23-أكتوبر-2016

الفنان الراحل نذير إسماعيل/ سوريا

ملمسُ الأرضية بارد، أمس كان ساخنًا
الجثث تسري تحت الأحجارِ 
كما الأمطارُ
التي ستأتي.
شجرة الرُّمّان المجاورة لبيتنا أهدتني رضيعَها 
بعض قطرات الحليب المنعشة التي نزلت من السماء ملأت أغصانَها حتى تميّزت بين بقية الشجرات 
مشى الطريق الأسود بمحاذاتها 
يحمل منجلًا 
وانكسر الزيتون منحنيًا
يقول هامسًا للتربة 
كأنه يخلق ليالٍ سوداء معها
: إنهُ عرس الرمان 
طرحةٌ بيضاءُ تحتَ التراب
ونجومٌ تستلطف دهشة الماء الرّعوي الأول 
ذلكَ الذي ينزل تائهًا عن دربٍ ما 
والصيف يغلي من مكانٍ ما 
غيرةُ الصيف على الرُّمّان ولّدت كلّ هذي الحرارة 
في فمي.
مِن الفيضِ أصنع قطراتِ البَرَد
ومِن الحطب أُشكِّل الدفء يحومُ كالطير حول آفاقِ تحرُّكي
الصورُ المهزومة تنفني مع الرماد
ويقولون سيقومُ طائرٌ
لكنْ أنا 
حينها أين سأكون؟ 
في السِّرداب الذي يودي لغرفة المعيشة تتمشّى أضلاعي وتطير الأخيلة من قميص النوم 
العاري
والجسد مثل فطيرة حلوى تجتاحها النيران الباردة 
وينزل النَّدى بعيون مضطربة
الملابس في الخزانة مطويّة فوق بعضها 
مثل كتبٍ
الجوارير أيضًا كتب
والكتبُ يهربُ الحبرُ منها للهواء.

في بداية الشتاء 
يضع قلبي ساعةً للغيم 
ولما يتبلّلُ كاملُ وجهِها 
يدورُ.

وفيه تدخل خصل العنادل في حنجرتي 
حتى تفرشها بِسطًا
أمشي من تحتها وساقي باردة ٌ
قنينةٌ لفظَها النبع وهو يتمرّى في ربوع الشمس
 بينما هي تتنقل كهرَّة 
على ثلوج صدره 
وتسرق كلَّ شيء
حتى الماء.

في بدايته
تنعقد الشرايين حول زهرة 
ويندلق الجسد جبلًا 
بينما العراة يمرّون فيه، كما كان يمرُّ المصلُّون في ضوء الكاز
وينقشون اسم الله 
على الأحجار
حتى يبقى الرماد والغبار هما النور 
وتفنى الأجساد خلف الأقفاص 
في الصحراء العابرة مرةً رأيتُ هيكلًا لمعبد
كان فتاتُ الطيور يغني تحت أقدامه 
بينما هو يمتدُّ على الظلِّ عواميدَ بيضاء.

في الشتاء 
قد لا يصل بحرٌ ساقَي طفلٍ 
برأسه 
لمّا كان يغني أغنيةً عذبة بين الأحجار والصَّدَف
وها هي تموت 
في بطنه.

اقرأ/ي أيضًا:

قبعات من الغيمِ بيضاء

مؤذٍ أن تكون بخير في غيابي