14-ديسمبر-2019

تشهد العملة السورية انهيارًا متسارعًا (EPA)

يبدو نظام الأسد وحيدًا هذه المرة، مع تواصل انهيار الليرة السورية أمام الدولار والعملات الأجنبية، في ظل انتفاضة مستمرة في لبنان الذي يعد مركز ودائع الأثرياء السوريين، وأخرى في العراق الذي هو مثل لبنان وإن بدرجة أقل.

يعتقد مراقبون أن تُوجه الانتفاضة اللبنانية وانهيار الليرة السورية، الضربة القاضية لنظام بشار الأسد رغم سيطرته العسكرية الواسعة

ومن جهة أخرى، يعني ذلك ضغوطًا إضافية على الحليف الإيراني، الذي يعاني عقوبات أمريكية خانقة، أثرت بشكل واضح على الخط الائتماني الذي فتحته طهران مع نظام الأسد لدعمه ومنع سقوطه، بالإضافة لما يعانيه الاقتصاد الروسي على إثر العقوبات الأوروبية والأمريكية.

اقرأ/ي أيضًا: رحلة الليرة السورية إلى الانحدار.. الخفايا والمآلات

في مواجهة ذلك، يعتقد مراقبون أنه من الممكن أن توجه الاحتجاجات في لبنان، وانهيار الليرة السورية، ضربة قاضية لنظام بشار الأسد، رغم سيطرته العسكرية على مناطق واسعة.

بنوك لبنان تُقيّد أموال الودائع

تأثر سعر صرف الليرة السورية بالانتفاضة اللبنانية وتداعيات الأزمة الاقتصادية في لبنان، حيث فرضت المصارف اللبنانية قيودًا على سحب الودائع، بما لا يتجاوز مبلغًا محددًا أسبوعيًا هو 1500 دولار، وأي مبلغ يزيد عن ذلك يمكن سحبه بالليرة اللبنانية، وفق سعر صرف يقل بأكثر من 15% عن سعر الصرف في محلات الصرافة.

وبطبيعة الحال، تنطبق هذه الإجراءات على السوريين، ومنهم التجار، ما أدى للجوئهم إلى السوق السوداء السورية لشراء الدولار، مع انخفاض القدرة على تأمين العملة الأمريكية.

انهيار الليرة السورية

أشاع نظام الأسد أجواء توحي بمساءلة أصحاب رؤوس الأموال والمقربين منه، مثال ذلك: الإعلان عن الحجز احتياطيًا على أموال طريف الأخرس، عم أسماء زوجة بشار الأسد، قبل أن تعود السلطات وتلغي الحجز، في ما بدت أنها محاولة لإجبار كبار التجارعلى التدخل والوقوف بوجه الانهيار النقدي، ودعم البنك المركزي بالعملة الصعبة.

وعلى إثر ذلك أنشئ "صندوق رجال الأعمال" بالتعاون مع غرف التجارة والصناعة، بهدف تأمين النقد الأجنبي اللازم للاستيراد "وفق سعر مناسب"، على أن يتحمل رجال الأعمال المساهمين في الصندوق، بعض الخسارة الناتجة عن الفارق في سعر الصرف.

ورغم الإعلان عن وصول حصيلة الصندوق إلى مليار دولار، منتصف تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بحسب أحد أعضاء غرفة التجارة، إلا أن مبادرة الصندوق فشلت عمليًا في منع انهيار الليرة، واقتصرت مفاعيلها على تخفيف سرعة الانهيار، مع أخبار لاحقة عن تجميد المبادرة، بسبب تقييد استفادة المستوردين منها بشروط تعجيزية.

كما أن ما يشهده لبنان الآن، أدى لانخفاض حركة تنقل الشاحنات مع سوريا، إلى 10% من حجمها العادي. وينطبق الأمر ذاته على معبر نصيب الحدودي مع الأردن، شبه المتوقف أيضًا، بسبب انتهاء المواسم الزراعية في الأردن، بالإضافة إلى الخيبة من مردود معبر البوكمال الذي عول عليه النظام كثيرًا، مع الانتفاضة التي يشهدها العراق. وقد أعلن النظام مؤخرًا أن الخسارة الناجمة عن كلفة معبر البوكمال التشغيلية تبلغ 100 مليون ليرة شهريًا.

ولا يقتصر تأثير الأوضاع في لبنان والعراق الآن، على توقف حركة الترانزيت والتبادل التجاري، وإنما تجلت بحرمان النظام السوري ورجال أعماله من السحوبات البنكية في لبنان طيلة فترة إغلاق البنوك، وانخفاض كمية المبالغ المسموح بسحبها من العملة الصعبة بعد عودة تلك المصارف إلى العمل.

وكانت وسائل إعلام مرتبطة بالنظام، وشخصيات اقتصادية منهم حاكم مصرف سوريا السابق دريد درغام، قد حثت السوريين على سحب أرصدتهم وودائعهم من البنوك اللبنانية مع بداية الحديث عن أزمة مالية في القطاع المصرفي اللبناني، قبل اندلاع الانتفاضة، محذرة أصحاب الحسابات من تقييدها أو حتى خسارتها بالكامل مع استمرار الأزمة المالية في لبنان.

الدولار.. هل يكون الضربة القاضية؟

بحسب موقع "ميدل إيست مونيتور"، تسببت الأزمة المالية في لبنان بضرب اقتصاد سوريا بشدة، ما أدى إلى اختناق مصدر حيوي من الدولارات وجر الليرة السورية إلى مستويات قياسية من الانهيار.

وبعد فرض الغرب عقوبات على النظام، اعتمد الاقتصاد السوري على العلاقات المصرفية مع لبنان للحفاظ على التجارة والأعمال مستمرة خلال الحرب الجارية منذ أكثر من ثماني سنوات.

لكن مع فرض البنوك اللبنانية قيودًا مشددة على عمليات السحب والتحويل بالعملات الصعبة للخارج، وجد السوريون الأثرياء أن أموالهم لا يمكن الوصول إليها. وتوقف تدفق الدولارات من سوريا إلى لبنان، وفقًا لما أكده ثلاثة رجال أعمال وخمسة مصرفيين في دمشق وخارجها.

وبالتزامن مع اندلاع الانتفاضة اللبنانية، تراجعت قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي بنسبة 30%، ما يعكس أثر الأوضاع في لبنان على الاقتصاد السوري، خاصة وأن مليارات الدولارات المملوكة لرجال أعمال سوريين، مودعة في المصارف اللبنانية، وكانت الفوائد المدفوعة من المصارف على هذه الودائع، مصدرًا هامًا للاقتصاد في سوريا.

انهيار الليرة السورية
تراجعت الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها مقابل الدولار الأمريكي

هذا وتشير بعض التقديرات، أن حجم الودائع السورية في المصارف اللبنانية، يبلغ حوالي 30 مليار دولار أمريكي، أي ما يقارب خُمس جميع الودائع في البلاد.

بالإضافة لذلك، مثل النظام المالي اللبناني قناة عبور لأموال السوريين في أوروبا ودول اللجوء، الذين كانوا يحولون الدولار والعملة الصعبة من بلدان إقامتهم إلى سوريا، مرورًا بلبنان. هذا التدفق ضُرب الآن، على وقع أزمة مركبة في لبنان.

وعلى نفس المنوال، قالت صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية، إن الانتفاضة اللبنانية، ستمثل ضربة قاضية لنظام الأسد من بوابة الاقتصاد، بعد أن تراجعت الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها مقابل الدولار الأمريكي، الذي سجل سعره 850 ليرة، أي أنه في حين كانت الـ100 ليرة سورية تساوي دولارين تقريبًا في 2011، باتت تساوي الآن 13 سنتًا فقط.

من جهة أخرى، فإن السياحة، أبرز مصادر العملة الصعبة سابقًا، قد انتهى وجودها في سوريا على إثر الحرب، وكذا النفط الواقع تحت سيطرة قوات أمريكية وأخرى تابعة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد).

وفي حين تعامل البنك المركزي سابقًا، مع انخفاضات متتالية في قيمة العملة، ببيع الدولار لمحلات الصرافة بسعر رسمي قدره 435، لم يعد قادرًا الآن على تكرار الأمر، إذ لم يعد لديه ما يكفي من الدولار لمثل هذه التدخلات، فوفقًا لبعض التقديرات، انخفضت احتياطات سوريا من العملات الأجنبية إلى 200 مليون دولار.

توزيع اللوم

لفترة طويلة، والمسؤولون في النظام السوري يلقون اللوم على العقوبات المفروضة على النظام، حتى أن محافظ البنك المركزي السوري، قد صرح سابقًا بقوله: "إنها حملة ممنهجة لتقويض العملة السورية، ودفع الناس للتخلي عن عملتهم الوطنية".

على مدار سنوات اختبر السوريون في مناطق سيطرة نظام الأسد، تصريحات النظام، التي لم يبد أنها كانت صادقةً تمامًا، بقدر وقوع أكثر من 500 ألف قتيل في سوريا على مدار سنوات الحرب، ولجوء الملايين، ودمار البنى الصناعية والتجارية في أرجاء البلاد، وبالجملة فقد الاقتصاد السوري ثلث ما كان عليه في 2010.

وفي حين سبق للأسد أن أعلن، رفقة حلفائه الروس، انتهاء الحرب، وانتصار النظام، لم يكن هذا الانتصار المزعوم كفيلًا بإعادة الإعمار، أو إحداث ولو انتعاشة جزئية في الاقتصاد على مستوى التجارة على الأقل.

في المقابل، ووفقًا للمركز السوري لأبحاث السياسات، فإن قرابة 90% من سكان البلاد يرزحون تحت خط الفقر، مع عدم قدرة نظام الأسد على تنفيذ إصلاحات هيكيلية لتجاوز الأزمة، الأمر الذي يطرح تساؤلًا متكررًا: إلى متى يمكن للنظام احتواء سخط شعبي كامن في مناطق سيطرته على الأقل؟

من ينقذ الأسد؟

لا تملك روسيا الأموال لبدء عملية إعادة الإعمار في سوريا، وهي تسعى جاهدة إلى حلحلة في الملف السياسي لجذب الأموال الأوروبية والخليجية. لكن موسكو في الوقت الحالي، وعلى غرار طهران، تطمح إلى تحصيل ثمن دعم بشار الأسد والحفاظ على كرسي الحكم.

انهيار الليرة السورية

وفي حزيران/يونيو الماضي، قرر الاتحاد الأوروبي تمديد العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، لستة أشهر أخرى، وذلك على خلفية الأزمة الأوكرانية، هذا إلى جانب العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن جهة إيران، فالوضع ليس أفضل، مع العقوبات الأمريكية المفروضة من قبل إدارة ترامب على قطاعات النفط والبتروكيماويات والتعاملات المالية، وذلك على خلفية انسحاب الإدارة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني. وقد أثرت العقوبات عميقًا على إيران، التي شهدت احتجاجات متفاوتة لأسباب اقتصادية.

من الذي يمكنه إنقاذ نظام الأسد خاصة وأن حلفاءه يعانون أزماتهم الخاصة، في ظل وضع إقليمي يشهد تغيرات عميقة وغير مسبوقة؟

يدعو هذا للتساؤل بإلحاح: من الذي يمكنه إنقاذ نظام الأسد إذًا؟ خاصة أنه وكما هو واضح، يعاني حلفاؤه من أزماتهم الخاصة، في ظل وضع إقليمي يشهد تغيرات عميقة وغير مسبوقة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الاقتصاد السوري.. الانهيار المخيف

اقتصاد الأسد الفاسد.. غربال بثقوب كبيرة