29-مارس-2018

أوسكار تي. بيريز/ إسبانيا

الذي كان يزرع زهورًا للعابرين كانت تنمو طحالبُ في فمه

والذي كان يصير طريقًا إذا لزم الامر كان عمره حفرة غائرة...

وحين يتدحرج المساء على مخيلته كحجر ضخم كان يعود مسرعًا الى صورته على الحائط، الصورة التي يلف شريط اسود زاويتها.

  *

 

في بلاد الحرب البعيدة

هناك حيث عازف الأكورديون المتجول

يبيع موسيقاه للزوجات التعيسات

وللأقدام الصغيرة المغموسة بالطين

وللشرفات المثقلة باللون الباهت لا حبال الغسيل

وللأزقة الغارقة بالمياه العادمة

وحين يهطل الليل متتابعًا وغزيرًا

ينبت نغم من أصابعه المبتورة

وحين يسيل الصبح قانيًا من فم السماء

ولا أكورديون هناك ليحمله

يصير جسد العازف المتخشب موسيقى.

*

 

قال له الآخرون إنه ربما يكون عصبيًا بعض الشيء

وأن عليه أن يتخلى عن عادة تربية الغضب في صدره منذ الصباح وإطلاقه مساءً حين يستوي

وأن عليه ربما أن يمسك عليه غضبه إلى ما بعد المغيب فربما شاخ قليلًا، وربما وهن

وإلا فإن عليه أن يطلقه صغيرًا متى وُلِد

ولأنه معتدل الصبر حين يتعلق الأمر بالانتظار صار يطلق غضبه طفلًا فيراه يكبر أمام ناظريه، يعيث خرابًا في جرائد أبيه، ويقلب القدور في المطابخ، ويبصق على الضيوف والعابرين وككل الآباء الجيدين صار يخشى من يوم يموت فيه ويترك الطفل وراءه يتيمًا.

*

 

في تجربة فريدة ستقوده إلى أرضٍ في وعيه لم تطأها قبلُ قدم، ورغم النسيان الذي يعتريه إذا تشوش من الأعلى والجوع الذي يقرصه إذا تشوش إلى الأسفل قليلًا، ورغم الصداع الذي يدق جبينه كلما رفس طوبة معلقة بلا جدوى، ورغم أنه لم يعد يملك حجمًا يبذله كلما عضه شوك الأرض أو أكلت سلحفاة من ساقيه، ورغم أنه زهد في مجد يطاله لأنه عاف مذاق الفطريات أحس بطل اللعبة الإلكترونية فجأةً أنه في مشهد أليف، حيث تقوده أيدي الآخرين جذلى إلى هاوية وحيث لا يمل هو من تكرار عمره المرحلي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مقاطع حالمة

إلى ابنة السماء، الرحّالة