30-سبتمبر-2022
قد يتطور الركود إلى كساد اقتصادي (Getty)

قد يتطور الركود إلى كساد اقتصادي (Getty)

الركود الاقتصادي هو انخفاض كبير في كافة أنواع الأنشطة الاقتصادية، وينعكس ذلك على انخفاض التوظيف وارتفاع نسب البطالة وانخفاض عمليات الإنتاج والدخل. ويبدأ الركود عند وصول النشاط الاقتصادي إلى ذروته وينتهي مع وصوله إلى أدنى مستوياته. والسمة الأبرز لفترة الركود هي حالة اللايقين التي يخلقها تجاه المستقبل، مما يساهم في تأجيل وإبطاء عمليات الشراء والاستثمارات الكبيرة. وهي حالة لا مفر منها ضمن الدورة الاقتصادية، ويتم الاعتراف بالركود الاقتصادي بعد ربعين متتاليين من انخفاض الناتج المحلي الاجمالي أو النمو السلبي، أي فترة 6 أشهر. أما نهايته فهي اللحظة التي يعود فيها الاقتصاد إلى النمو مرةً أخرى.

الركود الاقتصادي هو انخفاض كبير في كافة أنواع الأنشطة الاقتصادية، وينعكس ذلك على انخفاض التوظيف وارتفاع نسب البطالة وانخفاض عمليات الإنتاج والدخل

أما الخطير في الركود الاقتصادي، فهو إمكانية أن يتطور إلى كساد اقتصادي طويل المدى، خاصةً أن المسببات والآثار واحدة تقريبًا، إلّأ أن تأثير الكساد هو أكبر بكثير، ويساهم في زيادة ضخمة في معدلات البطالة وانخفاض حاد في الناتج القومي الإجمالي. والأهم من ذلك أن الكساد يستمر إلى فترات طويلة قد تصل إلى سنوات، ويحتاج الاقتصاد لاحقًا إلى وقتٍ أطول من أجل التعافي. على سبيل المثال، فإن الكساد الكبير الذي انطلق من الولايات المتحدة إلى العالم عام 1929، استمر فيها حتى عام 1933، فيما احتاج التعافي منه إلى ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. أي أنه يمكن القول إن الكساد هو حالة أكثر حدة من الركود. وإجمالًا شهد الاقتصاد العالمي أربع فترات ركود رئيسة خلال العقود السبعة الماضية، وجاءت في عام 1975 و1982 و1991 و2009، فيما يبلغ متوسط فترة الركود حوالي 11 شهرًا.

كيف يحصل الركود الاقتصادي؟

ورغم أن الركود الاقتصادي هو جزء من الدورة الاقتصادية، أي أن حدوثه في كل فترة أمر لا مفر منه، لكن هناك أسباب فعلية تساهم فيه أو تسرع في حدوثه ولا يشترط أن تجتمع كلها في لحظة واحدة من أجل أن تصنف الحالة الاقتصادية باعتبارها ركودًا. تعد الصدمة الاقتصادية أبرز مسببات حالة الركود الاقتصادي، وذلك من خلال حدث كبير يساهم في صدم اقتصاد العالم وقطع رَتابَة عمله، مثل أزمة النفط العالمية خلال حرب تشرين أول/ أكتوبر 1973 والقرار العربي بقطع إمدادات النفط عن أمريكا، مما تسبب في ركود اقتصادي كبير فيها، بالإضافة إلى انتشار فيروس كورونا وإغلاق الاقتصادات في جميع أنحاء العالم مما ساهم في تشكيل حالة ركود اقتصادي محدود نسبيًا، بالإضافة إلى الحرب الروسية على أوكرانيا والعقوبات العالمية على روسيا، مما ساهم في إرباك سلاسل التوريد حول العالم وخلق أزمة قمح ووقود، نتيجة التقليل من الإمدادات الروسية لأوروبا من الغاز وإحباط عمليات تصدير القمح من أوكرانيا.

كما تتسبب الديون المفرطة في حالة ركود اقتصادي، وذلك بعد أن تتراكم على الأفراد أو الشركات وتنمو كلفة الديون والفوائد المترتبة عليها، مما يؤدي إلى تخلفٍ في سدادها وإعلان الإفلاس. أما واحدة من أبرز المسببات التي يمكن أن تترك أثرًا حاسمًا في الاقتصاد وتسبب ركودًا، هي الاختراعات التكنولوجية التي تساهم في زيادة الإنتاج ومساعدة الاقتصاد على المدى الطويل، لكن التكيف معها يساهم في حدوث فترات من الركود الاقتصادي، وحصل ذلك مع الثورة الصناعية التي ساهمت في التخلي عن وظائف كاملة لصالح التكنولوجيا. وهذا الخطر مستمر حتى اليوم، خاصةً مع الاختراقات التي تحدث مع تطور الذكاء الاصطناعي والروبوتات والتي يمكن أن تتسبب في حدوث فترات ركود طويلة نتيجة القضاء على فئات كاملة من الوظائف.

بالإضافة إلى ما سبق، يحصل الركود نتيجة ما يسمى بالفقاعة الاقتصادية وتحدث نتيجة عملية مضاربة على سلع معينة، مما يرفع من ثمنها بشكلٍ لا يتناسب مع قيمتها الحقيقية، ويحدث ذلك عادةً في أسواق الأسهم أو العقارات، وينتج عن ذلك تضخم كبير في هذه الأسواق، لكنه ينفجر في المحصلة مما يتسبب في انهيار هذه الأسواق وبالتالي الركود. إلى جانب ذلك يُعد التضخم المفرط أحد أسباب الركود، وهو يتمثل في تصاعد ثابت لأسعار السلع، مما يدفع البنوك المركزية إلى مواجهته من خلال رفع مستمر لأسعار الفائدة، من أجل التقليل من مستوى الإنفاق وارتفاع أسعار السلع، ورغم أهمية هذه الخطوة إلّا أن الرفع المستمر لأسعار الفائدة وبسرعة يساهم في انخفاضٍ كبير في الناتج المحلي الاجماعي وركود اقتصادي.

كيف يواجه العالم الركود؟               

تعمل الدولة عادةً على مواجهة الركود الاقتصادي، ويتم ذلك من خلال تخفيض أسعار الفائدة، مما ينتج عنه تكلفة أقل في عملية الاقتراض وزيادة ثقة المستهلك وميل أكبر نحو الإنفاق، ليساهم ذلك في عمليات البيع والشراء. بالإضافة إلى زيادة الإنفاق الحكومي والمشاريع الحكومية مثل برامج البنية التحتية، والقيام بتخفيض الضرائب من أجل تحفيز العمليات الاقتصادية، وخلق فرص عمل جديدة، والحد من ارتفاع مستويات البطالة.

وفي المجمل لا يمكن منع فترات الركود غالبًا، لكن الإجراءات الاقتصادية التي تترافق مع الحالة، تهدف إلى التخفيف من حدة آثار الركود على الناس والاقتصاد، بالإضافة إلى التقليل من الفترة التي من التوقع أن يستمر فيها، ومحاولة منع وصوله إلى حالة الكساد.

تعمل الدولة عادةً على مواجهة الركود الاقتصادي، ويتم ذلك من خلال تخفيض أسعار الفائدة، مما ينتج عنه تكلفة أقل في عملية الاقتراض

تنتهي فترات الركود في اللحظة التي يعود فيها الاقتصاد إلى النمو الإيجابي، بغض النظر عن مدى سرعة عملية التعافي، فيما تساهم إجراءات الحكومات في تعجيل هذه الخطوة من خلال ضخ الأموال ومحاولة إنعاش الاقتصاد. ورغم ذلك يمكن أن تترك فترة الركود الاقتصادي، ندوبًا طويلةً نسبيًا، مثل بقاء معدلات البطالة مرتفعةً، وانخفاض مستويات الدخل.