21-يناير-2018

يتعرض عشرات السودانيين للاختطاف والتعذيب في ليبيا من قبل مليشيات تابعة لخليفة حفتر (أ.ف.ب)

كأنها مشاهد من عصر الجاهلية الأولى، بالتعذيب والإذلال والاسترقاق، لكنها أسوأ من ذلك بكثير، صور ومقاطع فيديو صادمة لسودانيين يتم تحريقهم وتعذيبهم في ليبيا، ومن ثم إرسال توسلاتهم وصرخاتهم إلى أسرهم مقابل الحصول على فدية.

تتكرر بشكل شبه يومي مأساة السودانيين الذين تعرضوا للاختطاف في ليبيا وتعذيبهم وإذلالهم للحصول على فدية مقابل إطلاق سراحهم

تتكرر المأساة بصورة يومية دون حراك من قبل الحكومة السودانية، أو المجتمع الدولي، معظم هؤلاء المهاجرين خرجوا هائمين على وجوههم يبحثون عن وطن بديل، أو بلوغ الجنة الأوروبية، لكنه أبدًا لم يدر بخلدهم أن الجحيم بانتظارهم في ليبيا، البحر بمراكبه المتهالكة أمامهم، وعصابات التعذيب والمتاجرة بالأعضاء البشرية خلفهم.

اقرأ/ي أيضًا: أسواق نخاسة في ليبيا لبيع المهاجرين.. والثمن أقل من 400 دولار!

في ليبيا لم يعد ثمة غريب آمن، وقد عزز غياب الدولة منطق التوحش والفوضى. لسان حال الكثيرين يردد ذلك، وهم يشاهدون يوميًا صور التعذيب والاغتصاب وأسواق الرقيق والنخاسة، فبإمكان أي مليشيا مسلحة أن تختطفك من داخل المنزل، أو حتى في طريق العود للوطن بعد أن استحالت شواطئ أوروبا. يسوقونك مقيدًا بالسلاسل إلى حتفك، فتجد وجهك مصلوبًا على الحائط والسياط تدمي ظهرك. تتوسل إليهم فيلتقطون صوتك الجريح، ويرسلونه إلى أسرتك مقابل الحصول على فدية مالية قبل تحريرك. كثيرًا ما يحدث هذا، وقليلًا ما تظفر بالحياة بعدها.

خلال الأيام القليلة الماضية، تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو جديدة لما يتعرض له سودانيون من تعذيب في ليبيا، أثارت غضبًا واستهجانًا واسعًا، مع مطالبات ناشطين بطرد السفير الليبي وإغلاق الحدود، بل التدخل عسكريًا. 

وقد أظهرت الفيديوهات مسلحين ليبيين يطالبون أهالي الرهائن بدفع فدية لإطلاق سراحهم، ويقومون بضربهم بالسياط وصب الزيت الحارق والحديد المذاب على جلودهم .

من جانبها كشفت مفوضة الشؤون الاجتماعية بالاتحاد الأفريقي، أميرة الفاضل، أن مقاطع الفيديو المتداولة لسودانيين يُعذبون في ليبيا، هي حديثة وقد تم فتح تحقيق بشأنها. وأشارت أميرة الفاضل في تصريحات صحفية إلى أنّ زيارتها السابقة إلى ليبيا بعد انتشار مقاطع فيديو بشأن بيع الأفارقة في ليبيا في أسواق نخاسة، استطاعت أن تعيد أكثر من ثمانية آلاف مهاجر أفريقي إلى بلدانهم بالتعاون مع منظمة الهجرة الدولية، من بينهم 129 سودانيًا.

من جانبها، كتبت الناشطة السياسية السودانية، رشا عوض، على فيسبوك، تعليقًا على "إحساس لا يوصف. مزيجٌ من الحزب والغضب والمرارة والحسرة والعجز"، مُحمّلة نظام عمر البشير مسؤولية ما يتعرض له مواطنيها من "عذاب".

ويقود عضو المكتب السياسي بحزب المؤتمر السوداني، نبيل شكور، جهودًا لتحرير بعض الرهائن عن طريق جمع التبرعات والتواصل مع الخاطفين لدفع الفدية المطلوبة. ودعا نبيل شكور السودانيين للتظاهر أمام السفارة الليبيبة، وكتب في صفحته على فيسبوك بأنه أجرى اتصالًا هاتفيًا مع أحد ذوي الرهائن المحتجزين في ليبيا، ذكر له أن الخاطفين أمهلوهم حتى الساعة الثامنة من مساء اليوم الأحد، لدفع الفدية أو تصفية المختطفين. 

وقال نبيل شكور: "تحدثت هاتفيًا مع ابن خالة أحد الشابين اللذين تم تعذبيهما في ليبيا. العصابة الليبية منحتهما مهلة تنتهي عند الساعة 8 بتوقيت السودان لدفع الفدية، وفِي حالة عدم الدفع، سيتم التخلص منهما بالتصفية الجسدية قتلًا".

فيما اعتبر مدير المركز الأفريقي لحقوق الإنسان بالاتحاد الأوروبي، عبد الناصر سلم، أن ما يحدث في ليبيا "مؤلم وانتهاك صارخ لحقوق مواطنين أجانب، بل يرقى لوصف جرائم ضد الإنسانية التي يعاقب عليها القانون الدولي". 

وفي حديثه لـ"ألترا صوت" أشار عبد الناصر سلم بأصابع الاتهام مباشرة لمليشيات خليفة حفتر، فقال: "من يقومون بذلك هم مليشيات بعضها تابع للجنرال خليفة حفتر، وبعضها عصابات تتاجر في البشر، حيث يستغلون غياب الدولة المركزية ويقومون بخطف الأجانب وتعذيبهم وابتزاز أسرهم".

وبالنسبة لعبد الناصر سلم، فإن معظم من يتعرضون لذلك الفعل البشع هم ممن يسمون بـ"المهاجرين غير الشرعيين، ممن لم يتمكنوا من الوصول إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، بسبب قلة أموالهم، وبالتالي يتم إعادتهم إلى معسكرات في المدن الساحلية الليبية"، أو هكذا يُفترض.

تتورط مليشيات تابعة لخليفة حفتر في عمليات الاختطاف والتعذيب الوحشي الذي يتعرض له سودانيون في ليبيا

وهذه المعسكرات تشرف عليها مليشيات تابعة لخليفة حفتر، وفيها يتعرض المهاجرون لكل أنواع التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان. يتم استغلالهم للمال، فيباع بعضهم أو تُطلب الفدية من ذوي آخرين، وأحيانًا يستغلون لسرقة أعضائهم.

اقرأ/ي أيضًا: وثائق مسربة: رشاوى الإمارات وحفتر تؤثر على القرار الدولي في ليبيا

ويتهم مدير المركز الأفريقي لحقوق الإنسان، بعض الدول الأوربية بالتواطؤ في تلك الجريمة، من جهة أنهم يمنعون المهاجرين من الدخول إلى دولهم، ويقومون بإعادتهم للمليشيات الليبية، وهم يعلمون أن تلك المليشيات لن ترحمهم، على حد تعبيره.

"الدول الأوربية تحاول التخلص من ذلك العبء وبأي ثمن، بينما كان يمكن لها توفير معسكرات في دولها وطرق آمنة لإعادة المهاجرين"، يقول عبد الناصر سلم، لافتًا إلى أن التحرك الآن يجب أن يكون من ثلاثة جهات: "الاتحاد الإفريقي بوصفه المعني بحماية مواطني بلاده في أي مكان، بجانب ضرورة التحرك الأوربي وتوفير معسكرات تحفظ كرامة المهاجرين، وتعيدهم إلى بلادنهم، والتحرك الثالث من قبل المجتمع الدولي بالعمل على إعادة الاستقرار في ليبيا".

وبالنسبة للصحفي والروائي السوداني عمر فضل الله، فإن "الكارثة" ليست في تصرف المليشيات فقط، ولكن في "شبه التواطؤ بالصمت المشين من قبل الحكومات الأفريقية، خصوصًا وأن العالم الأول يحرك أساطيله وطائراته لإنقاذ حتى الحيوانات، ولكن هؤلاء لا بواكي عليهم". 

يضيف عمر فضل الله لـ"ألترا صوت": "المواطن السوداني يريد من الدولة أن تمنعه من الوقوع ضحية للعصابات التي تغريه بالجنة الموعودة في أوروبا، فتأخذ ما عنده من أموال ادخرها، ثم تتخلى عنه عند أبواب الصحراء الكبرى، فيهلك من العطش والجوع".

ولا تنتهي المأساة على هذا النحو، كما يقول عمر فضل الله، وإنما تتلقف المهاجرين عصابات الحركات المسلحة فتغريهم بالأموال إن هم قاتلوا ضمن جيوش الارتزاق والعمالة بجانب خليفة حفتر، أو تسلمهم للعصابات المسلحة فتسومه صنوف العذاب وتساوم أهلهم لدفع الفدية أو قتلهم.

مشاهد التعذيب البشع المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتناقلها الناس، تحكي الكثير من المآسي والانتهاكات لكرامة الإنسان. "هنالك من يعتبر أن هؤلاء الشباب الذين هم تحت التعذيب بالمواد الحارقة والجلد بالسياط وتقطيع الأوصال وغير ذلك، خارجون على القانون، أومرتزقة رضوا لأنفسهم أن يكونوا أعداء مقاتلين في بلاد ليست بلادهم"، يقول عمر فضل الله متعجبًا، ومحاولًا تفسير "القسوة في التعامل مع الأفارقة" بأن تواجدهم في ليبيا "كان امتدادًا لأحداث كثيرة، بدأت بتتويج معمر القذافي نفسه ملكًا لملوك أفريقيا، فقام بجلب الأفارقة لليبيا بطريقة استفزت الشعب الليبي"، ثم في أثناء الثورة شارك هؤلاء في القتال ضد الثوار، وكثيرٌ منهم يشاركون في القتال ضد الليبيين الآن، وهذا يفسر هذه "القسوة".

تنويه: مقطع الفيديو الآتي يتضمن مشاهد صادمة!

ويطالب عمر فضل الله ضمن مطالبات كثيرة وأصوات بدأت تستنجد بالسلطات السودانية للتدخل العسكري وإغلاق الحدود، وعدم السكوت على الفوضى والبشاعة وانتهاك كرامة السودانيين في ليبيا، بجانب تدخل الأمم المتحدة والحكومات الأفريقية وكافة المنظمات والجمعيات التي يمكنها التدخل لوقف هذه الأعمال اللاإنسانية. بينما تتصاعد المناشدة بضرورة تحرك الحكومة السودانية بمراقبة الحدود ومنع التسلل وإعادة كافة المواطنين السودانيين الذين يعملون في ليبيا إلى أرض الوطن.

وجدير بالذكر أن الفدية التي يطلبها الخاطفون تتراوح ما بين خمسة إلى عشرة آلاف دولار، تزيد أو تنقص حسب ظروف الرهائن. 

ولعل أكثر مشهد هز السودانيين، هو صوت شاب من دارفور يصرخ ويستغيث بأهله: "أرسل القروش يا أبكر. أبكر أرسل القروش عليك الله"، وهو بذلك ينقل رسالة طالب الفدية بين يدي الموت، وحصالة الأرواح الليبية.

نشطاء وحقوقيون سودانيون يحملون نظام البشير مسؤولية ما يتعرض له مواطنوهم من انتهاكات وتعذيب في ليبيا

فيما تظهر مقاطع أخرى مشاهد لشباب سودانيين تعرضوا لتعذيب وحشي، وقد تم صب مواد حارقة على ظهورهم، وفي المقابل يطلب منهم قائد العصابة الالتفات إلى الكاميرا ليتعرف أهلهم عليهم أثناء تعذيبهم فيرسلوا له فدية تقدر بـ120 ألف دولار!

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيديو: استعباد الأحرار

كيف وثقت شبكة CNN مزادات الرقيق في ليبيا؟