31-أغسطس-2017

تُحرم عديد القبائل في حلايب وشلاتين من الجنسية المصرية (الأناضول)

حوالي عشرة ملايين شخص حول العالم يعيشون بدون جنسية. مفوضية شؤون اللاجئين تقود حملة خلال السنوات الماضية لمحو تلك الظاهرة في دول العالم. في الكويت، القضية واضحة، حوالي 125 ألفًا بلا أوراق يبحثون عن جنسية إلى الحد الذي دفع جزر القمر لعرض استقبالهم، وتجنيسهم.

بلا تعليم ولا أوراق رسمية ولا شهادات ميلاد ولا قدرة على إثارة ضجيج  إعلامي، يعيش البدون في مصر بمناطق حدودية وجبلية

السعودية تضمّ عددًا من البدون كانوا رعاة غنم ينتقلون إلى مناطق جديدة في الصحراء بحثًا عن بئر ماء، لكن مع ظهور البترول، لم يصبحوا سعوديين تمامًا، فلم تمنحهم الرياض أوراق هوية رسميّة، ولم تتركهم لرعاية أغنامهم، ولا يزال البدون وصمة في سجل حقوق الإنسان بالسعودية.

بلا تعليم ولا أوراق رسميّة ولا شهادات ميلاد ولا قدرة على إثارة ضجيج إعلامي، يعيش البدون في مصر بمناطق حدودية وجبلية، لا يعترف بهم القانون، ولا الدفاتر الحكوميّة، فيفقدون حقوقهم في التعليم والتأمين الصحيّ، وحتى تصريح الدفن.. هؤلاء بشر، فعليًا، لم يطرقوا أبواب الحياة وسيخرجون منها دون أن يلتفت إليهم أحد.

اقرأ/ي أيضًا: الدول العربية بعد 68 سنة من ميثاق حقوق الإنسان

سأموت مثل أي قطة أو كلب دهسته سيارة في طريق عام

في حلايب وشلاتين، منطقة النزاع المصري – السوداني، التي تقع تحت سيطرة القاهرة حتى الآن، سقطت عائلات من دفاتر الدولة المصرية، قبائل الأتمن والرشايدة، منذ ضمها إلى مصر عام 1902، لا تقترب منهم الشرطة المدنية فالمنطقة مدجَّجة بالأسلحة الثقيلة، وبيادق القوات المسلحة، خوفًا من تسرّب جيش سوداني لاحتلالها، أو استعادتها إلى سلطات السودان، خاصة أن العلاقات بين البلديْن متوترة.

اقرأ/ي أيضًا: بعد "تيران وصنافير".. حلايب وشلاتين نحو الجنوب

حين بسطت مصر يدها على حلايب وشلاتين، هناك من هرب عائدًا إلى السودان، لكن عائلات ارتضت أن تكون تحت السيادة المصرية، فنبذها العلم المصري، ولم يرضَ بها ولم يمنحها أي ورقة تثبت حقها في الجنسية التي تعيش تحت رايتها، فأصبح من فيها معدومي الانتماء والهُوية، وغير معترَفٍ بهم.  

يعيشون بيننا كأشباح صامتة، لا يراها ولا يشعر بها أحد.. مهمشون، تحت خط الفقر، لا يطالون الحد الأدنى من الحياة، وصرخاتهم لا تسمعها سوى آذانهم، ويخافون من التظاهر خوفًا من طلقة طائشة تنهي كل شيء.. وفي النهاية، هم بلا ورق، والذي بلا ورق في مصر لم يولد، والذي لم يولد.. لم يمت.

سليم الهدندوة، ولد في حلايب وشلاتين ولم يخرجْ منها طوال حياته، خوفًا من أن يستوقفه كمين، ويطلب منه بطاقته الشخصية، فهو لا يملك أي أوراق هُوية، ولا يشغله إلا أنه إذا مات، لن يستخرج شهادة وفاة: "سأموت مثل أي قطة أو كلب دهسته سيارة في طريق عام"، يقول لـ"الترا صوت".

رغم تمسكه بأرضه، التي يعتبرها ملكية خاصة فلم يخرج منها إلى السودان حين فرضت مصر سلطتها عليها، إلا أنه يقول لـ"الترا صوت": "ندفع ثمن الأزمة المصرية – السودانية بلا نظرة من الحكومة، وعود فقط بقبول طلبات الحصول على الجنسية".

دائمًا هناك وعود: "سمعنا أكثر من مرة عن نية مصر منحنا الجنسية، أو أوراق بديلة، قال لنا أحدهم: الأزمة في طريقها للحل، ستمارسون السياسة، ويصبح لكم نائب في البرلمان.. لكن لا جديد على الأرض". في إحدى المرات الكئيبة، سرت أنباء عن إعادة مواطني حلايب وشلاتين إلى السودان، مع احتفاظ مصر بالأرض، "كانت تلك ليلة كئيبة"، كما يؤكد سليم الهدنوة.

عبر تلميحات، تلقى سليم الهدندوة وغيرهم من القبائل إشارة بالتمرّد على الحكم المصري، فلا تزال الحكومة السودانية تعلن أن تلك المنطقة، والأهالي الذين يعيشون على أرضها، تابعون لحكومة الخرطوم: "الخوف فقط يمنعنا من أي خطوة، ونفضّل الحل السلمي لنكون مصريين.. لكن الحكومة المصرية لا تريده".

غضب مبارك منع الجنسية المصرية عن 4 قبائل

البشرة السمراء واللهجة هما كل ما يربط قبيلة الأتمن بالسودان الآن، شيء واحد يقابله أن لا شيء يربط القبيلة بالقاهرة سوى ادّعاء بأن حلايب وشلاتين مصرية، ادعاء لم تترجمه مصر إلى واقع في الأوراق الرسميّة، فظلّ محمد أوشيك، شيخ قبيلة الأتمن بلا جنسية، كما ولد بلا جنسيّة. دون أسباب واضحة، منحت مصر الجنسية لقبيلتين تسكنان حلايب وشلاتين، ومنعتها عن أربع، في مقدمتهم الأتمن، وهو ما يثير استغراب شيخ القبيلة، محمد أوشيك، الذي يعلّق لـ"الترا صوت": "نرتدي زيًا واحدًا، ولدينا ثقافة واحدة، ولوننا واحد.. كيف أفرزوا أن هذا سوداني والآخر مصري؟".

اعتبر أوشيك ذلك انتقامًا من الرئيس المصري حسني مبارك، الذي شهد حادث اغتياله في أديس أبابا لدى زيارته عام 1995 إلى إثيوبيا، وأشار إلى تورّط سودانيين في الحادث، فقرّر أن يعذب كل أصحاب البشرة السمراء، وكانت قبائل حلايب وشلاتين في المقدمة.

ويروي أوشيك: "فُرض على أهالي حلايب وشلاتين أن يعيشوا تحت خط الفقر.. يبحثون عن سبل الحياة فلا يجدون أي شيء.. وأحيانًا، نرسل أولادنا للتعليم في مدارس السودان، فلا أوراق لدينا لتقبلهم المدارس المصرية".

مُنحت بعض قبائل حلايب وشلاتين الجنسية المصرية فيما حرمت أخرى فيما أُعتبر قرارًا جائرًا وغير مفهوم من السلطات زمن مبارك

5000 على حدود فلسطين.. بلا دين ولا جنسية!

تحت خط الفقر أيضًا، يعيش جانب من قبيلة العزازمة. هذا الجانب وقع عليه الاختيار للحصول على الجنسية المصرية، وبعض آخر لم يحصل عليها.

"لم يفهم أحد سرّ التمييز.. لماذا منحت مصر بعضهم، ورفضت البعض الآخر؟.. لا أحد يجد إجابة على السؤال، لكن في الغالب وسائط حكوميّة رجَّحت أسماء على أساس أن هؤلاء متعاونين مع أجهزة الأمن المصرية. البعض لم يتعاونْ بالشكل المطلوب فلم تعتبره حكومة مصر مصريًا".. هكذا فسَّر سعيد عطا (33 عامًا)، أحد أبناء قبيلة العزازمة، عدم حصوله على الجنسية.

قبائل أخرى تعيش في شمال سيناء سوَّت أمورها، ودخلت السجلات الرسميّة، لكن العزازمة وجدوا مانعًا في ذلك لم يكشفه المسؤولون، فاضطرّوا إلى حياة محاطة بعدّة صعاب.

داخل ذات القبيلة، العزازمة، منح البعض الجنسية بينما حرم آخرون منها وهو ما فسره البعض بتعاون البعض مع الأجهزة الأمنية

يتزوّجون زواجًا عرفيًا بلا أوراق مقيّدة، لا حقوق للزوجة إلا في الإطار الذي تحميه الأخلاق القبلية، لا أحد يجيد القراءة والكتابة، فالمدارس تريد أوراقًا لتقييد الطلاب بها، يتحوّل بعض شباب القبيلة إلى إرهابيين أحيانًا؛ إذ أنهم بلا تعليم. قليل من أفراد القبيلة يجيدون القراءة والكتابة ويعلّمون الأطفال، الذين يحصلون على "بطاقة تعريفية" تضمن لهم الحياة، وتذكرة مرور يمرّون بها من الكمائن.. لكنها لا تسمح لهم بأي شيء إضافي، وفي النهاية، يعيشون على الحدود الفاصلة بين مصر وفلسطين، بما فيها من رعب، كما يقول عطا.

تنصّ تقاليد القبيلة، التي تضم خمسة آلاف فرد بلا جنسية، على أنه لا زواج من خارج العزازمة، إلا أنّ الحل الوحيد لحصول الأبناء على الجنسية هو زواج الأب من مصرية، وغالبًا ما ترفض المصريات الزواج من شخص بلا جنسية "بدون" خوفًا من المستقبل "المظلم".

قبل أن يختتم عطا رواية مأساته، روى أنه نزح إلى محافظة مجاورة لشمال سيناء، مخترقًا الحواجز والأكمنة بتذكرة المرور، التي تعيق مروره أكثر ممّا تسهله، لكنه حين هبط بها لم يجد عملًا.. "قالوا لي: لماذا يعمل معنا شخص لا نعرف ملته ولا دينه ولا جنسيته".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الوجه الحقيقي لبلاد وزارة السعادة.. تمييز عنصري رسمي وممنهج تفرضه أبوظبي

القصة الكاملة للحرب الكلامية بين مصر والسودان.. ما علاقتها بليبيا والخليج؟