17-مارس-2023
بدوي الجبل وديوانه

بدوي الجبل وديوانه

ولد الشاعر السوري بدوي الجبل في قرية ديفة في اللاذقية. اسمه الحقيقي محمد سليمان الأحمد (1905 - 1981).

بدأ حياته السياسي في صفوف الحركة الوطنية المقاومة للاستعمار الفرنسي. سُجن عدة مرات. هرب إلى العرق وعاد إلى سوريا بعد سقوط باريس بيد الألمان في الحرب العالمية الثانية. انتخب بعد الاستقلال في مجلس النواب، ثم تعرض للملاحقة من قبل حكومات الانقلابات العسكرية في مرحلة ما بعد الاستقلال، فتشرد مدة تسع سنوات في لبنان وتركيا وأوروبا. وعاد إلى سوريا 1962.

يشكل إلى جانب عمر أبو ريشة ونديم محمد المثلث الذهبي للشعر العمودي في سوريا في القرن العشرين.

اختيرت هذه الأبيات من قصيدة "يا وحشة الثأر" من ديوانه الصادر عن دار العودة في بيروت عام 1978.


يا وحشة الكون لولا لحن سامرنا

على النديّ المصفّى من حميّانا

 

نشارك الله جلّ الله قدرته

ولا نضيق بها خلقًا وإتقانا

 

وأين إنسانه المصنوع من حمأ

ممّن خلقناه أطيابًا وألحانا

 

ولولا جلا حسنه إنسان قدرتنا

لودّ جبريل لو صغناه إنسانا

 

ولو غمرنا نجوم الليل مغفية

أفاق أترفها حسنًا وغنّانا

 

ناجى على الطّور موسى والنّدام لنا

فكيف أغفل موسى حين ناجانا

 

إن آنس النّار بالوادي فقد شهدت

عيني من اللّهب القدسيّ نيرانا

 

نطلّ من أفق الدّنيا على غدرها

فنتجلى الرّاسيات الشمّ كثبانا

 

وما دهتنا من الجبّار عادية

إلاّ جزينا على الطّغيان طغيانا

 

أديم حصبائنا درّ وغالية

ما أفقر النّاس للنعمى وأغنانا

 

وأيّ نعمى نرجّيها لدى البشر

والله قرّبنا منه وأدنانا

 

تبكي السّماء وتبكي حورها جزعًا

للحسن والشعر في الدّنيا إذا هانا

 

يا خالق القلب: أبدعنا صبابته

يا خالق الحسن: أبدعناه ألوانا

 

القلب قصرك زيّنا عواريه

بالحسن حينًا وبالإحسان أحيانا

 

العاطلات من الأبهاء قد كسيت

شتّى اللّبانات أصنامًا وأوثانا

 

قلب شكا للخيال السمح وحشته

فراح يغمره نعمى وأشجانا

 

يا سيّد القصر لولانا لما عرفت

أفياؤه الخضر سمّارًا وندمانا

 

يمنى السراب على الصحراء حانية

تضاحك الرّكب واحات وغدرانا

 

ننضّر البؤس عند البائسين منى

والعقل عاطفة والثكل إيمانا

 

وكلّ ذنب سوى الطغيان ننزله

على جوانحنا حبًّا وغفرانا

 

وهمّ كلّ عفاة الأرض نحمله

كأنّنا أهله همًّا وحرمانا

 

نشارك النّاس بلواهم وإن بعدوا

ولا نشارك أدناهم ببلوانا

 

ضمّت محبّتنا الأشتات واتّسعت

تحنو على الكون أجناسًا وأديانا

 

سبحان من أبدع الدّنيا فكان لنا

أشهى القوارير من أطياب سبحانا

 

ستنطوي الجنّة النشوى فلا ملكًا

ولا نعيمًا ولا حورًا وولدانا

 

يفنى الجميع ويبقى الله منفردًا

فلا أنيس لنور الله لولانا

 

لنا كلينا بقاء لا انتهاء له

وسوف يشكو الخلود المرّ أبقانا