18-سبتمبر-2020

أعلنت حكومة الباربادوس عن خطتها للخروج من الكومنولث (Getty)

أعلنت حكومة الباربادوس، الجزيرة الصغيرة الواقعة شرقي الكاريبي، عن خطتها للخروج من الكومنولث. خطة رصد لها شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021 كتاريخ لإعلان نظام جمهوري على الجزيرة، بموجبه تضع الحكومة حدًا لأزيد من أربعة قرون تحت حكم العرش البريطاني، وأزيد من نصف قرن من الحكم الاسمي تحت هذا العرش بعد نيل  لبلاد استقلالها سنة 1966.

أعلنت حكومة الباربادوس، الجزيرة الصغيرة الواقعة شرقي الكاريبي، عن خطتها للخروج من الكومنولث، خطة رصد لها شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021 كتاريخ لإعلان نظام جمهوري على الجزيرة

يأتي هذا التحرّكُ محفزًا بالموجة العالمية المناهضة للعنصرية وتوالي سياسات الحكومة البريطانية المعادية للمهاجرين، خاصة ممن هم من دول الكاريبي كما كشفت ذلك فضيحة "ويندراش" سنة 2018. كما يأتي كذلك في مناخ تلوّح فيه اسكتلندا بورقة استفتاء استقلال من جانب واحد، وتتأهب فيه بلدان أخرى لنزع حكم الملكة إليزابيث الاسمي عنها.

اقرأ/ي أيضًا: القفزة البريطانية إلى المجهول

استقلال ثانٍ

"لقد حان الوقت لنتخلص بشكل كامل من الماضي الاستعماري!"، بهذه الكلمات أعلنت الحاكمة العامة لجزيرة باربادوس، ساندرا ماسون، رغبة حكومة بلادها في إزالة الحكم الاسمي للعرش البريطاني عليها، في خطاب يعود لرئيسة الوزراء ميا موتلي، ألقته ماسون أمام البرلمان الباربادوسي. مضيفة أن "الشعب البربادوسي يريد الآن أن يكون له رأس دولة خاص به".

ميا موتلي، أول رئيسة وزراء امرأة لدولة الباربادوس، وزعيمة حزب العمال ذات النزعة الجمهورية، أكدت في الخطاب على أن "هذه الرغبة نابعة من الثقة في أن الشعب البربادوسي قادرٌ على قيادة البلاد نحو الأفضل. وسيتم إعلان الباربادوس جمهورية مع حلول الذكرى الـ 55 لاستقلالها". مشيرة إلى أن هياكل تحقيق هذا القرار قائمة، بما أن بلادها نجحت طوال هذه السنين في تشييد حوكمة مستقلة، ودستور جعلها تتميز كـ "أحسن نظام حكم عرفته المجتمعات السمراء" على حد تعبيرها.

من جانبه لم يفاجأ قصر باكينغهام بهذه المطالب، على حد قول مراسل الـ BBC، وكان رده عليها  بأنها "شأن داخلي بالشعب البربادوسي". موقف عبرت عنه الخارجية البريطانية هي الأخرى، وعلى لسان ناطقها الرسمي، الذي أكد في تصريحه على أن "بريطانيا وباربادوس دولتان متحدتان في تاريخ مشترك، في الثقافة واللغة، وأكثر من ذلك، تجمعنا شراكات متينة سنستمر في العمل من خلالها مع كل شركائنا المحترمين في الكاريبي".

قانون "حياة السود تهم"

كانت إزاحة السيادة الاسمية للعرش البريطاني من على رأس البلاد، وإعلانها جمهورية، أحد الوعود الانتخابية التي تعهدت رئيسة الوزراء ميا موتلي تنفيذها على أرض الواقع. مرفقة لعدة وعود أخرى، كاستفتاء الشعب من أجل إقرار الزواج المثلي أو إسقاط التجريم عن استهلاك القنب الهندي، كانت هي ما حقق لها اكتساحًا انتخابيًا، حائزة على 70 في المئة من الأصوات خلال الانتخابات البرلمانية سنة 2018.

لكن هناك ضغط من جانب آخر سرع القضية، يقول مقال جريدة تايمز البريطانية: حيث "من الواضح أن حركة "حياة السود تهم" المناهضة للعنصرية، وتصاعد الخطاب المسائل لدور بريطانيا في تجارة الرق بالكاريبي، غير مناخ العلاقات الكاريبية البريطانية". ويضيف أنه "بالرغم من أن نسبة كبيرة من سكان هذه الجزر ينحدرون من أصول مستعبدة في الماضي، إلا أن الجيل السابق حافظ على متانة علاقاته التقليدية بالتاج البريطاني، عكس الجيل الحالي المتأثر بنضال السود في أمريكا، ولا يرى إلا تورط ذلك التاج في مآسي أجداده".

فيما على مرّ تاريخها لعبت باربادوس دورًا استراتيجيًا في حقبة العبودية، حيث كانت تعد أحدَ أهم مرافئ تجارة الرق البريطانية. قبل أشهر، ومنذ اندلاع الأحداث المنددة بمقتل جورج فلويد بالولايات المتحدة، انضمت فعاليات مدنية بربادوسية إلى الموجة العالمية المنددة بالتميز العنصري، ضاغطة من داخل الشارع على الحكومة للقطع مع تاريخ البلاد العبودي.

نجحت هذه الضغوطات في دفع البرلمان إلى تمرير قانون سمي باسم الحركة، ويهدف في بنود أربعة إلى "تأكيد جهود باربادوس في الترافع والدفاع عن الشعوب السمراء في وجه العنصرية المعادية لها، ودعم مبادئ حركة "حياة السود تهم" وأن ترفض شعار"كل حياة تهم" حتى يعاد الاعتبار لحياة السود ومعاناتهم، كما تؤكد على استعداده للانخراط في كافة الجهود الدولية التي تروم الحد من العنصرية ضد السود". هذا ودفعت حركة "حياة السود تهم" السلطات البربادوسية إلى إعادة النظر في تاريخها مع بريطانيا، هذا ما عبّر عنه بإزالة نصب "الأدميرال لورد نيلسون"، قائد البحرية الإنجليزي بداية القرن التاسع عشر، من ساحة الأبطال أهم ساحة بالعاصمة بريدج تاون.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

تساقط أوراق العرش البريطاني

لا زالت الملكة إليزابيث على رأس 15 دولة من دول الكومنويلث، غير أن إعلان باربادوس الأخير ليس الأول في تاريخ البلاد، إذ سبقته محاولة أولى سنة 2003 باءت بالفشل. غير أنه يأتي في فترة مشوبة بنزعة الاستقلالية تجتاح دول العرش البريطاني، ضمنها تلك التي هي جزء من المملكة المتحدة. الحديث هنا عن اسكتلندا، التي ما فتئت تدفع برغبة من جانب واحد في إعلان استفتاء استقلال جديد، عوض الذي عرفته سنة 2014، وهذه المرة مع الأرقام التي تصب في مصلحة الاستقلاليين وترجح استطلاعات الرأي كفّة الانفصال. 

لا زالت الملكة إليزابيث على رأس 15 دولة من دول الكومنويلث، غير أن إعلان باربادوس الأخير ليس الأول في تاريخ البلاد

في كندا، وتأييدًا للخطوة التي قامت بها باربادوس، عبرت منظمة "الجمهورية الآن" الكندية على أنه "الآن وأكثر من أي وقت مضى تغادر دول كثيرة النظم الملكية، وقد حان الوقت لأن تنضم كندا إلى هذه الدول". حيث أججت هذه الرغبة حادثة هجرة الأمير هاري وزوجته إلى البلاد، فيما احتجّ الكنديون بالقول:" لن ندفع ضرائبنا لأمن الأمير والأميرة!". كما في أستراليا، ومنذ السنة الماضية تعرف البلاد تصاعدًا ملحوظا للجمهوريين، حيث أظهرت استطلاعات رأي وقتها أن 48 في المئة من الشعب يرغبون في تأسيس جمهورية، مقابل 30 في المئة لصالح بقاء الملكية.

 

اقرأ/ي أيضًا: