03-نوفمبر-2017

صورة لطلاب التربية العسكرية بجامعة القاهرة (فيسبوك)

لكي تعترف الدولة المصرية بخريجي الجامعات الحكومية أو الحاصلين على شهادة المرحلة الثانوية فيجب أن يكونوا عسكريين بالإكراه! هذا ما ينص عليه القانون رقم 46 لسنة 1973 الذي أصدره الرئيس الأسبق المصري أنور السادات بشأن ما يُسمى بالتربية العسكرية التي يعرّفها القانون في مادته الأولى على أنها "مادة أساسية من مواد الدراسة بمرحلتي التعليم الثانوي والعالي للدارسين المتمتعين بالجنسية المصرية".

إضافة إلى إلزاميتها للحصول على الشهادة الجامعية، صارت دورة التربية العسكرية بمصاريف تختلف حسب سنة آدائها

وكانت في السابق، القوات المسلحة والجامعات الحكومية تتكفلان بالمصاريف المطلوبة للتربية العسكرية من مواد علمية أو زي عسكري للطلاب، باعتبارها مادة أساسية لا يمكن إسقاطها أو الإعفاء منها إلا باستثناء طبي، وتتقسم المهام في المادة، طبقًا للمادة الرابعة من القانون، بين التدريب العسكري والثقافة العسكرية بالنسبة للذكور أو الخدمة الطبية بالنسبة للإناث.

لكن المفاجئ كان قرار رئيس جامعة الإسكندرية يوم الثلاثاء 31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والذي يفرض رسومًا إدارية بداية من العام الدراسي القادم 2018/ 2019 على الطلاب المتقدمين لأداء دورة التربية العسكرية المفروضة عليهم إجباريًا.

علمًا وأنه يُسمح للطلاب بأداء دورة التربية العسكرية في أي عام من سنوات دراستهم إلا أن الغالبية العظمى يتقاعسون عن أداء الدورة حتى السنة الأخيرة، هذا التراخي دفع رئيس جامعة الإسكندرية لفرض مصروفات إذا ما تأخر الطالب عن التقدم لأداء الدورة، لتصبح مجانية في العام الأول ثم بمصروفات قدرها 100 جنيه مصري في العام الثاني، و150 جنيه في العام الثالث و200 جنيه في العام الأخير. وهكذا إضافة إلى كونها إجبارية ولا تترك للطالب حرية الاختيار، صارت دورة التربية العسكرية بمقابل أيضًا، في وضع اجتماعي واقتصادي صعب لجزء واسع من المصريين.

اقرأ/ي أيضًا: "تنظيم الجامعات".. قانون السادات إلى زوال

ما هي مادة التربية العسكرية؟

مادة أساسية غير تقليدية ملزمة على طلاب الجامعات الحكومية ولا يُسمح للطلاب بإتمام دراستهم أو استخراج شهاداتهم الجامعية دون اجتيازها، ومنذ العام الماضي فُرضت المادة على الجامعات الخاصة والحكومية، ولا يمكن اعتبارها مادة دراسية بالشكل المتعارف عليه فهي أشبه بدورة تدريبية مدتها أسبوعين متواصلين يسمح للطلاب بأدائها في أي عام من أعوام الدراسة، وتنقسم إلى شقين، شق نظري ومحاضرات تعليمية يقوم بها ضباط من الجيش المصري تهدف إلى التثقيف العسكري، وشق عملي أشبه بتدريبات الجنود في القوات المسلحة من طوابير صباحية والتدريب على إطاعة الأوامر وعلى الحركات العسكرية المطلوبة والألفاظ والألقاب والإشارات العسكرية المستخدمة بين العسكريين.

وعلى الرغم من أن التربية العسكرية ملزمة على الطلاب من الذكور والإناث بالتساوي مع اختلاف توزيع المهام إلا أنها تُطبّق بشكل أكثر انضباطًا على الذكور دون الإناث، وهي مادة إجبارية بالكامل ولا يمكن لطالب أن يستخرج شهادته الجامعية حتى يجتاز الدورة، حتى وإن اجتاز جميع المواد الدراسية بامتياز، ولا يُستثنى منها أي شخص إلا بتقرير طبي من القوات المسلحة يُثبت عدم صلاحيته الطبية لأداء التربية العسكرية.

التربية العسكرية.. هل هي ضرورة؟

اشتعلت الجامعات المصرية بالانتفاضات الشبابية ممن يطالبون بالمشاركة في الحرب وحماية أوطانهم في أوج الصراع المصري - الإسرائيلي في سبعينيات القرن الماضي، ما دفع الرئيس الأسبق أنور السادات لإصدار القانون المذكور رقم 46 لسنة 1973 الساري حتى يومنا هذا، والذي يحمل في طياته شروطًا مجحفة في حق طلاب الجامعات والربط بين حصولهم على شهادتهم الجامعية بأداء التربية العسكرية الإجبارية، وما زاد الأمر سوءًا هي محاولات التربح المادي من وراء مادة التربية العسكرية بفرض رسوم إدارية على الطلاب لأدائها ما يُمكن أن يدخر لخزانة الدولة الملايين في كل عام، فأصبح الطلاب مقهورين نفسيًا بإجبارهم على تدريبات عسكرية في الجامعات، ومستنزفين ماديًا في الوقت ذاته.

والإشكالية الكبرى هنا أن المادة رقم 16 من القانون تمنح الحق لاستدعاء الطلاب ممن أدوا التربية العسكرية في حالات الطوارئ أو التعبئة العامة للدفاع عن الأهداف الحيوية والقيام بأعمال الخدمة الوطنية أو المشاركة في الحروب والنزاعات المسلحة، ما يدفعنا إلى التساؤل إذا ما كانت مدة التربية العسكرية التي لا تتجاوز الأسبوعين كافية لتأهيل الطلاب لحماية الأماكن الحيوية أو المشاركة في النزاعات المسلحة؟ من المفهوم أن تلك المادة كانت إرضاءً للنزق الثوري لشباب الجامعات في السبعينيات ولكن ما أهميتها في الوقت الحالي؟

يمكن استدعاء الطلاب ممن أدوا التربية العسكرية في حالات الطوارئ أو التعبئة العامة للدفاع عن الأهداف الحيوية فهل هم مؤهلون لذلك؟

اقرأ/ي أيضًا: وطن ذاهب إلى الخدمة الإلزامية

كمال الغيطي.. خريج جامعي غير معترف به!

تنص المواثيق الدولية على حماية حق الأفراد في رفض الخدمة العسكرية والاعتراض الضميري طبقًا للمعتقدات الدينية أو الفكرية لبعض الأشخاص ولكن الأمور في هذه النقطة تحديدًا لا تسير بالشكل المرجو في الجمهورية المصرية في ظل التجنيد الإجباري ومواد التربية العسكرية الإلزامية.

تحدثنا مع كمال الغيطي، أحد خريجي جامعة القاهرة العام الماضي 2016، وأحد المعترضين ضميريًا على أداء الخدمة العسكرية أو أداء التربية العسكرية أو حمل السلاح والمشاركة في أعمال قد تتضمن عنفًا أو إيذاءً للآخر في طياتها، وعلى الرغم من أن الغيطي تخرج العام الماضي من جامعة القاهرة بتقدير عام جيد إلا أنه لم يحصل على شهادة تخرجه حتى الآن، أي بعد مرور أكثر من عام. ليكون أمام الدولة خريج غير معترف به في الأوراق الرسمية ولا يستطيع إثبات اجتيازه لاختبارات الكلية بشهادة موثقة، نظرًا لرفضه أداء التربية العسكرية.

تنص المواثيق الدولية على حماية حق الأفراد في رفض الخدمة العسكرية والاعتراض لكن الأمور لا تسير وفق ذلك في مصر

يقول الغيطي لـ"الترا صوت" إنه يرفض المشاركة في أي أعمال تتضمن عنفًا أو حملًا للسلاح طبقًا لمعتقداته الفكرية السلمية، وإن جامعة القاهرة ترفض تسليمه شهادة التخرج الخاصة به ما لم يؤد التربية العسكرية.

ويذكر الغيطي أنه تواصل مع رئيس جامعة القاهرة جابر نصار، العام الماضي، الذي أخبره شفهيًا أن "التربية العسكرية أساسية لا يمكن الإعفاء منها أو التخرج بدونها"، كما ينتقد الغيطي التربية العسكرية التي في رأيه تكرس للطاعة العمياء وتعتبر ممارسات صورية في الأساس، "فأغلب المتقدمين يجتازون التدريب إلا في حالات نادرة كأن يتفوه الطالب بكلمات على غير هوى القائد أو ألا يلتزم بالحضور في جميع الأيام، ومن الممكن ألا يحضر الطالب ويجتاز المادة بأن يتوصل إلى اتفاق مع الشخص المسؤول عن تسجيل الحاضرين اسمه حتى في حالة غيابه!".

ويذكر الغيطي لـ"الترا صوت" أنه تواصل مع جهات عدة بداية من رئيس الجامعة إلى وزير التعليم العالي ومجلس النواب ورئاسة الجمهورية دون أن يلقى ردًا غير ذاك الذي أبلغه به جابر نصار رئيس الجامعة، وأنه لا استثناءات من أداء التربية العسكرية إلا الاستثناء الطبي، ويرفض المحامون تبني قضية الغيطي نظرًا لعدم وجود خط قانوني واضح وقصير المدى يمكن الانطلاق منه لإجبار الجامعة على تسليم الغيطي شهادة تخرجه والاعتراف به في الأوراق الرسمية وإعفاؤه من الخدمة العسكرية.

 

تلك الممارسات تدفعنا إلى التساؤل حول أهمية مادة التربية العسكرية في العصر الحالي، وضرورة إعادة النظر في مواد قانون التربية العسكرية، فما غاية حرمان الطلاب من استخراج شهاداتهم في حال رفضهم لأداء التربية العسكرية على الرغم من وجود تجنيد إجباري لاحق للتخرج من الجامعات يصل إلى ثلاث سنوات كخدمة عسكرية. وما الغاية من وراء أسبوعين تتحول فيهم الجامعات المصرية إلى ثكنات عسكرية وإجبار الطلاب على ممارسات بعيدة كل البعد عن مجالات دراساتهم، ومنح السلطة الكاملة للعساكر في التحكم في مستقبل الخريجين والاعتراف بهم في الأوراق الرسمية أو نسف سنوات دراسية من تاريخهم كأنها لم تكن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"كابتن رمضان".. الوجه الجديد لتسويق التجنيد الإجباري في مصر

الدعاية العسكرية بين إسماعيل ياسين ومحمد رمضان