تحوّل معتقل غوانتانامو إلى عقبة كأداء أمام الرؤساء الأميركيين الذين حاولوا إغلاقه. وبمغادرته البيت الأبيض يوم الإثنين المقبل، سيكون بايدن ثالث رئيس أميركي يفشل في إغلاق ذلك السجن العسكري الذي ارتبط في الذاكرة الأميركية والعالمية بالكثير من الانتهاكات والفظائع، إلى الحد الذي دفع صحيفة "واشنطن بوست" إلى اعتباره "رمزًا قبيحًا لواحدة من أكثر السياسات المؤسفة في التاريخ الأميركي المعاصر".
ولعلّ الأمر الأكثر مأساويةً في هذا الإخفاق المتواصل في إغلاق معتقل غوانتانامو هو أنّ الرئيس الجديد دونالد ترامب يدعم بقاءه رغم وصْفه تكلفة السجن بالجنونية مقارنةً بالعدد المحدود لنزلائه في الوقت الحالي، في إشارة، من الرئيس الجمهوري، إلى إمكانية الزج ببعض من سمّاهم سابقًا بـ"الأشرار" فيه.
وكان سلف ترامب من الرؤساء الجمهوريين، وهو الرئيس جورج بوش الابن خلف فتحِ السجن العسكري في خليج غوانتانامو في أقصى جنوب شرق كوبا عام 2002، أي في ذروة ما يسمى في الأدبيات الأمنية الأميركية بـ"الحرب على الإرهاب". وبتهمة ـ وأحيانًا شبهة ـ الإرهاب تم الزج بدايةً بـ 780 شخصًا في المعتقل الذي ارتبط في الأوساط الحقوقية بسمعة سيئة، أمْلاها خروجه عن أي قوانين لحقوق الانسان، فهو منشأة ذات "سلطة مطلقة لعدم وجوده ضمن الحدود الأميركية".
يواصل الكونغرس فرض القيود التي تحول دون إمكانية إغلاق معتقل غوانتانامو
وترى "واشنطن بوست" أنّ إدارة بوش الإبن ورغم إدراكها أنّ المعتقل أصبح "أداةً لتجنيد الإرهابيين ووصمة عار على مكانة أميركا العالمية كمنارة للعدالة"، لم تمتلك الشجاعة الكاملة لإغلاقه رغم إعلانه محاولة ذلك، حيث اقتصرت على "تقليص عدد السجناء إلى 242 سجينًا".
وحتى الرئيس الديمقراطي الذي خلف بوش، وهو باراك أوباما الذي وعد بإغلاق المعتقل بشكلٍ صريح، أخفق هو الآخر في ذلك، وكان السبب تعنّت الكونغرس الأميركي وعرقتله المستمرة لإغلاق المعتقل سيئ السمعة والصيت. لكن أوباما استطاع تخفيض عدد السجناء إلى 40 سجينًا فقط، وذلك طيلة عهدته الرئاسية التي استمرت لـ8 سنوات.
أمّا ترامب فسبح كالعادة عكس التيار، حيث تعهّد بالحفاظ على المعتقل والزج بمزيد من "الأشرار فيه" حسب ادعائه. وفي حين استطاع أن يوفي بالتعهد الأول، بتوقيعه 2018 أمرًا تنفيذيًا لإبقاء غوانتانامو مفتوحًا، إلّا أنه لم يستطع الوفاء بالتعهد الثاني المتعلق بتعبئة السجن من جديد، حيث انتهت عهدته الرئاسية الأولى دون "إضافة سجين واحد لغوانتانامو".
وعلى الرغم من أن بايدن لم يتمكن من إغلاق المعتقل، رغم محاولاته العديدة، إلّا أنه "قلّص عدد المعتقلين في غوانتانامو إلى 15 سجينًا، وقد نقل هذا الشهر كانون الثاني/يناير 11 يمنيًا إلى عُمان، بعد نقل اثنين إلى ماليزيا وواحد إلى كينيا في كانون الأول/ديسمبر الماضي" حسب واشنطن بوست. وبذلك، لم يبقَ في المعتقل سوى عدد محدود من السجناء يتوزعون بين جنسيات أفغانية وليبية وعراقية وباكستانية ويمنية وصومالية وإندونيسية وسعودية بالإضافة إلى فلسطيني واحد وروهينغي واحد أيضًا، وجمعيهم "ألقي القبض عليهم من قبل القوات الباكستانية قرب الحدود الأفغانية عام 2001" حسب الصحيفة الأميركية.
تكلفة باهظة
تتكلّف الولايات المتحدة الأميركية سنويًا مبلغ 500 مليون دولار أميركي على عدد من المعتقلين في غوانتانامو لا يتجاوزون 15 سجينًا، أي بمتوسط 33 مليون دولار عن كلّ سجين، ويعكس ذلك حسب صحيفة "واشنطن بوست"، مدى "عبثية إبقاء المعتقل مفتوحًا". ودفعت مثلُ هذه الحقيقة دونالد ترامب، عام 2019 إلى الإقرار بأن "تكلفة الحفاظ على السجن كانت مجنونة".
وترى واشنطن بوست أنّ ترامب أمام فرصة حقيقية لإثبات مدى جديته في تحسين كفاءة الحكومة بترشيد الموارد، إذ يُحتّم عليه هذا التوجه أن "يعمل على نقل السجناء المتبقين إلى سجون فدرالية آمنة" حسب الصحيفة.
لكن هناك عقبات تواجهه، إذ دأب الكونغرس الأميركي على إفشال محاولات الرؤساء الأميركيين في إغلاق معتقل غوانتانامو، بدءًا بجورج بوش الابن الذي اقترف خطيئة فتحه، مرورًا بأوباما ووصولًا إلى بايدن، حيث ظلّ الكونغرس يمرر التشريعات التي تفرض "قيودًا صارمة على نقل المعتقلين إلى بلدان أخرى من جهة، وحظر إرسالهم إلى سجون على الأراضي الأميركية" من جهة ثانية.