24-مارس-2022
لبنان

"Getty"

يستعد اللبنانيون لاستقبال شهر رمضان المبارك، بالتزامن مع أزمة معيشية خانقة تشهدها البلاد، وفي ظل فشل تام للطبقة السياسية في إدارة الشؤون الحياتية على امتداد السنوات الأخيرة، وسيكون الأمر هذا العام قاسيًا وأكثر صعوبة، وسط الظروف الإقليمية والدولية التي يتأثر لبنان بها بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي مقدمها الحرب الروسية على أوكرانيا، وتعثر المفاوضات الإيرانية – السعودية، فيما ينشغل الساسة في لبنان بتجييش قواعدهم الشعبية استعدادًا للانتخابات النيابية في شهر أيار \ مايو، وإغداق الوعود الفارغة بإجراء الإصلاحات ومكافحة الفساد، بحثًا عن مصالحهم الشخصية، غير آبهين بشبح الجوع والفقر الذي يخيّم فوق بيوت اللبنانيين أكثر من أي وقت مضى.

رمضان بدون كهرباء: كل المؤشرات توحي بذلك

شارف شهر آذار \ مارس على نهايته، لكن العواصف الثلجية والكتل الهوائية الباردة لم تتوقف حتى اليوم، وتستمر معها معاناة اللبنانيين في تأمين المحروقات لإشعال المواقد في ظل ارتفاع أسعارها بشكل جنوني، مع مخاوف أن يستمر الصقيع حتى شهر رمضان، حيث ستُضاف تكلفة التدفئة إلى المصاريف العالية التي يتطلبها هذا الشهر، فيما يخص تأمين المواد الغذائية من خضار ولحوم، إضافة إلى الحلوى.

لبنان

في مقارنة مع العام الماضي، تضاعف سعر قارورة الغاز أكثر من 15 مرة، وبات سعرها يعادل نصف الحد الأدنى للأجور، كذلك تضاعفت أسعار اللحوم والخضر بشكل يفوق القدرة الشرائية للأسر من الطبقة المتوسطة، ناهيك عن عشرات آلاف العائلات التي تعيش تحت خطّ الفقر.

للوقوف أكثر على الواقع الذي تعيشه الأسر اللبنانية اليوم عشية شهر رمضان، كان لألترا صوت لقاء مع ربّ أسرة مكونة من خمسة أفراد، للحديث عن استعدادت العائلة لاستقبال الشهر الفضيل، فقال " أبو مازن" إن دخله الشهري لا يتخطى سقف المليونين ليرة، فيما تكلفة مائدة الإفطار لليوم الواحد لا تقل عن مئتي ألف ليرة لليوم الواحد، في ظل تفلت الأسعار المحموم ، ما يعني أن راتبه لن يكفيه حتى للأيام العشرة الأولى من الشهر، بالرغم من أنه استبعد الكثير من الأصناف التي بالعادة كانت تتضمنها مائدة عائلته الرمضانية.

لبنان

يقول أبو مازن إنه أوقف إشتراك الكهرباء بسبب رفع التسعيرة من صاحب المولد، وأن كهرباء الدولة لا تتوفر لأكثر من ساعتين في اليوم، وهم لا يعلمون إذا كانوا سيتناولون وجبة الإفطار "على ضوء الشمعة". وعن الحلوى الرمضانية، يقول أبو مازن، وهو موظف في شركة تجارية، إنها أصبحت ترفًا محصورًا بالميسورين الذين هم أقلية، فالقطايف، الشعيبيات، الكلاج، وغيرها من أصناف الحلوى التي تشتهر بها المائدة اللبنانية في رمضان، ستكون غائبة خلال هذا العام، في وقت تسجّل فيه أسعار اللحوم والدجاج أرقامًا قياسية.

ارتفاع أسعار الزيت والسكر والقمح بسبب الحرب في أوكرانيا

الحرب الروسية على أوكرانيا أرخت هي الأخرى بظلالها على الوضع المعيشي في لبنان، وكأن اللبنانيين لا يكفيهم أزماتها الداخلية، وانهيار سعر صرف العملة الوطنية، واحتجاز المصارف لأموال المودعين، وغيرها من المثالب التي ظهرت إلى الواجهة مع اندلاع انتفاضة 17 تشرين، فالحرب أدت إلى ارتفاع أسعار النفط عالميًا، بالتزامن مع رفع الدولة للدعم عن المحروقات، فسعر صفيحة المازوت اليوم مثلًا يتخطى العشرين دولار، في الوقت الذي يتقاضى معظم اللبنانيين رواتبهم بالليرة اللبنانية، ولم يتم تصحيح الأجور بشكل يتماشى مع الأزمة.

لبنان

للوقوف أكثر على الاستعدادات الرمضانية، كان لألترا صوت جولة في أحد أسواق بيروت، وحديث مع بعض البائعين، الذين أكدوا بمعظمهم أن "حركة رمضان" تبدأ في العادة قبل أسبوعين من حلول الشهر، لكن الوضع مختلف كليًا هذا العام، حيث لا حركة في السوق، والجميع متخوف من المجهول القادم.

يقول صاحب محال للمواد الغذائية لألترا صوت، إن سعر ليتر الزيت تضاعف أكثر من ثلاث مرات منذ بدء الحرب في أوكرانيا، كذلك بالنسبة للسكر والقمح وجلّ أنواع الحبوب، كما أن المواد شحّت بشكل كبير وبات الحصول عليها أمرًا عسيرًا، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال النظر إلى الرفوف، أما عن أسعار الخضر والفواكه فحدّث بلا حرج، فتحول سعر الخيار مثلًا إلى " ترند " على مواقع التواصل، إذ سخر المغردون من تخطي سعر الكيلو منه مبلغ 35 ألف ليرة، علمًا أن سعره قبل الأزمة كان لا يتعدى الألفي ليرة.

لبنان

في الوقت الذي يستعد المسلمون في لبنان لبدء صيامهم، يتحضر المسيحيون لعيد الفصح بعد أربعين يوم من الصوم. أيام مباركة وأعياد مقدسة تحل على لبنان بجناحيه المسلم والمسيحي، في وقت تفرغ جيوب اللبنانيين من المال، وتخلو منازلهم من المأكولات، وشوارعهم من مظاهر الفرح، وتمتلأ وجوهم بالوجوم والقلق من مستقبل قد لا يجدون فيه ما يسد رمقهم ورمق أسرهم، بينما ينتظر الأطفال الحصول على هدايا العيد والملابس الجديدة، من أهل لا يمتلكون بعد الآن، سوى القصص التي يختبئون خلفها، فيسردونها لاطفالهم لتبرير عدم قدرتهم على إدخال الفرح إلى نفوسهم كما يستحقون.