تزايد بشكل ملحوظ عدد اليهود الذين يغادرون "إسرائيل"، بعد عملية "طوفان الأقصى" والحرب التي أعقبتها على غزة، بحثًا عن أماكن أكثر أمانًا.وهو ما أثار القلق داخل الأوساط الإسرائيلية من تنامي ظاهرة الهجرة العكسية.
وفي تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، تحت عنوان "في إسرائيل وخارجها: اليهود يغادرون منازلهم بحثًا عن أماكن أكثر أمانًا"، واصفة ذلك بأنها "عودة إلى التِّيه من جديد"، وتناول التقرير قصصًا لأشخاص تركوا "إسرائيل"، إما بسبب الحرب أو بسبب "تراجع الديمقراطية".
ومن بين هؤلاء، إيما ماغن توكتالي، التي لم تفكر سابقًا في المغادرة، لكن الشهر الماضي، قامت هي وزوجها ببيع جميع ممتلكاتهما، واستأجرا شقة في تايلاند قبل أن ينتقلا مع طفليهما للعيش هناك، وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإن الزوجين "لا يعرفان أين سيستقران في المستقبل، وما إذا كانا سيعودان إلى إسرائيل أو لا".
تناول التقرير قصصًا لأشخاص تركوا "إسرائيل"، إما بسبب الحرب أو بسبب "تراجع الديمقراطية"
أما، درور سدوت، البالغة من العمر 29 عامًا، فغادرت مع شريكها إلى العاصمة الألمانية برلين، في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، معتبرةً أن "الانتخابات الأخيرة والاحتجاجات ضد الانقلاب القضائي شكلت نقطة الانهيار"، بالنسبة لها، في إشارة إلى الجهود المستمرة التي تبذلها حكومة نتنياهو لإضعاف المحكمة العليا.
وتحدثت سدوت، لـ"هآرتس" من منزلها في برلين، قائلةً: "الجميع تظاهر دفاعًا عن الديمقراطية دون التطرق إلى الاحتلال. القضايا التي كانت جوهرية لدى اليسار تم تهميشها، والحرب سرعت هذه العملية"، وأضافت: "لا أعرف ما سيحدث مستقبلًا، لكن إسرائيل لم تعد بيتي الآن".
كرست سادو، حياتها لمكافحة الظلم والتمييز، والدعوة إلى إنهاء الاحتلال. وشغلت عددًا من المناصب، فقد عملت كمتحدثة باسم مجموعة "بتسيلم" الحقوقية المناهضة للاحتلال، ومساعدة للنائب العربي في الكنيست، أيمن عودة، وفق ما تقول "هآرتس".
أما إيلان رابيفو، البالغ من العمر 50 عامًا، ويقيم في رمات هشارون، والذي يدير شركة أسسها والده في أواخر الثمانينات في مجال النقل، لتوفير خدمات النقل وإعادة التوطين لليهود الفرنسيين، فيقول: "في البداية كان الاتجاه واحدًا: إلى إسرائيل"، لاحقًا في التسعينيات، بدأت الشركة في تقديم خدمات لليهود الراغبين في مغادرة "إسرائيل"، واستمرت إلى بداية سنوات الألفين مع اندلاع الانتفاضة الثانية، وبعد ذلك، بدأت الشركة تعرض خدمات للعثور على عقارات في الخارج والمساعدة في إيجاد مدارس واستصدار التأشيرات.
The October 7 effect: The Israelis leaving Israel, and the Diaspora Jews replacing them / @LeeYaron https://t.co/BJhXTA4EGJ
— Haaretz.com (@haaretzcom) September 6, 2024
يشير رابيفو، إلى أن هذا التوجه تعزز منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كاشفًا أنهم قبل بضعة أسابيع، نقلوا عائلة كبيرة من "كريات موتسكين" إلى إسبانيا، كانوا 20 شخصًا تقريبًا، الأب والأم والأولاد والأحفاد، وهذا يعني ثلاثة أجيال، حيث قالوا: إنهم "تعبوا من الحياة هنا، وتحدثوا عن الانقلاب السياسي والوضع الاقتصادي والخوف من أنه لم يعد هناك مكان للعلمانيين الليبراليين في البلاد، وأن الوضع سيسوء".
كما كشف رابيفو أيضًا عن "ارتفاع عدد طلبات المساعدة في إعادة التوطين"، وقال: "عائلات كثيرة شابة مع أولاد صغار وعدد كبير من سكان مركز البلاد، بعضهم أخلي من الشمال"، وساعدت شركته مجموعة تتكون من 30 عائلة، 100 من الآباء والأولاد، في الانتقال إلى سالونيك في اليونان، مشيرًا إلى أن "معظم مقدمي الطلبات أشخاص ما زالوا يجلسون على الجدار، ويهتمون بالتكلفة ويصدرون جوازات سفر أجنبية ويفكرون بالمغادرة، لكنهم لم يقرروا بعد".
في المقابل، هاجر الأمريكي اليهودي، جوناثان روغول، البالغ من العمر 48 عامًا، وهو مهندس في إحدى شركات "الهايتيك"، في نيسان/ أبريل الماضي، من واشنطن إلى إسرائيل "تضامنًا معها" بعد قيام الحرب. ومن منزله الجديد في تل أبيب، يعترف روغول بأنه "يشعر بالقلق على مستقبل الديمقراطية في إسرائيل"، ويشارك في المظاهرات ضد حكومة نتنياهو، ويؤيد إبرام صفقة مع حركة "حماس" لاستعادة المحتجزين في غزة.
وبحسب "هآرتس"، هذه القصص "تجسد منحى يظهر أيضًا في معطيات المكتب المركزي للإحصاء وشركات متخصصة بموضوع الهجرة"، بالإضافة لعشرات المقابلات التي أجرتها الصحيفة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر. تشير إلى مغادرة عشرات آلاف من اليهود "إسرائيل" بحثًا عن "مكان أكثر أمنًا"، سواءً كان "الدافع الخوف من الحرب وانهيار الديمقراطية ومعارضة الحكومة وغلاء المعيشة، أو الخوف من اللاسامية والتضامن مع إسرائيل". وتقول الصحيفة الإسرائيلية، إن "يهود القرن الحادي والعشرين يعودون إلى التِّيه".
وبحسب الأرقام المحدثة للمكتب المركزي للإحصاء، تبيّن أن عشرات آلاف من الإسرائيليين غادروا "إسرائيل" في السنوات الأخيرة، فقد غادر بين تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي وأذار/مارس من العام الجاري، 42185 إسرائيليًا ولم يعودوا.
وهذه زيادة بـ 12 بالمئة مقارنة مع العام الماضي. وشهد شهر تشرين الأول/أكتوبر 2023، "ارتفاعًا دراماتيكيًا" بهجرة 12300 إسرائيلي، ولم يعودوا حتى الآن، وهذا يعني ارتفاع بنسبة 400 بالمئة مقارنة بتشرين الأول/أكتوبر 2022.
تشير التقرير إلى مغادرة عشرات آلاف من اليهود "إسرائيل" بحثًا عن مكان أكثر أمنًا
بالنسبة للخبير بالهجرة في قسم علم الاجتماع والإنسان في جامعة "تل أبيب"، البروفيسور إسحق ساسون، ربما "يتضاعف عدد المغادرين مرتين أو ثلاث مرات في السنوات القريبة القادمة، بالأساس في أوساط الشباب. هذا ما يحدث في الدول التي مرت بعملية قمع سياسية. هنغاريا التي يشبه عدد سكانها عدد السكان في إسرائيل فقدت ما بين 400 إلى 800 ألف من مواطنيها في العقد الماضي"، ويضيف: "في إسرائيل مئات الآلاف الذين يؤثرون على الاقتصاد والأكاديميا بشكل كبير، وإذا غادر كثيرون منهم فسيكون الضرر غير قابل للإصلاح".
من جهته، كشف رئيس قسم إعادة التوطين في دائرة أحكام العمل وإعادة التوطين في مكتب غولدبرف زلغمان وشركائه، المحامي ليعام شفارتس، عن زيادة بنحو 40 بالمئة حدثت على الطلبات المقدمة للمكتب للمساعدة في إصدار تأشيرات لإعادة التوطين في أميركا، منذ بداية الحرب، وهي تعود بالأساس إلى شركات تجارية. مشيرًا إلى أن "هناك شركات سايبر وهايتك، التي تبدو لها اعتباراتها الأمنية تدرك بأنه إذا اندلعت حرب في الشمال أيضًا، فعليها نقل أقسام كاملة".
ولفت شفارتس، إلى أنهم واجهوا عشرات الطلبات من العاملين في مستويات مختلفة، الذين يبحثون عن طريقة للبقاء في الولايات المتحدة. وعالج مكتبهم مئات طلبات إعادة التوطين منذ تشرين الأول/أكتوبر، وهذا هو الرقم الأعلى الذي يتذكره منذ سنوات.