17-أغسطس-2018

تصاعد خطاب اليمين المتطرف في كندا بشكل غير مسبوق (Getty)

تكشف مجلة "ذا وورلد ويكلي" في هذا التقرير المترجم بتصرف، عن تصاعد حركات اليمين المتطرفة والنازيين الجدد في كندا، وهي ظاهرة بدأت تثير مخاوف حقيقية، خاصة مع تزايد تدفق اللاجئين إلى البلاد، وتوضح أن هناك حملات منظمة من الدولة ومن المجتمع المدني، لمجابهة هذه الجماعات.


وصل حوالي 100 شخص خلال الأيام الماضية إلى مدينة كيبيك، وتظاهروا على الحدود الأمريكية الكندية. اختير هؤلاء الأشخاص من بين العديد من المجموعات اليمينية المتطرفة، وكان هدفهم المعلن هو الاحتجاج على  طالبي اللجوء الذين يعبرون من الولايات المتحدة الأمريكية إلى كندا بشكل "غير قانوني". وفي حديثهم لوسائل الإعلام المحلية، اتهم المتظاهرون الحكومة الكندية بقيادة استراتيجية فاشلة في مجال الهجرة، بل وزعموا أن مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يدخلون إلى البلاد، وهي ادعاءات أنكرتها السلطات الفدرالية بقوة.

يقول مراقبون إن الجماعات الكندية التي تحرض على الكراهية قد وسعت عملياتها في السنوات الأخيرة. إذ يعمل حوالي 130 من هذه المجموعات في كندا في الوقت الحالي

أصبحت الحدود الأمريكية نقطة محورية للاحتجاج، بعدما ارتفعت الهجرة إلى البلدين في الأشهر الأخيرة. وكما حدث في الحالات السابقة، انضم متظاهرون معارضون من الجماعات المناهضة للفاشية، والمؤيدون لفتح الحدود، إلى المظاهرات في نهاية الأسبوع الماضي. وأظهروا دعمهم للأشخاص الذين يحاولون دخول كندا، وهاجموا "العنصرية" التي تظهرها المجموعات اليمينية المتطرفة.

اقرأ/ي أيضًا: تنامي الحركات اليمينية مع مجيء ترامب.. راعي التطرف في الولايات المتحدة

كانت حدة التوترات عالية. إذ أظهرت لقطات غير مؤكدة من المسيرة تصدي أعضاء المنظمة اليمينية المتطرفة المعروفة باسم "Three Percenters" لامرأة، والتعدي عليها بعد أن حاولت تصوير لوحات أرقام سياراتهم، بحسب ما ذكر موقع Anti-Racist Canada للتدوين.

ويقول مراقبون إن الجماعات الكندية التي تحرض على الكراهية قد وسعت عملياتها في السنوات الأخيرة. إذ يعمل حوالي 130 من هذه المجموعات في كندا في الوقت الحالي، وبينت باربارا بيري الخبيرة في الجماعات المحرضة على الكراهية في معهد أونتاريو للتكنولوجيا لصحيفة The World Weekly، أن "هناك فروعًا جديدة لهذه الجماعات تتشكل الآن، وتستقطب الناس من جميع الطبقات والفئات العمرية".

وتتنوع المجموعات بين منظمات افتراضية صغيرة توجد على الإنترنت، وأخرى عديدة ذات انتشار وطني واسع، يشترك فيها مئات الأعضاء النشطين. تمتلك منظمة "جنود أودين"، وهي مجموعة معادية للمهاجرين تشكلت في فنلندا سنة 2015، فروع في معظم المدن الكندية. كما انتشرت منظمة "Three Percenters"، وهي مجموعة مسلحة أمريكية شاركت في المسيرة اليمينية المتطرفة في شارلوتسفيل في أغسطس/آب 2017، في جميع أنحاء كندا خلال العام الماضي.

تقول البروفيسور بيري إن "ثمة تغير مرعب يحدث، حيث شاركت بعض هذه الجماعات في بناء تحالف كبير خلال الأشهر الثمانية الماضية، وقد تجمعوا معًا لزيادة أعدادهم وتأثيرهم". ففي مسيرة نهاية الأسبوع الماضي مثلًا، شوهد أعضاء من مجموعة Storm Alliance المتطرفة رفقة مجموعة Three Percenters الذين تكلفوا بالجانب "الأمني" في المسيرة. يسلح Three Percenters أنفسهم بعصي كهربائية في المسيرات نظرًا لأن كندا تحظر حمل الأسلحة والتشهير بها.

وشرح إيفان بالغورد المدير التنفيذي للشبكة الكندية لمكافحة الكراهية التي أنشئت حديثًا لصحيفة The World Weekly، كيف بدأ توسع استهداف المجتمع المسلم في كندا من طرف بعض المجموعات. ويقول بالغورد إن هذا النشاط قد شهد "توسعًا" حادًا بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة سنة 2016، مدعومًا بكلام ترامب الذي يحمل تمييزًا مبطنًا، وهو ما يتناقض تناقضًا صارخًا مع كراهيتهم لتبني رئيس الوزراء الليبرالي الكندي جاستن ترودو للتعددية الثقافية.

لكنه يؤكد على أن تمرير مُقترح القانون 103 من البرلمان الكندي سنة 2017، والذي يدين كره الإسلام، هو ما حفز الجماعات اليمينية المتطرفة لإظهار غضبهم في الأماكن العامة. ويتابع: "إنهم يرون أن هذا يجرم توجيه الانتقادات للمسلمين، وقد تم استخدامه لتبرير الاحتجاجات التي تتراوح أعداد الأشخاص الذين شاركوا فيها ما بين 50 و500 شخص في جميع أنحاء كندا".

منهجية التطرف

تعرف الجماعات اليمينية المتطرفة المختلفة تباينًا على مستوى هياكلها التنظيمية، إلا أنها تتبنى أيديولوجية  التعصب والكراهية الموجهة بشكل عام ضد الأقليات الدينية والعرقية، بالإضافة إلى مجتمع المثليين. في بعض الحالات، خاصةً بين جماعات النازيين الجدد، يمكن أن يظهر هذا في دعوات صريحة للعنف.

يتحدث الأعضاء الذين تركوا هذه المجموعات عن شعور بالخوف والقلق من فقدان مكانهم في الأمة. إذ ترى الجماعات اليمينية المتطرفة أنها تدافع عن الهوية الكندية المسيحية البيضاء.

يشير البروفيسور بيري إلى أن الأفكار الأبوية الذكورية يمكن أن تلعب دورًا كذلك. ويقول "بالنسبة إلى الشبان الذين يشعرون بالانزعاج بسبب فقدانهم للامتيازات التي يتمتع بها الذكور البيض، يمكن أن تكون المجموعات التي تحرض على الكراهية حاضنةً لهم لإعادة إنتاج رجولتهم بطرق عنيفة وعدائية جدًا".

في الواقع، كانت علاقة الذكورية باليمين المتطرف محور النقاش الدائر في كندا في الشهر الماضي. قاد أليكس ميناسيان شاحنة في أرجاء تورنتو مما تسبب في مقتل 10 أشخاص، معظمهم من النساء. وقد أشار نشاطه على الإنترنت قبل فترة قصيرة من الهجوم إلى اشتراكه في مجموعة ثقافة فرعية على الإنترنت تسمى "incel"، وهي فضاء افتراضي يهيمن عليه شبان يتذمرون من انعدام نشاطهم الجنسي، ويتم ذلك في العموم من خلال توجيه تهديدات للنساء اللواتي يطلقون عليهن "Stacys"، بشكل عنيف.

يتفق الخبراء عمومًا على أن الإنترنت قد وفر منصة قوية جديدة لتنتشر كل الأفكار اليمينية المتطرفة على مستوى دُوليَ

يتفق الخبراء عمومًا على أن الإنترنت قد وفر منصة قوية جديدة لتنتشر كل هذه الأفكار بسرعة على مستوى دُوليَ. توفر شبكة الإنترنت "السرعة والقدرة للتجنيد والتنظيم، التي لا يمكن للمجموعات اليمينية المتطرفة التي كانت تعمل منذ 15 عامًا تصورها"، كما تقول الأستاذة بيري.

منتديات الإنترنت فعالة جدًا، مما يسمح بمناقشة أفكار الكراهية المشتركة وتأكيد الإحساس الجماعي بالهوية من جديد، دون الحاجة إلى اللقاء بشكل شخصي. هذه الفضاءات تكرس للانقسام بشكل متزايد، بينما يكون الخطاب الأكثر عنفًا في المجموعات الخاصة. ويصف بالغورد كيف تكون مراقبة هذه المنتديات ومشاهدة التصرفات المتطرفة، ورؤية المراهقين الصغار يدخلون أنفسهم في هذه المجموعات ويتم تشجيعهم باستمرار على الكراهية وسط مجموعات معينة في المجتمع من قبل "مستخدمي السلطة" في المنتدى.

دائمًا ما تكون للرسائل الافتراضية عواقب في الواقع. فقد سجلت B'nai Brith Canada، وهي منظمة يهودية 1.752 حادثة معادية للسامية سنة 2017، وبلغت مستويات كتابة جمل معادية للسامية على الجدران أرقامًا لم تسجل منذ سنة 2013.

كذلك وجد الآباء الذين أوصلوا أطفالهم إلى مدرسة إسلامية قرب تورنتو يوم الثلاثاء كتابات معادية للمسلمين كتبت على مدخل المبنى. وقالت إحدى الأمهات واصفة ما حدث بأنه "لحظة يقظة قاسية" بالنسبة لها.

تستخدم العديد من الجماعات اليمينية المتطرفة الاحتجاج كوسيلة تهديد لمحاولة إيقاف المناسبات. في الشهر الماضي، اضطرت مجموعة من الجاليات المسلمة في مونتريال إلى تغيير مكان إقامة حدث للاحتفال بالفتيات اللواتي يرتدين الحجاب مرتين. وشهدت هذه الأماكن مخاوف أمنية بعد أن نشر بعض الأشخاص تهديدات عبر الإنترنت بالاحتجاج إذا ما تم تنظيم الحدث هناك. وعُقد الحدث في نهاية المطاف في مكتب المجموعة، مع تواجد قليل للشرطة في الخارج. وقد أعرب العديد من الحاضرين عن تحديهم، وصرحت إحدى الفتيات أنها "لا تهتم بمظهر الآخرين".

 يخيم شبح العنف على نشاط الجماعات اليمينية المتطرفة. إذ كشفت صحيفة "مونتريال غازيت" مؤخرًا مع مجموعات رائدة مناهضة للفاشية، أن أحد النازيين الجدد يعرف باسم "زيغر" يعمل كمستشار في مجال تكنولوجيا المعلومات في مونتريال. وهو مشهور في موقع "ديلي ستورمر" الإخباري اليميني المتطرف، وكان ينظم اجتماعات مع أفراد لهم فكر يشبه فكره في المدينة.

يؤكد الناشطون الكنديون دائمًا أن اليمين المتطرف في كندا بالرغم أنه أصغر حجمًا من اليمين المتطرف في الجارة الأمريكية إلا أنه يشكل تهديدًا كبيرًا نسبيًا

كان زيغر صوتًا جوهريًا في منتدى آيرون مارش الافتراضي، الذي لم يعد موجودًا الآن، حيث يعتقد أن نشره لدعاية النازيين الجدد كان له تأثير كبير على تشكيل مجموعة تدعى Atomwaffen - وهي مجموعة مرتبطة بخمس جرائم قتل في الولايات المتحدة الأمريكية. وشرعت وحدة جرائم الكراهية التابعة لشرطة مونتريال في إجراء تحقيق في هوية زيغر المزعومة.

السياسات المستقبلية

تؤكد الحكومة الكندية أنها ملتزمة بالحفاظ على الهوية الوطنية ذات الثقافات المتعددة في كندا. وقد خصصت إدارة ترودو في شباط/ فبراير 2018 لأول مرة، 23 مليون دولار لتمويل مكافحة العنصرية من خلال القيام باستشارات بين الثقافات والبرامج متعددة الثقافات.

اقرأ/ي أيضًا: صعود اليمين المتطرف عبر أوروبا.. سبل للمواجهة المؤجلة!

ولدى القانون الكندي سبل لتوجيه الاتهام إلى الأفراد بسبب جرائم الكراهية، بوجود المادة 319 من القانون الجنائي التي تحظر "التحريض على الكراهية في مكان عام". ومع ذلك، فإن العديد من أولئك الذين يراقبون اليمين المتطرف يعترضون على القوانين لأنها تفسح مجالًا أكبر من اللازم لحرية التعبير، وتسمح للأشخاص الذين يقومون بأنشطة تثير الرعب بالإفلات دون عقاب. يعتبر الفصل 13 من قانون حقوق الإنسان المعتمد في كندا، والذي ألغي سنة 2013، من الأشياء الثمينة المفقودة، والتي كانت في وقت سابق تحاسب الأفراد الذين ينشرون الكراهية.

في هذه البيئة القانونية الصعبة، يعتبر التعرض المفصل لممارسات المجموعات اليمينية المتطرفة أمرًا ضروريًا. ويهدف بالغورد إلى أن تكون الشبكة الكندية لمكافحة الكراهية منظمة مهنية ووطنية مع وضع هذا الهدف نصب عينيه، وبناءً على العمل "العظيم" السابق الذي قام به سكان المدينة والمجموعات المركزة إقليميًا  في جميع أنحاء كندا. "بدأ المجتمع المدني الآن فقط في الوقوف ومواجهة مجموعات الكراهية هذه".

يؤكد الناشطون الكنديون دائمًا أن اليمين المتطرف في كندا بالرغم أنه أصغر حجمًا من اليمين المتطرف في الجارة الأمريكية إلا أنه يشكل تهديدًا كبيرًا نسبيًا. كما أن عملهم في فضح وانتقاد اليمين المتطرف لا ينتهي أبدًا.

اقتحم يوم الأربعاء ستة أعضاء ملثمين من جماعة "أتالانتي" الكارهة للمهاجرين، الذين يزعمون أنهم على صلة بمنظمات النازيين، مكتب "VICE NEWS" في  مونتريال. وقاموا بإلقاء منشورات في كل مكان، وسلموا صحفيًا تذكارًا مكتوب عليه "VICE إعلام القمامة لسنة 2018"، وجاء ذلك نتيجة لقيام VICE بنشر مقال حول نشاط "أتالانتي" المتزايد قبل أسبوع من تسليط الضوء مرة أخرى على تزايد العدائية لدى اليمين المتطرف الكندي في عام 2018.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف بررت بولندا دعوات اليمين المتطرف لـ"هولوكوست المسلمين"؟

حين أصبح بشار الأسد أيقونةً لليمين المتطرف في الولايات المتحدة