24-أكتوبر-2017

لعب ستيف بانون دورًا في تأزيم الموقف في الشرق الأوسط عبر حصار قطر (درو أنجرير/ Getty)

يتبادر إلى أذهان المراقبين سؤال عن الأسباب وراء مخالفة ترامب لإدارته بمهاجمته قطر بعد فرض الحصار عليها، ثم تراجع حدة خطابه تجاهها، بل التركيز على حل الأزمة بدلًا من إشعالها. ولعل جزءًا كبيرًا من الإجابة على هذا السؤال يتمثل في "ستيف بانون" كبير المستشارين الاستراتيجيين في البيت الأبيض قبل عزله في آب/أغسطس الماضي، مع بقائه مساعدًا لترامب. موقع "ماكلاتشي - Mcclatchy" كشف عن وثائق جديدة، ضمن تقريرٍ أعده يُؤكد دور بانون في التحريض على قطر بواشنطن؛ نعرضه لكم مترجمًا بتصرف في السطور التالية.


بعد وقت قصير من مغادرة ستيف بانون، كبير الخبراء الاستراتيجيين بإدارة دونالد ترامب، البيت الأبيض، استأجرت الإمارات العربية المتحدة شركة ذات علاقات وثيقة به لشن حملة إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي ضد جارتها قطر.

تفيد سجلات الحكومة الأمريكية، باستعانة الإمارات في حملتها ضد قطر، بشركة أمريكية تابعة لشركة استعان بها ترامب في حملته الانتخابية

كان ذلك جزءًا من الحملة التي بلغت قيمتها ملايين الدولارات، والتي شنتها كل من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر ضد قطر لحصارها. وقد تلقت تلك الحملة في بدايتها دفعة إلا الأمام، عندما انتقد ترامب الدولة التي ظلت لسنوات حليفًا إقليميًا أساسيًا.

اقرأ/ي أيضًا: مترجم: "مافيات" الثورة المضادة بقيادة أبوظبي من واشنطن (2/2)

وتشير سجلات الحكومة الفيدرالية إلى أن الإمارات دفعت 330 ألف دولار إلى شركة تابعة لشركة "كمبريدج أناليتيكا"، التي سبق وأن استعان بها ترامب للوصول إلى الناخبين عبر الرسائل الإلكترونية الموجهة أثناء حملته الانتخابية. وقد استعانت الإمارات بتلك الشركة من أجل تشويه قطر عبر فيسبوك وتويتر ومواقع أخرى.

ويمتلك بانون العديد من المصالح في المنطقة منذ فترة طويلة. وكان بانون قد أجرى اجتماعات مغلقة مع بعض المسؤولين الإماراتيين، وزار البلاد خلال شهر أيلول/سبتمبر الماضى، وساند مجموعة الدول المحاصرة لقطر وعلى رأسها الإمارات.

ومن المقرر أن يلقي بانون كلمةً، يوم الإثنين القادم، في المؤتمر الذي ينظمه معهد هدسون في واشنطن، وهو مركز بحثي محافظ يتلقى التمويل من جهات متعددة. ويأتي المؤتمر بعنوان: "مواجهة التطرف العنيف: قطر وإيران والإخوان المسلمين".

ويأتي هذا الخطاب في أعقاب الاجتماع الذي جرى في الإمارات بين بانون وولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي، محمد بن زايد آل نهيان. ولم يكن الاثنان غريبان عن بعضهما البعض، فقد سبق لبانون أن التقى بابز زايد في برج ترامب في كانون الأول/ديسمبر، في لقاء حضره جاريد كوشنر صهر ترامب ومايكل فيلن مستشار الأمن القوي السابق. وقد أثار ذلك اللقاء جدلًا كبيرًا، إذ لم تُبلغ الإمارات إدارة أوباما عن الزياة كما جرت الأعراف.

كما توسطت الإمارات لعقد اجتماع في كانون الثاني/يناير الماضي، بين إيريك برنس، صديق بانون ومؤسس "بلاك ووتر"، وبين شخص روسي مقرب من الرئيس فلاديمير بوتين، في محاولة لإنشاء خط اتصال بين موسكو وترامب، قبل أيام من تولي ترامب مهام وظيفته، وذلك وفقًا لما ذكرته واشنطن بوست، التي أشارت إلى التقاء برنس بالشخص الروسي في جزر سيشيل قبالة شرق إفريقيا. 

ويعيش برنس في الإمارات مستفيدًا بعقد بملايين الدولارات مع أبوظبي لجمع قوة أمنية من المرتزقة هناك. كما أن لشركته أعمال أمنية في إفريقيا، كثير منها لصالح الصينيين. إلا أن بانون شجع برنس على العودة إلى الولايات المتحدة وخوض الانتخابات التشريعية. وفي الأسابيع الأخيرة، بدأ برنس في الإعلان عن تفكيره ​​في منافسة، جون باراسو، ممثل وايومنغ في مجلس الشيوخ الجمهوري.

صحيح أن بانون لم يتحدث علنًا عن قطر إلا مرات قليلة، لكن الموقع الذي كان يديره نشر عشرات المواضيع المهاجمة لقطر منذ بدء الحصار

وبالتزامن مع قطع العلاقات مع قطر، توجه ترامب باتهامات مبطنة لقطر بتمويل الإرهاب، رغم أهميتها الاستراتيجية للولايات المتحدة لاستضافتها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، تحتوي أكثر من 10 آلاف جندي.

اقرأ/ي أيضًا: بعيدًا عن تخبّط ترامب.. أمريكا "الرسمية" تقف ضد حصار قطر

وقالت مارا كارلين، التي عملت في وزارة الدفاع خلال الإدارتين السابقتين، وهي الآن أستاذة في مدرسة جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة: "إن الولايات المتحدة لها حضور راسخ في الشرق الأوسط، لكن قاعدة العُديد هي الأهم".

هذا ولم يتحدث بانون علنًا ​​عن قطر سوى في مرات قليلة. لكن موقع "بريتبارت نيوز"، الموقع اليميني المتطرف الذي كان بانون يديره قبل تعيينه في البيت الأبيض، نشر أكثر من 80 عنوانًا مرتبطًا بقطر منذ بدء الحصار، وكانت معظمها تنتقد قطر. إحدى تلك العناوين، صادر في 15 حزيران/يونيو الماضي، يقول إن "قطر المؤيدة للجهاد ربما تكون قد ألهمت بعض معتقلي غوانتنامو السابقين بالعودة إلى الإرهاب". وبعد عشرة أيام، جاء مقال آخر بعنوان "العائلة الحاكمة في قطر تستورد مقاتلي حزب الله للحماية".

وقال بانون إنه يخطط لبدء سلسلة مؤتمرات عالمية من خلال موقع "بريتبارت نيوز"، مُضيفًا لوكالة بلومبيرغ: "إننا نبحث قيام بريتبارت برعاية مؤتمرات أمنية كبرى في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وفي الخليج العربي، ووسط أوروبا، وشرق آسيا، في أوائل عام 2018".

وكانت تغريدات ترامب التي هاجم فيها قطر هذا الصيف، متعارضة مع ما قاله مسؤولون آخرون في الإدارة الأمريكية، فقد دعا وزير الخارجية، ريكس تيلرسون دول الخليج لحل النزاع، قائلًا: "إننا بالتأكيد نشجع كافة الأطراف على الجلوس معًا ومعالجة هذه الخلافات".

وفي تغريدة لدونالد ترامب على حسابه بتويتر، في السادس من حزيران/يونيو 2017، قال: "أثناء رحلتي الأخيرة إلى الشرق الأوسط، ذكرت أنه لا يمكن أن يكون هناك تمويل للأيديولوجية المتطرفة، فأشار القادة إلى قطر!"

وتعليقًا على هذه التغريدة، قال مدير مشروع العلوم السياسية في الشرق الأوسط بجامعة چورچ واشنطن، مارك لينش: "شعر كثير من الناس بالتخبط لأنهم تلقوا رسائل مختلَطة. تغريدة ترامب تُحرج وتُقوِّض الإدارة الأمريكية حقًا".

وعلى الجانب الآخر، صرح مدير مكتب الاتصالات الحكومي في قطر، سيف بن أحمد آل ثاني، بأن بلاده بمساعدة من الولايات المتحدة، قامت بمزيد من الجهود لمكافحة الإرهاب أكثر من أي دولة أخرى في المنطقة، كما قال إنه "لم يحدث أي تغيير في السياسة الأمريكية تجاه قطر". 

وأضاف سيف بن حمد قائلًا إنه "بينما تعمل قطر علنًا ​​وبكل شفافية مع الولايات المتحدة وحلفائها لتبادل المعلومات ومكافحة الإرهاب حيثما وجد، تُنفِق الإمارات طاقتها ومواردها على اختراق المواقع وزرع قصص وهمية، وعندما لا ينجح ذلك، يُموِّلون نشر المعلومات التضليلية عن قطر من خلال الإعلان  ومواقع التواصل الاجتماعي، هذا هو اختيارهم، لكنه لن يُغيِّر الحقائق".

وعقب الهجوم المدبر على قطر، بدءًا من اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية، انطلقت حملة مُنسّقة ومتعددة الأوجهة ومُكلّفة ضد قطر. ففي واشنطن، انطلقت موجة هُجوم محمومة في دوائر النفوذ، حيث قامت دول الخليج على كلا الجانبين بإنفاق أكثر من سبعة ملايين دولارات في عقود جديدة، منذ حزيران/يونيو، للاستفادة من خدمات بعض ذوي النفوذ، بما في ذلك مكتب المحامي العام السابق، جون أشكروفت، ومجموعة بوديستا، التي شارك في تأسيسها حليف قديم لهيلاري كلينتون، وفقًا لسجلات الحكومة الاتحادية.

شركة أخرى، هي مجموعة هاربور، تلقت أكثر من 2.5 مليون دولار من دولة الإمارات للعمل في الفترة ما بين تشرين الأول/أكتوبر 2016، وآذار/مارس 2017، وفقًا لأحدث السجلات المتاحة، كما وقعت عقدًا مع السفارة السعودية قبل 11 يومًا من إعلان الحصار، مقابل 80 ألف دولار شهريًا. ويرى مارك لينش أنه بسبب عدم وجود حقائق واقعية على الأرض، فإنهم يُكثفون الدعاية.

هذا ومن المفترض أن يُسلَّمَ الذين سيحضرون مؤتمر يوم الإثنين القادم في واشنطن -الذي سيخاطب فيه بانون- نسخةً من فيلم وثائقي يتضمن وجهة نظر حول أزمة حصار قطر. ويأتي الفيلم تحت عنوان "قطر.. التحالف الخطر".

وبالإضافة إلى بانون، سيتحدث اثنين آخرين خلال المؤتمر، الأول هو وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، ليون بانيتا، والثاني هو مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأسبق، ديفيد بترايوس، وكلاهما عملا تحت إدارة باراك أوباما. وقد عُينا للعمل كمُتحدِثين من قِبل مكتب "مُتحدثي واشنطن"، حيث كانوا عُملاء هناك. ولم يُدرَج اسم بانون كأحد العُملاء على الموقع الإلكتروني، ولم تستجب الشركة لطلب التعليق على الأمر.

وخلال مقابلة صحفية، صرّح ليون بانيتا بأنه لم يكن يعلم أن بانون سوف يُلقِي كلمة في نفس المؤتمر، مُشيرًا إلى خطاب الإدارة الأمريكية نحو قطر، واصفًا إياه بأنه "رد فعل غير مسحوب وفوري" على الحصار المفروض عليها.

أما إليوت برويدي، وهو أحد المتبرعين، ويعمل مديرًا للاستثمار في إحدى الشركات التي تتخذ من لوس أنجلوس مقرًا لها، والذي يشغل منصب نائب الرئيس المالي للجنة الوطنية للجمهوريين؛ فهو لم يكن مُخولًا له أن يتحدث على الملأ، وذلك حسب أحد الأشخاص المطلِّعين على تنظيم المؤتمر. وقد وجه برويدي، الذي يُعدّ أيضًا أحد أعضاء مجلس الائتلاف الجمهوري اليهودي، مجموعةً من الأسئلة إلى معهد هدسون، والذي لم يُجِب عليها المعهد.

ومُؤخرًا كشفت شركة "SCL Social"، والتي تتقاسم حصة ملكية وإدارة مساوية تمامًا لشركة "Cambridge Analytica" التي استخدمها ترامب في حملته الانتخابية؛ عن عقد بقيمة 300 ألف دولار، أُبرم مع المجلس الوطني للإعلام بالإمارات من أجل مجموعة موسعة من الخدمات المتعلقة بحملة إعلامية عالمية، وذلك حسب سجلات قانون تسجيل الوكالات الأجنبية. وقد سُلِّم بالفعل مبلغ 166 ألف و500 دولار، في 20 أيلول/سبتمبر.

الصفحة الأولى من العقد
الصفحة الأولى من العقد
الصفحة الأخيرة من العقد
الصفحة الأخيرة من العقد

بانون، الذي شغل منصب رئيس المستشارين الاستراتيجيين في البيت الأبيض حتى آب/أغسطس الماضي، احتفظ بحِصةٍ في ملكية شركة "Cambridge Analytica"، تتراوح بين مليون وخمسة ملايين دولار وقت دخوله البيت الأبيض، وذلك وفقًا لتقرير الإفصاح المالي (الذمة المالية) الخاص به.

يمتلك بانون حصة في ملكية الشركة التي استخدمت الإمارات إحدى الشركات التابعة لها لشن عملة على مواقع التواصل الاجتماعي ضد قطر

وقد شغل بانون منصب نائب رئيس وأمين عام شركة "Cambridge Analytica"، حيث كان يتلقى أجرًا شهريًا مقابل الاستشارات التي يقدمها، وذلك قبل تركه لهذا المنصب في آب/أغسطس 2016. وكان من المفترض أن يبيع بانون حصته في الشركة بمجرد بدء عمله في الإدارة الأمريكية، كجُزء من اتفاقية النزاهة المهنية، وقد حصل بالفعل على شهادة تخليه عن حصته في نيسان/أبريل من عام 2017 لإيقاف استحقاق الضرائب على هذا البيع المحتمل. ولكن، ليس هناك ما يُشير إلى أنه قد باع حصته بالفعل، لأنه لم يُقدم تقرير إتمام الصفقة الذي من المفترض أن يُقدم بعد إجراء أي عملية بيع أو شراء لأي أصل كان.

اقرأ/ي أيضًا: حملة أبوظبي والرياض لاستهداف قطر.. في السوشال ميديا وضد حرية مواطنيهما أيضًا

ووفقًا لصحيفة ديلي بيست، فإن لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، والتي تُحقِّق في تورط العاملين بحملة ترامب، في التعاون مع روسيا للتدخل في انتخابات 2016، قد استجوبت شركة "Cambridge Analytica".

هذا وتحصلت شركة "SCL" التابعة لشركة "Cambridge Analytica" على ميزانية قدرها 75 ألف دولار، ضُخَت في وسائل التواصل الاجتماعي خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتمويل الإعلانات التي تُحرِّض على مقاطعة قطر. وقد نُشرت هذه الإعلانات على فيسبوك وتويتر وجوجل أدوردس ويوتيوب وأوتبرين. وكان الجمهور الرئيسي المُستهدف بهذه الإعلانات، هي المنظمات غير الحكومية والدبلوماسيين الأجانب وبعض الصحفيين، وذلك وفقًا للسجلات.

نموذج لمنشور على تويتر ضمن الحملة، موجه للصحفيين والدبلوماسيين الذين حضروا قمة الأمم المتحدة الأخيرة
نموذج لمنشور على تويتر ضمن الحملة، موجه للصحفيين والدبلوماسيين الذين حضروا قمة الأمم المتحدة الأخيرة

مع هذا كله، ثمة العديد من المؤشرات التي تُؤكد أن هذه الحملة لم تُؤتي ثمارها، على الأقل مع ترامب والإدارة الأمريكية، فقد انخفضت حِدة ترامب تجاه قطر خلال الأسابيع التي تلت مغادرة بانون للبيت الأبيض، إذ كان يُركِّز بشكلٍ أكبر على ضرورة حل الخلاف. وقد التقى ترامب الأمير تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، في مقر الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي، وأكد على العلاقات الوثيقة بين البلدين، بينما لم يرد على أسئلة تتعلق بتصريحاته السابقة.

لم تُؤتي حملة مواقع التواصل الاجتماعي ضد قطر، ثمارها، إذ انخفضت حدة ترامب تجاه قطر وبدا أن العلاقات بينهما تشهد المزيد من التقارب

قال ترامب خلال نفس اللقاء: "لقد امتدت صداقتنا لفترات طويلة، ولكن بعض الناس لا يدركون ذلك"، مُضيفًا: "نحن نحاول الآن جاهدين حل الخلاف القائم في الشرق الأوسط. لدي شعور قوي أن هذه المشكلة سوف تنتهي في القريب العاجل".

 

اقرأ/ي أيضًا:

السعودية والإمارات أكبر الخاسرين من الحصار الفاشل ضد قطر

ما تبقى من أوراق الضغط السعودي والإماراتي على قطر.. فشلٌ من وراء فشل