يسيطر القلق على المزارعين الباكستانيين الذين توجد حقولهم بمحاذاة نهر السند، فبالإضافة إلى انخفاض منسوب النهر بشكلٍ حاد بسبب دخول فصل الصيف، جاء التهديد الهندي بقطع الإمدادات المائية من المنبع ليزيد مخاوف المزارعين من كارثة بيئية وإنسانية، تهدد الأرض بالجدب والسكان بالموت جوعًا.
وكانت الهند قد أعلنت تعليق العمل باتفاق تقاسم المياه مع باكستان، ردًّا على الهجوم الدموي الأخير في كشمير، وقد اعتبرت إسلام آباد أنّ أي مساسٍ بحقوقها المائية المنصوص عليها في الاتفاقية المبرمة عام 1960، سيكون بمثابة إعلان حرب.
يشار إلى أنّ اتفاقية تقاسم المياه ظلت صامدة لأكثر من 6 عقود، وذلك على الرغم من الحروب (3 حروب) التي خاضها البلدان النوويان، منذ انفصالهما عام 1947.
وقّعت اتفاقية نهر السند عام 1960 بوساطة من البنك الدولي، وهي تُقسّم نهر السند وروافده بين باكستان والهند، وتضمن توفير المياه لنحو 80% من المزارع الباكستانية
مخاوف المزارعين
تنقل وكالة رويترز عن المزارع الباكستاني هوملا ثاخور، البالغ من العمر 40 عامًا، قوله وهو يستعد لملء خزان الماء من مياه نهر السند: "إذا أوقفوا عنا المياه، سيتحول كل هذا إلى صحراء وسنموت جوعًا"، وتبلغ مساحة مزرعة هذا المزارع حوالي هكتارين فقط، وتقع في منطقة لطيف أباد بإقليم السند جنوب شرقي باكستان، حيث يتدفق نهر السند الذي ينبع من التبت ويتدفق عبر الهند.
المخاوف ذاتها التي أثارها المزارع ثاخور رددها أكثر من 15 مزارعًا باكستانيًا وعدد من الخبراء الآخرين، حسب رويترز، لا سيما مع ندرة الأمطار في السنوات الأخيرة.
يشار إلى أن اتفاقية نهر السند الموقعة عام 1960 بوساطةٍ من البنك الدولي، تضمن توفير المياه لنحو 80% من المزارع الباكستانية (أكثر من 16 مليون هكتار من الأراضي الزراعية)، وهذا ما يجعلها استراتيجية لإسلام آباد، التي يرتبط أمنها الغذائي بتلك الاتفاقية إلى حدٍّ بعيد.
تعليق اتفاقية نهر السند
علّقت الهند يوم الأربعاء الماضي ـ أي بعد يومٍ واحد من هجوم كشمير الدموي ـ العمل بمعاهدة مياه نهر السند، وأوضحت نيودلهي أن قرار التعليق سيستمر حتى "تتخلى باكستان بشكل موثوق لا رجعة فيه عن دعمها للإرهاب العابر للحدود".
وتدّعي الهند أن اثنين من المسلحين الثلاثة الذين هاجموا السياح وقتلوا 26 شخصًا في كشمير قدِموا من باكستان. في المقابل تنفي إسلام أباد أي صلة لها بالهجوم، متهمةً الهند بتلفيق اتهامات لا أساس لها من الصحة. وأبْدت باكستان استعدادها للمساعدة في أي تحقيقات نزيهة وشفافة حول الهجوم، مع تأكيدها على أنّ "أي محاولة لوقف أو تحويل تدفق المياه من نهر السند ستُعتبر عملًا حربيًا".
وتُقسّم اتفاقية عام 1960 نهر السند وروافده بين باكستان والهند. ويرى مسؤولون حكوميون وخبراء من كلا الجانبين، في تصريحات لوكالة رويترز، أن الهند لا تستطيع وقف تدفق المياه فورًا، لأن المعاهدة سمحت لها فقط ببناء محطات الطاقة الكهرومائية دون تخزينٍ كبير للمياه، أو إمكانيةٍ لتشييد سدودٍ على الأنهار الثلاثة المخصصة لباكستان، ومع ذلك فإن الأمور قد تبدأ بالتغير خلال بضعة أشهر.
وأعطت التصريحات القادمة من الهند للباكستانيين كافة المبررات للخوف من إقدام الهند على التصرف في حقوق باكستان المائية، فقد كتب وزير الموارد المائية الهندي، تشاندراكانت راغوناث باتيل، في منشور على حسابه في منصة إكس "سنضمن عدم وصول أي قطرة ماء من نهر السند إلى باكستان"، كما قال مسؤولان في الحكومة الهندية لرويترز، رفضا كشف هويتهما لحساسية الموضوع، إنّ الحكومة الهندية "قد تبدأ خلال أشهر بتحويل المياه لمزارعها الخاصة باستخدام القنوات، مع التخطيط لبناء سدود كهرومائية قد يستغرق اكتمالها من أربع إلى سبع سنوات".
فيما قال كوشفيندر فوهرا، الذي كان يرأس لوقت قريبٍ لجنة المياه المركزية الهندية، إن الهند "ستتوقف فورًا عن مشاركة البيانات، مثل التدفقات الهيدرولوجية، في مواقع مختلفة من الأنهار التي تتدفق عبر الهند، وستمتنع عن إصدار تحذيرات من الفيضانات، وستتجاهل الاجتماعات السنوية للّجنة الدائمة لنهر السند التي يرأسها مسؤول من كل من البلدين".
وأضاف فوهرا، الذي كان أيضًا مفوضًا هنديًا لنهر السند ويقدم الآن المشورة للحكومة من حين لآخر: "لن تتوفر لديهم، أي الباكستانيون، معلومات كافية عن موعد وصول المياه، أو كميتها، وبدون المعلومات، لا يمكنهم التخطيط".
رئيس الوزراء الباكستاني دعا إلى إجراء تحقيقات محايدة ونزيهة في حادثة الاعتداء على السياح في الجزء الهندي من كشمير، مبديًا استعداد بلاده للمشاركة في تلك التحقيقات.
اقرأ المزيد: https://t.co/KgBTHodjDz pic.twitter.com/IYqU7GP7F3
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 26, 2025
تداعيات أخرى
يرى خبراء اقتصاديون أن نقص المياه المتدفقة نحو باكستان لا يقتصر على الزراعة فحسب، بل سيؤثر أيضًا على توليد الكهرباء، وقد يُشل الاقتصاد.
وفي هذا الصدد يرى الخبير الاقتصادي ورئيس فريق شركة "أكسفورد لإدارة السياسات" فاكار أحمد، بأن باكستان "قللت من شأن خطر انسحاب الهند من المعاهدة"، مضيفًا أنّ الهند "لا تمتلك البنية التحتية اللازمة لوقف تدفقات المياه، خاصة خلال فترات الفيضانات، لذا تُتيح هذه الفترة فرصةً حاسمةً لباكستان لمعالجة أوجه القصور في قطاع المياه لديها".
لكن غاشاريب شوكت، وهو باحث في مركز أبحاث الزراعة الباكستاني بكراتشي، يشير إلى أنّ الباكستانيين ليس لديهم في الوقت الحالي أي بديل، فالأنهار التي تحكمها المعاهدة لا تدعم المحاصيل فحسب، بل تدعم أيضًا المدن وتوليد الطاقة وملايين من سبل العيش".
وفي السنوات الأخيرة، سعت حكومة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إلى إعادة التفاوض على المعاهدة، وحاولت الدولتان تسوية بعض خلافاتهما في محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي بشأن مساحة تخزين المياه في محطتي "كيشينغانغا" و"راتلي" الكهرومائيتين.
والخميس الماضي أبلغت الهند باكستان أن الظروف قد تغيرت منذ توقيع المعاهدة، بما في ذلك الزيادة السكانية والحاجة إلى مصادر طاقة أنظف، في إشارةٍ إلى الطاقة الكهرومائية.
وفيما يخصّ موقف الوسيط في المعاهدة، أي البنك الدولي، فقد صرّح متحدث باسمه قائلًا إن "البنك موقّعٌ على المعاهدة لمجموعةٍ محدودةٍ من المهام المحددة، ولا يُبدي رأيه في القرارات السيادية المتعلقة بالمعاهدة التي تتخذها الدول الأعضاء".
وعلى الرغم من أن قرار التعليق لا يلغي المعاهدة التي تبقى سارية لحين إعلان أحد الطرفين انسحابه منها، إلّا أنّ تعليقها يُرسي سابقة خطيرة، وفقًا لسياسيين باكستانيين، بينهم بيلاوال بوتو زرداري، وزير الخارجية الباكستاني السابق، الذي كتب قائلًا: "نحن بالفعل عالقون في صراعات لأجيال، وبالانسحاب من معاهدة مياه نهر السند، أعتقد أننا نُوقِع الأجيال القادمة في سياق صراع جديد تمامًا، مضيفًا: "يجب ألا يحدث هذا".