15-أغسطس-2022
تستخدم إسرائيل الغسيل الوردي لتغطية جرائمها بحق الفلسطينيين (Getty)

تستخدم إسرائيل الغسيل الوردي لتغطية جرائمها بحق الفلسطينيين (Getty)

الغسيل الوردي، هو مصطلح ظهر من أجل وصف استخدام دول وشركات ومؤسسات وأحزاب المواقف الداعمة لمجتمع المثليين من أجل تعزيز صورتها، والتغطية على جرائم أو انتهاكات لحقوق الإنسان، مثل الاستعمار والسياسات العنصرية تجاه المهاجرين أو استغلال العمال ونهب موارد الدول الفقيرة والمُستعمَرة. كما أن المصطلح ارتبط في فترة ما بالحملات التي تنفذها شركات تجارية ربحية دعمًا للجمعيات الخيرية الخاصة بمعالجة سرطان الثدي، فيما تهدف من ذلك إلى تحسين سمعتها السلبية وتعزيز أرباحها.

الغسيل الوردي، هو مصطلح ظهر من أجل وصف استخدام دول وشركات المواقف الداعمة لمجتمع المثليين من أجل تعزيز صورتها، والتغطية على جرائم أو انتهاكات

جاء الاستخدام الواسع للمصطلح الإنجليزي pinkwashing بعد حملة أطلقتها منظمة BCAction التي تعمل على مراقبة الشركات التجارية التي تطلق حملات للتضامن مع مريضات سرطان الثدي من أجل تحقيق أهداف ربحية. والحملة التي أطلقت عام 2002، جاءت من أجل فضح الشركات والمنظمات التي تستخدم الشريط الوردي في حملاتها وتدعي أن جزءًا من أرباحها سوف يذهب لعلاج المرض، ولكنها في الوقت ذاته تستمر في بيع أو تصنيع منتجات تحتوي على مواد كيميائية تساهم في انتشاره.

وغالبًا ما يتم انتقاد الغسيل الوردي، سواء على صعيد حقوق المثليين أو سرطات الثدي، باعتباره ستارًا يغطي ممارسات الشركات أو الدول التي تنتهك حقوق الإنسان. على مستوى الشركات مثلًا، فإن الدعم المقدم لهذه المجموعات يكون في الغالب سطحيًا، من خلال حملات دعائية تنفذها الشركات، لكنها تستمر في التمييز ضد الموظفين والموظفات على أساس الجندر. كما أنها تحاول تقديم الدعم كدعاية تجارية غير مكلفة أو مثيرة للجدل.

على سبيل المثال، فإن موقع فيسبوك عرض خلال السنوات الماضية في شهر حزيران/ يونيو، الذي يعتبر شهر الفخر، زرًا تفاعليًا لمستخدميه على شكل قوس قزح، لكن هذه الإضافة لم تظهر لكافة مستخدمي الموقع، وذلك من أجل الحفاظ على قاعدة المستخدمين العامة. فقد قامت الخوارزميات بتحديد مستخدمين معينين، حتى في الدولة نفسها. ففي مدن أمريكية مثل نيويورك وسان فرانسيسكو وبوسطن، ظهرت هذه الإضافة بشكلٍ أكبر من المدن الأخرى التي تعد مُحافظة.

الغسيل الوردي.. غسيل الاستعمار

تعتبر إسرائيل واحدة من أكثر الدول ترويجًا لنفسها، باعتبارها دولةً صديقةً للمثليين والمثليات، وأنها مكان آمن لهم، من أجل التستر على جرائمها ضد الفلسطينيين. فقد قدمت دولة الاحتلال طوال السنوات الماضية واحدةً من أبرز الحملات التسويقية المرتبطة بالغسيل الوردي للمثليين والمثليات. في عام 2005، تم إنشاء حملة "Brand Israel" للترويج لصورة أن إسرائيل تمثل وجهةً سياحيةً تقدمية للمثليين والمثليات في العالم. كما أن مدينة تل أبيب المبنية على أنقاض عدة قرى فلسطينية، نفذت حملةً دعائيةً قبل 10 سنوات بقيمة 90 مليون دولار سعيًا لتصنيف المدينة على أنها "وجهة عالمية للمثليين من أجل قضاء الإجازة". كما تُنظم المدينة مسيرة فخر تحاول أن تجلعها وجهةً يشارك فيها أشخاص من كل العالم.

وتشير الباحثة الأمريكية سارة شولمان إلى أن هذه التكتيكات هي استراتيجية متعمدة من إسرائيل، لإخفاء الاحتلال وانتهاكات حقوق الإنسان للفلسطينيين. فيما يبدو أن الترويج لحقوق المثليين في إسرائيل لا يتعدى كونه حملة علاقات عامة، مع وجود كم من السياسيين المحافظين والمتدينين الذين يعادون أي توجهات من هذا النوع. وتتجسد أحد أبشع صور الغسيل الوردي في إسرائيل، في حقيقة أن المقاطع الترويجية للسياحة المثلية، صُورت في عدة مناسبات في أماكن أقيمت على أنقاض قرى مهجرة، طهر أهلها عرقيًا خلال نكبة 1948.

I M Out Against Israel Apartheid Editorial Stock Photo - Image of civil,  pride: 9957348

وتشير شولمان إلى خطابات تتحدث عن العرب أو المسلمين أو الأفارقة، باعتبارهم أشخاصًا يعانون من رهاب المثلية، وكان من بين هذه الخطابات تصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي قال إن الشرق الأوسط مكان تُرجم فيه النساء بالحجارة ويشنق المثليون ويضطهد المسيحيون، مبينة أن هذه الخطابات تتجاهل وجود المثليين في هذه المجتمعات، كما أنها لا تشير للدور الذي يلعبه المسيحيون الأصوليون والكنيسة الأرثوذكسية واليهود المتطرفون في إدامة رهاب المثلية والكراهية الموجهة نحوهم. حيث غالبًا ما يتم رسم صورة غير واقعية يقسم العالم فيها إلى مناطق يتم اعتبارها متخلفة ومعادية لحقوق المرأة والمثليين، وأخرى متطورة ومناصرة لهذه الحقوق.

وبحسب المؤرخ البارز إيلان بابيه، فإن المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية وفي سعيها من أجل التصدي للدعوات المنادية بالمقاطعة الأكاديمية لإسرائيل في بداية الألفية الثالثة، بدأت التعاون مع جمعيات دعم المثليين الضاغطة حول العالم. ومن بين هذه الحملات الدعائية الإشارة إلى تل أبيب على أنّها أفضل مدينة صديقة للمثليين في الغرب (وهذا لقب كثيرًا ما تفوز به تل أبيب فعلًا). وقد تلقّت هذه الحملة دعمًا من الحكومات الإسرائيلية بغيةَ إفشال جهود المقاطعة التي تتعرض لها. في المقابل، فإن بعض هذه المجموعات، ومن بينها مجموعات ذات تأثير في الولايات المتّحدة، رفضت المشاركة في هذه الحملة الرسمية الإسرائيلية، إيمانًا منهم بأنه حتى لو كان بعض المثليين الجنسيين ينعمون بحياة رغيدة في تل أبيب، فإنّه وعلى بعد بضعة كيلومترات قليلة عنهم يقبع ملايين الناس في سجن كبير في الضفة الغربية وفي قطاع غزّة.

الترا فلسطين
هذه الصورة من الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزّة والذي بدأ في 27 تشرين أول/أكتوبر 2023 (تويتر)

وفي تعليقها على الصورة السابقة، أشارت أستاذة النوع الاجتماعي والجنسانية في جامعة سواس البريطانية عبيرا خان، إلى "تسليح رهاب المثلية" في السياق الاستعماري، قائلةً: "إن اتهام الفلسطينيين برهاب المثلية لا يؤدي إلا إلى إضفاء الشرعية على المشروع الاستعماري". مضيفةً أن تقديم رهاب المثلية في السياق الاستعمار يظهر وكأنه "العنف الوحيد الذي يجعل الأشخاص المثليين عرضة للخطر".

ولم يقتصر استخدام تكتيكات الغسيل الوردي على إسرائيل، ففي الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا يستخدم اليمين المحافظ نفس الدعاية. فمثلًا في عام 2017 عينت المرشحة للرئاسة الفرنسية اليمينية ماريان لوبان مستشارين مثليين، مع التشديد على ميولهم الجنسية، من أجل الابتعاد عن قاعدة الحزب المحافظة المعادية للمثليين بشدة، ومحاولة استقطاب ناخين من أوساط جديدة. كما أن المعلق الإخباري البريطاني ميلو يانوبولوس استغل الهجوم على مقهى للمثليين في مدينة أورلاندو الأمريكية، نفذه شاب من أصول باكستانية عام 2016، من أجل الترويج لأجندة عنصرية معادية للمهاجرين وللمسلمين، وهي تأتي في سياق عمله في مؤسسة برايتبارت الإعلامية التي تعد من الأكثر تطرفًا في أمريكا.

القبول المتخيل لدى مجتمعات بعينها لحقوق المثليين أصبح مقياسًا من أجل تقييم الحق والقدرة على السيادة الوطنية

ومن أجل فهم الظواهر السابقة، تقدم الباحثة الكندية جاسبير بور مصطلح "القومية المثلية"، من أجل تفكيك القوة الأيديولوجية خلف الغسيل الوردي، وفهم كيف يتم استيعاب الأشخاص المثليين وحقوقهم ضمن حركات قومية أو يمينية أو نيوليبرالية متطرفة، مشيرة إلى أن "الحداثة الجنسانية" أو القبول المتخيل لدى مجتمعات بعينها لحقوق المثليين أصبحت مقياسًا من أجل تقييم الحق والقدرة على السيادة الوطنية. حيث يصبح المعيار الوحيد لتقييم دولة أو ثقافة هو موقفها من قضايا التعددية الجنسية في تجاهلٍ لكافة أشكال العنف الأخرى التي يتم التستر عليها.

* تم تحديث هذه المادة في 29 شباط/فبراير 2024