26-نوفمبر-2015

مركز انتخابي في القاهرة (لإيمان هلال)

لا خطاب سياسي في الحكم ولا عند القوى السياسية، لا شيء يقنع أننا الآن على الطريق الصحيح. لا معارضة، ولا نظام، ولا سياسة، ولا أحزاب، ولا حراك. لا عضو برلمان له هيبة حتى الآن، الناجحون أغلبهم جاؤوا من على أرصفة وسط البلد العارية، ومباني الحزب الوطني المحروقة، ومن "بير سلم" أمن الدولة.

جاء أغلب الناجحين في الانتخابات البرلمانية من أرصفة وسط البلد العارية، ومباني الحزب الوطني المحروقة

أحدهم جاء من المجهول، فقد كان عطارًا وسّع الله له في رزقه، فأعلن عن بضاعته في التليفزيون، واهتم بصناعة الإعلام بطريقة غامضة، وشقّ طريقه بمساعدة مصادر خاصة عرف فيما بعد أنها أجنبية، وأصبح رئيس قناة تليفزيونية، ثم عضوًا في البرلمان، سيدخل من الباب الخلفي، ولن يلتفت إليه أحد، ويلقي خطبة عصماء ضد الفساد، يقول: "الفساد للركب"، وحين ينشر كاتب صحفي مستندات فساده، ويصفه بـ"نصاب العلاج بالأعشاب"، سيجلده على الهواء مباشرة في قناته، ويبيع ويشتري فيه، ويحوّله إلى جثة ليس لها صاحب، ثم يأمر سائق سيارته المرسيدس بتوصيله إلى مقر مجلس النواب في "جاردن سيتي" ليقدم مشروع قانون تنظيم الإعلام الجديد.
 
الثاني، مثال يتشابه مع كثيرين غيره فـ"البقر تشابه علينا" داخل المجالس النيابية ولجان الحكماء والخمسين والمرور. هو مناضل نظري لديه صحيفة أسبوعية، يطلب حملات إعلانية من رجال أعمال مشبوهين مقابل ألا ينشر مستندات تصله من أجهزة تسانده لكي تستمرّ الصحيفة التي توزّع مائتي نسخة فقط حسب بيان "الأهرام"، الموزّع الأول للصحف في مصر.

في عهد مرسي، فكّر في إطلاق لحيته لكي تناسبَ البرلمان الإسلامي الذي كان موجودًا، وقال لصحفي زميل: "البلد قادمة على خير كثير.. فقد جعل الله لهم من اسمهم نصيب.. إخوان، وحرية، وعدالة، ويحملون الخير لمصر"، واحتضن النائب السلفي الجالس بجواره، الذي منحه –هو وزملاؤه– أصواتهم لكي لا يتم تحويله للتحقيق بتهمة "سب البرادعي".

يصرّ الكائن -العابر للعصور والبرلمانات والرؤساء- على أنه وطني غيور على البلد والباقي خونة وعملاء لأمريكا، وقضوا ليالٍ طويلة وراء الغرف المغلقة في السفارة الأمريكية، وأكلوا كاتوه، وشربوا الشاي بالياسمين، وينفذون أجندة أمريكية جاءت بالإخوان للحكم، يبلغ عنهم، ويتباهى بصداقته للمشير، وزعيم المخابرات الراحل، والمعلومات التي كان شاهدًا عليها خلال اجتماع سري مع كبار رجال الدولة، وحين تسأله: لماذا تحالفت مع الجماعة في البرلمان المنحل؟ لا يجيب، فلا يملك إجابة، ويقول بتعالٍ إنه لا يريد أن يكون جزءًا من مشهد سياسي قذر، دون أن يسمع صوت شيطانه وهو يعظه قائلًا إنه كان واحدًا من الذين ساهموا في قذارة المشهد، بل نفخ فيه من روحه. 

في مصر، يصرّ الكائن العابر للعصور والبرلمانات والرؤساء على أنه وطني غيور على البلد والباقي خونة وعملاء لأمريكا

الثالث، نموذج لن تجده في مصر وحدها، والمثل يقول: "بدر" واحد لم ينصف النظام، فاستعان بـ"بدران". ستتعثر به بين الجموع الغاضبة، سيقف عاريًا أمام مدرعة الأمن المركزي، ويكون أول من يرمي الفتيل على سيارة أحرقتها الجموع، ويهاجم الجيش على تويتر، ويفتح صدره للرصاص، ويدَّعي أنه لا يريد أن يعيش هنا، قائلًا: "وصلنا للقاع يا شباب، تعالوا نهرب، اللهم هجرة". سيكون قائد الثورة، والرجل الأول الذي قرأ الفاتحة وتعهّد للجموع أن يحرسها لأنه لا يخاف من لسعة النار، يلف الشال الفلسطيني حول رقبته، يلتقط الصور مع بوستر حسن نصر الله، وجيفارا رمز الثورة، ويبدأ تجهيز نفسه ليكون ديكتاتور المستقبل.

ما الذي فعله صاحبنا بنفسه؟ تخلص من ديكتاتور وسلّم نفسه لديكتاتور آخر، هاجم دولة كانت تحكم سرًا وضبطته العيون صاعدًا عمارة في "جاردن سيتي" يسكن الدور العشرين منها سفير دولة أخرى تسلّمت تأشيرة الحكم السري، وأحد شركائه السابقين يملك صورًا من الشيكات والحوالات التي استقرّت في حسابه بالبنك من دول صديقة وعدوة لكي يقوم بدوره الذي انتهى في "30 يونيو". هل عرفت من أين أنفق على حملته الانتخابية الجبارة؟

يمكن لرجل سنة أولى سياسة أن يظنّ –وبعض الظن إثم– إن "الديكتاتور الشاب" لا يزال على حجر النظام إلى الآن، لقد فتح النار على معارضيه، وأبلغ الأمن أكثر من مرة عمّن يعملون ضده، وتبرع بنفاق كل رجال الرئيس، وقدم ألحانًا وغزلًا وحبًا مشبوهًا يتجاوز كل الحدود للسلطة، لكنها لفظته، وطردته من مؤتمراتها وحفلاتها ومراسم توزيع الجوائز على كل من ساندوها في الصعود إلى كراسي الحكم، لكنه مصرّ على العودة إلى أحضانه.

الأنظمة العربية لا تنسى من سخر منها وهاجمها، تعتبرها قلة أدب لا بد أن تعاقبك عليها حتى لو اعتذرت وقدمت كل فروض الولاء والطاعة وتبت وأنبت، تؤمن الطريق لمن يؤمن بها –من قلبه– ويسجد لها صادق النية فقط، أما أنت فلا تصدق أي شيء، وتتهافت في الوصول، وتلعب على كل الأحبال، تركب قطار الثورة في حوار تليفزيوني، وتقفز إلى قصر الرئاسة لحظة سقوط الثوار والنشطاء، تصلي وراء الإمام علي، وتلتهم الأكل على مائدة معاوية ولا لك صاحب ولا دين ولا ملة ولا تعبد إلا حسابك في البنك. لقد استعملوك، وورقة المناديل تستعمل مرة واحدة فقط ثم تجد طريقها إلى الزبالة.

اقرأ/ي أيضًا:

هيا بنا نكذب.. إسراء الطويل خطر على الأمن القومي

مصر ترقص للكفيل