28-ديسمبر-2021

برنامج "قراءة ثانية" على التلفزيون العربي

ألترا صوت فريق التحرير

استعاد السوريون خلال السنوات العشر الأخيرة، تفاصيل ووقائع تاريخية مختلفة حول طبيعة الحياة السياسية في سوريا قبل انقلاب 8 آذار/مارس 1963، الذي أوصل "حزب البعث" إلى السلطة.

ناقش برنامج "قراءة ثانية" في حلقته التي عُرضت مؤخرًا التجربة الديمقراطية التي خبرتها سوريا في خمسينيات القرن الفائت

ومع أن معظم هذه الاستعادات، على اختلاف أشكالها، قد جرت إما في سياق الحنين إلى زمنٍ آفل، أو من باب المقارنة بين زمنين مختلفين ومتناقضين تمامًا، إلا أنها أثارت تساؤلاتٍ مختلفة حول حقيقة ومضمون الديمقراطية، التي شهدتها سوريا بين أواخر أربعينيات القرن الفائت ومنتصف ستينياته.

اقرأ/ي أيضًا: التلفزيون العربي يفك "شيفرة" قاعدة حميميم في تحقيق استقصائي جديد

تركزت هذه التساؤلات، في الكثير من الأحيان، حول تجربة الخمسينيات، 1954-1958، التي تمخضت عن انتخاباتٍ نيابية يُرى إليها على أنها الأكثر نزاهةً في تاريخ سوريا، والأولى من نوعها في العالم العربي. في المقابل، ثمة من يفيد العكس ويرى في تلك التجربة مجرد شكلٍ دون مضمون أو جوهر لأسبابٍ عديدة، منها الدور الذي لعبه الجيش فيها على اعتبار أنه المسؤول، بشكلٍ أو بآخر، عن ولادتها من خلال تمرده على أديب الشيشكلي، رئيس سوريا آنذاك، وإجباره على الاستقالة ومغادرة البلاد.

هل شهدت سوريا إذًا تجربة ديمقراطية في خمسينيات القرن الفائت؟ أم أن الأمر لا يتعدى مجرد بناء واجهةٍ مدنية لحكم الجيش؟ هذه الأسئلة هي موضوع حلقة برنامج "قراءة ثانية" التي عُرضت مؤخرًا على شاشة "التلفزيون العربي"، واستضاف فيها مقدمه الجديد، الإعلامي العُماني محمد اليحيائي، كلًا من شمس الدين الكيلاني، باحث في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، ونشوان الأتاسي، كاتب ومؤرخ، لنقاشه.

أعاد شمس الدين الكيلاني جذور التجربة الديمقراطية في سوريا إلى عام 1920، الذي أقر فيه "المؤتمر السوري العام" أول دستور في تاريخ سوريا. واعتبر الكيلاني في حديثه أن هذا الدستور يضاهي دساتير الدول المتقدمة من ناحية ضمانه لحريات الفرد، والأحزاب، والنشاط السياسي والنقابي، وحرية المطبوعات، مما يعني أن تجربة الخمسينيات، وما سبقها أيضًا، هي امتداد لما حدث في عام 1920.

وأشار الباحث السوري في هذا السياق إلى وجود بيئة وبنية سياسية ومجتمعية مهيأة للانتقال باتجاه الديمقراطية في سوريا خلال تلك الحقبة، التي عرفت حراكًا سياسيًا واسعًا. كما لفت أيضًا إلى أن غياب بعض مظاهر الديمقراطية، خاصةً الانتخابات، وغالبًا بفعل الانقلابات العسكرية، لم يؤثر بصورة كبيرة على الحريات والمناخ الديمقراطي العام في البلاد، حيث حافظت الأحزاب والنقابات والجمعيات على نشاطها السياسي، إلى جانب الصحف والمطبوعات عمومًا.

في المقابل، يرى نشوان الأتاسي أن المشكلة التي أدت إلى فشل التجربة الديمقراطية في سوريا آنذاك، رغم توافر العوامل التي تضمن نجاحها، هو تسلط الجيش على الحياة السياسية بعد النكبة الفلسطينية عام 1948. وأشار المؤرخ السوري إلى أن ما حدث في خمسينيات القرن الفائت، بعد الإطاحة بأديب الشيشكلي، هو اتفاق النخبة السياسية مع قيادات الجيش على عدم تدخله في الانتخابات النيابية التي جرت في 20 آب/ أغسطس 1954.

ورغم التزامه بالاتفاق خلال تلك الانتخابات، إلا أنه تدخل في الانتخابات الرئاسية عام 1955 لصالح شكري القوتلي ضد خالد العظم. هذه الحادثة، إلى جانب اغتيال عدنان المالكي، أعادت للجيش دوره في الحياة السياسية، ولكن من خلف ستار الحكومة المدنية المنتخبة.

ولفت الأتاسي في حديثه إلى أن نفوذ الجيش في عملية صناعة القرار السياسي، قد تجلت في سفر مجموعة من الضباط إلى العاصمة المصرية القاهرة بهدف لقاء الرئيس جمال عبد الناصر، والاتفاق معه على مسألة الوحدة بين البلدين، دون العودة إلى القيادة السياسية أو حتى إعلامها بالأمر قبل سفرهم.

يخلص الباحثان في نهاية الحلقة إلى القول بأن سوريا شهدت فعلًا تجربة ديمقراطية تعود جذورها إلى مطلع عشرينيات القرن الفائت

وبينما اعتبر الكيلاني أن الأحزاب الصغيرة، مثل "البعث" و"الاشتراكي" وغيرهما، ساهمت في ضرب الديمقراطية من خلال دعمها للعسكر وتأييدها لخطواتهم الانقلابية، رأى نشوان الأتاسي أن موقع سوريا الجيوسياسي ساهم أيضًا، إلى جانب العديد من العوامل المحلية والخارجية، من بينها المد القومي الناصري، وغياب الاستقرار السياسي الداخلي، وهشاشة الدولة الوطنية مقابل تنامي قوة الجيش والأجهزة الأمنية، في إفشال التجربة الديمقراطية التي عرفتها في خمسينيات القرن الفائت.

اقرأ/ي أيضًا: منها الانتخابات و"قضية الموز".. أبرز 10 موضوعات تفاعل معها السوريون في 2021

يخلص الباحثان في نهاية الحلقة إلى القول بأن سوريا شهدت فعلًا تجربة ديمقراطية تعود جذورها إلى مطلع عشرينيات القرن الفائت، ولكنها تجربة مليئة بالثغرات والإشكاليات والتناقضات، ومحاطة بواقع إقليمي ودولي سياسي متوتر ومضطرب. مع ذلك، تبقى تلك المرحلة، وبحسب تعبير الأتاسي، حقبة ذهبية مقارنةً بما تلاها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأزمة المعيشية بالواجهة.. أبرز اهتمامات رواد مواقع التواصل في لبنان عام 2021

عام مليء بالخيبات.. 6 أحداث شغلت الأردنيين في عام 2021