أكثر مما يدركها الآخرون، مشيرًا إلى أن كتابة المذكرات لم تأخذ منه جهدًا عقليًا ونظريًا فقط، بل أخذت كذلك جهدًا عصبيًا، فهو كتبها بـ"أعصابه" لأنها غير الكتب العلمية والفكرية التي عمل عليها سابقًا.

حدّد غليون خلال حديثه مجموعة من النقاط أراد الحديث عنها في المذكرات، لخصها في سياقات متعددة، حيث كتابة "عطب الذات" جاءت بمثابة "كشف حساب" للسوريين أولًا، وعلى المستوى الشخصي لغليون نفسه ثانيًا، لذلك كان لا بد من الحديث عن الأسباب التي أودت بتجربة المجلس الوطني السوري للفشل من منظوره الشخصي، كما أن الكتاب ليس تأريخًا للثورة السورية، لأن تأريخ الثورة كما يراه غليون موجود ضمن المبادرات والإبداعات والتضحيات التي قدمها السوريين للدفاع عن أنفسهم.

وشدد غليون على أن تأريخ الثورة السورية يحتاج وقتًا حتى يكتب، وهو في الوقت ذاته يحتاج تطويرًا لعلم التاريخ عند السوريين حتى يؤرخوا لملحمة كالملحمة التي حصلت في سوريا، كذلك فإن "عطب الذات" ليس عرضًا نهائيًا ولا شاملًا لتجربة المعارضة السورية التي كان غليون جزءًا منها، إنما هو كما يقول يعكس وجهة نظره الشخصية، ويقدم قراءة ذاتية للحدث من خلال تجربته الشخصية، تتضمن حدًا أدنى من التماسك.

ووجه غليون في سياق حديثه دعوة لجميع من شارك في الثورة السورية سواء على الصعيد المدني أو العسكري لتقديم قراءته الذاتية للحدث والواقع من وجهة نظره الشخصية، وعلى السوريين ممن يقرأوا هذه القراءات أن يحاكموا ما حصل من وجهة نظرهم الشخصية، ومن هنا فقد اعتبر غليون أن "عطب الذات" سيكون قد حقق الهدف المرتجى من كتابته في حال أثار نقاشًا وردود أفعال حول ما تتضمنه من سرد للوقائع، ويفتح طريقًا أمام أدبيات سياسية جديدة ليست موجودة في المنجز الفكري السوري.

"عطب الذات".. شهادة عن الكواليس والعلن

يتضمن كتاب "عطب الذات" الصادر حديثًا عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر شهادة موسعة من وجهة برهان غليون الذي ترأس المجلس الوطني السوري المعارض في بدايته، من خلال سرده من وجهة نظر شخصية لعشرات الوقائع والأحداث، والحديث بالاسم عن العديد من السياسيين والنشطاء والمثقفين والمجموعات السياسية.

اقرأ/ي أيضًا: "الدولة ضد الأمة".. خراب العالم العربي

فهو يرجع بالكتاب إلى الحياة السياسية السورية منذ ستينات وسبعينات القرن المنصرم بالحديث عن المواجهات المسلحة التي انتهت بمجزرة حماة عام 1982، ثم يتطرق للفترة التي تبعتها وصولًا لعام 2000 عندما أعلن عن وفاة رئيس النظام السوري حافظ الأسد حينها، وما لحقها من نشاط سياسي برز تحت مسمى "ربيع دمشق"، والإعلان عن تشكيل "إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي"، وما رافقها لانقسام ضمن الأوساط السياسية السورية.

تاريخ الثورة السورية يحتاج وقتًا حتى يكتب، وهو في الوقت ذاته يحتاج تطويرًا لعلم التاريخ عند السوريين

كذلك فإن غليون يقدم في "عطب الذات" قراءة لمجمل الأحداث التي رافقت الثورة السورية، بدءًا من الاحتجاجات السلمية إلى مرحلة المواجهة الأمنية، فبدايات العسكرة وانشقاق الضباط والجنود عن النظام السوري، ونشوء الفصائل العسكرية تحت مسمى "الجيش السوري الحر"، وصولًا لمواقف هيئة التنسيق الوطنية، والإخوان المسلمين، وغيرهم من الكيانات السورية.

أبرز غليون في المذكرات شهادته في أدوار ومواقف الكيانات السورية من الحدث السوري، بالإضافة لإطلالته على التاريخ السياسي الحديث لسوريا، وطبيعة المجتمع والانقسامات الاجتماعية والسياسية وعلاقة الريف بالمدينة، بالإضافة لتقديمه تحليلًا وافيًا لمواقف الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في الشأن السوري، تضمنت تصوراتهم "لسوريا كما يريدونها"، وطبيعة أدوارهم وطموحاتهم فيها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

برهان غليون: ابتعدنا كثيرًا عن حلم الديمقراطيّة

حوار| عبدالله علي إبراهيم: لم يغادرني التفاؤل بالوطن ومستقبل كادحيه