25-مايو-2022
الزواج المدني في لبنان

عاد موضوع الزواج المدني إلى واجهة الجدل في لبنان (Getty)

عاد الحديث عن الزواج المدني مجدّدًا إلى الواجهة في لبنان، بعدما طُرح في أحد البرامج التلفزيونية الحوارية استضاف نواب قوى التغيير.

أحدث الموضوع انقسامًا في الرأي العام اللبناني المتشعب أصلًا، بين مؤيد لتشريع وإقرار هذا الزواج، وبين مؤيد له وفق شروط وضوابط

وقد أحدث الموضوع انقسامًا في الرأي العام اللبناني المتشعب أصلًا، بين مؤيد لتشريع وإقرار هذا الزواج، وبين مؤيد له وفق شروط وضوابط، وبين رافض له، فيما كان قسم آخر من اللبنانيين ينتقد طرح الموضوع في هذا التوقيت تحديدًا، بينما يغرق اللبنانييون بالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية مع استمرار انهيار سعر صرف العملة الوطنية وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين بالتزامن مع تردي الخدمات العامة، ما بات يشكل تهديدّا جديًا للأمن الاجتماعي والغذائي لعموم اللبنانيين. كما عاد من جديد سؤال لماذا يمنع الزواج المدني في لبنان إلى واجهة النقاش العام. 

الضغوطات الدينية تمنع إقرار القانون

لا تعترف السلطات اللبنانية إلا بالزيجات الدينية المعقودة على أرضها، وتتيح بالتالي للثنائي تسجيل هذا النوع من الزواج فقط في السجلات المدنية، أما في حالة الزواج االمدني، فإن السلطات تسمح فقط بتسجيلات الزيجات التي عُقدت خارج لبنان. وقد حاول بعض وزراء الداخلية المتعاقبين تغيير هذا الواقع، ومن بينهم مروان شربل الذي سمح بتسجيل 15 زواجًا مدنيًا عقدت داخل لبنان في العام 2013، قبل أن يعود وزير الداخلية اللاحق نهاد المشنوق ويعلّق العمل بالقانون، ويرفض التوقيع على أوراق الزيجات المدنية التي وصلت إليه. كذلك فعلت خلفه ريا الحسن، إذ امتنعت عن التوقيع بالرغم من أنها كانت قد وعدت بأنها ستقوم بذلك، بسبب الضغوطات التي تعرّضت لها من قبل المرجعيات الدينية في لبنان.

الزواج المدني

لا يوجد نصّ قانوني واضح في لبنان يمنع الزواج المدني أو تسجيله، لكن السلطات تخضع على الدوام لتأثير رجال الدين من مختلف الطوائف، الذين رفضوا على الدوام إقرار قانون موحّد للأحوال الشخصية. في بلد يضم أكثر من 18 طائفة ومذهبًا مختلفًا، يضطر الكثير من الأزواج للسفر إلى دول مجاورة مثل قبرص، اليونان وتركيا للزواج مدنيًا، والعودة لتسجيله في المحاكم اللبنانية، ما يشكل عبئًا ماليا عليهما خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تطال معظم اللبنانيين.

انقاسامات حادة في وجهات النظر بين اللبنانيين

احتدم الجدل في لبنان، بعدما أعلن ثلاث نواب جدد في لبنان، ينتمون للطائفة السنية ومحسوبون لى لوائح التغيير، تأييدهما للزواج المدني خلال مقابلة تلفزيونية، هم النائبان وضاح الصادق وإبراهيم منيمنة عن بيروت، وحليمة القعقور عن جبل لبنان، الأمر الذي ووجه بردة فعل واسعة من رجال دين وخاصة داخل الطائفة السنية، أبرزها كان من أحد المشايخ في دار الفتوى،  الذي اعتبر أن البعض يطالب بالزواج المدني الذي يبيح الزواج من العمّات والخالات والأخوات وتشريع المثلية الجنسية، الأمر الذي ووجه بحملة مضادة واسعة في صفوف الناشطين والحقوقيين، رفضوا كلام الشيخ واعتبروا أنه يخلط بين مفاهيم مختلفة، وهو مجانب للحقيقة.

وسم #الزواج_المدني انتشر بشكل واسع في لبنان على امتداد الأيام الأخيرة، وأظهر الاختلاف الكبير في لبنان على هذا الموضوع، وقد استخدمه مغردون للهجوم على النواب المسلمين المؤيدين للزواج المدني، على اعتبار أنه يخالف الشريعة الإسلامية بحسب رأيهم، فيما استغل البعض الآخر المناسبة، لإعادة التأكيد على ضرورة تشريع الزواج المدني، وإقرار قانون يوحّد الأحوال الشخصية في لبنان.

في أبرز المواقف في هذا المجال، أعلن الإعلامي يزبك وهبة تأييده للزواج المدني الاختياري الذي  أكد أهمية أن لا تتم شيطنته، ما دام أن الموضوع اختياري. وأشار يزبك إلى أن اللبنانيين يذهبون إلى تركيا المسلمة وقبرص الأورثودكسية ليتزوجوا زواجًا مدنيًا، متسائلًأ :" لماذا لا نشرع الموضوع في لبنان ونتركه للراغبين؟". 

 الوزير السابق عادل أفيوني استغرب أن يظهر الجدل فجأة حول موضوع الزواج المدني في لبنان رغم أن البلد ينهار اقتصاديًا ومعيشيًا ويتأزم سياسيًا، وأضاف: " مهما كان اختلاف الرأي كل شخص حر ومسؤول لازم يوقف بحزم ضد حملات تحريض وتضليل مرفوضة ومؤذية ". 

وأشار الناشط  مصطفى الحموي إلى انه كان على الدوام داعمًا للزواج المدني في لبنان، وأن صفحته على تويتر تشهد على ذلك، إلا أنه يرى أن وضع الموضوع اليوم على جدول الأعمال عمل الحكومة الجديدة سيكون بمثابة خطأ كبير، فهذه القضية الحساسة والمثيرة للخلاف، ستؤدي إلى إلهاء الناس عن القضايا الاقتصادية الملحة.

أما الإعلامي ربيع شنطف انتقد بدوره ما أسماه "  الردح والكلام غير العلمي " من بعض مشايخ دار الفتوى، وطلب من المفتي أن يجتمع مع النواب الثلاثة ويحاورهم ويعطيهم وجهة النظر الشرعية بدلًا من تكفيرهم من قبل البعض على حدّ رأيه. 

في المقابل، فإن المغرد بلال خالد قال إنه لا يتخذ موقفًا محدّدًا من الزواج المدني، لكنه يطالب بإيجاد حلول تساعد الشباب  على الزواج و " بعدين كل حدا واحد حر يتزوج مدني أو شرعي أو كنسي "، كما اعتبر خالد أن ابراهيم منيمنة انتخب عن مقعد سني وليس علماني، فهل أهل السنة يريدون الزواج المدني؟

بدوره، اعتبر الناشط الحقوقي وديع الاسمر، أن أي شخص في لبنان يطالب بإقرار الزواج  المدني، ولا يلحظ حق المرأة بإعطاء الجنسية لزوجها وأولادها من دون قيد أو شرط هو " منافق"، معتبرًا أن الحل يكون بقانون موحد للأحوال الشخصية، وتعديل الدستور بما يخصّ الجنسية.

يذكر أن النقاش حول الزواج المدني في لبنان يعود لعقود طويلة، ولطالما شكّل مادة للخلاف والاستقطاب بين اللبنانيين، حيث تم البحث بالموضوع في البرلمان ورُفض بالتصويت عليه مبكرًا في العام 1951، قبل أن تبدأ الجمعيات المدنية بالظهور ابتداءً من ستينات القرن الماضي وطالبت بتطبيقه. قد طرح موضوع الزواج المدني بشكل جدي للمرة الأولى بواسطة رئيس الجمهورية الراحل في العام 1998، وقد أثار يومها جدلًا كبيرًا، خاصةً بعد رفض رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري التوقيع على تشريع الزواج المدني بالرغم من نيل القرار بأغلبية الوزارية، حيث قال الحريري يومها : "ظروف لبنان الآن لا تسمح بذلك".