15-مايو-2021

دافعت إدارة بايدن عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة (رويترز)

في موقف يؤكد على انقسام الحزب الديمقراطي الأمريكي الحاكم المرتبط بالهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر، بعد إدانة مجموعة من المشرعين الديمقراطيين الاعتداءات الإسرائيلية التي أودت بحياة عشرات الفلسطينيين بينهم أطفال ونساء، امتنع الرئيس الأمريكي جو بايدن عن توجيه الانتقاد المباشر للهجمات الصاروخية العنيفة التي استهدفت مجمعات مدنية بأكملها داخل غزة، وذلك ردًا على الهبة الفلسطينية التي انطلقت رفضًا لتهجير سكان حي الشيخ جراح الفلسطينيين في القدس.

النائبة في الكابيتول هيل إلهان عمر فقد غرّدت عبر حسابها على تويتر مشيرةً إلى أن "الغارات الجوية الإسرائيلية التي تقتل المدنيين في غزة هي عمل إرهابي"

بايدن يؤيد الاعتداءات الإسرائيلية

بدون أن يقدم أي دليل على تفاؤله بشأن انتهاء الاعتداء الإسرائيلي الجوي على قطاع غزة، قال البيت الأبيض إن الرئيس الديمقراطي أعرب عن آماله بأن "ينتهي (التصعيد العسكري) هذا قريبًا"، قبل أن يضيف بأن بايدن أكد خلال اتصال هاتفي مع رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أن "إسرائيل لديها حق الدفاع عن نفسها"، لافتًا إلى أن مكتب نتنياهو ذكر بأنه أبلغ بايدن أن إسرائيل "ستواصل التحرك لضرب القدرات العسكرية لحماس وغيرها من الجماعات الإرهابية التي تعمل في قطاع غزة".

اقرأ/ي أيضًا: أكثر من عشرة شهداء ومئات المعتقلين: احتجاجات الغضب تعم الداخل الفلسطيني والضفة

وفي ذات السياق، نقلت وكالة رويترز أن بايدن أوضح موقف الإدارة الأمريكية للصحفيين من خلال وصفه للهجمات الإسرائيلية التي استهدفت المنشآت المدنية في قطاع غزة، بأنه "رد فعل غير مبالغ فيه"، لافتًا إلى أن: "السؤال هو كيفية الوصول إلى نقطة يحدث فيها تقليص كبير في الهجمات ولا سيما الهجمات الصاروخية التي يتم إطلاقها بشكل عشوائي على المراكز السكانية"، ومضى في القول موضحًا "إنه عمل جار في الوقت الحالي".

وجاءت التصريحات الأخيرة بالتزامن مع إجراء وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن اتصالًا هاتفيًا مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، أكد من خلاله على ضرورة إنهاء التصعيد العسكري في قطاع غزة، فيما شدد عباس على "أهمية خلق أفق سياسي للوصول إلى حل سياسي مبني على أساس الشرعية الدولية، يضمن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ونيل الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله".

وواشنطن تؤجل عقد الجلسة الأممية إلى يوم الأحد

أمام هذه المقدمة المختصرة لأحدث تصريحات المسؤولين الأمريكيين في البيت الأبيض، لا بد من الإشارة  لموقف الإدارة الأمريكية من الاعتداءات الإسرائيلية في غزة والداخل الفلسطيني، فضلًا عن محافظات الضفة الغربية المحتلة، فقد وافقت الولايات المتحدة على عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، الأحد المقبل، لمناقشة "الوضع في إسرائيل وقطاع غزة"، وذلك بعدما رفضت في وقت سابق عقد جلسة طارئة للمجلس الأممي، الجمعة، إضافة لعرقلتها صدور بيان أممي يدين الاعتداءات الإسرائيلية في جلستين مغلقتين الأسبوع الماضي.

وينعكس موقف الإدارة الأمريكية بشكل واضح من خلال تصريحات بلينكن التي أكد فيها على أن واشنطن "كانت واضحة في أن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها"، وقالت الخارجية الأمريكية، يوم الأربعاء، إن بلينكن أوفد نائب مساعد وزير الخارجية للشؤون الإسرائيلية – الفلسطينية هادي عمرو إلى المنطقة لحث الطرفين على التهدئة بينهما.

وقالت سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد بعد الاتفاق على اجتماع يوم الأحد إن: "الولايات المتحدة ستواصل المشاركة بنشاط في الدبلوماسية على أعلى المستويات لمحاولة تهدئة التوترات"، علمًا أن جرينفيلد غردت قبل يومين مؤكدة على اعتراف واشنطن "بحق إسرائيل في الدفاع عن أرضها وشعبها"، فيما طالبت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي كلًا من دولتي تونس ومصر، بالإضافة إلى دول أخرى بأن "يلعبوا دورًا في المدى القريب لتهدئة الصراع الدائر بين الإسرائيليين والفلسطينيين".

وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس قد أكد، يوم الاثنين الماضي، بعد ساعات قليلة من بدء الهجمات الصاروخية على قطاع غزة على أن بلاده "تعترف بحق إسرائيل المشروع في الدفاع عن نفسها وشعبها وأراضيها"، قبل أن يعود في وقت لاحق، بعد الانتقادات التي واجهها من قبل مراسلي الصحف الغربية، مشيرًا إلى أن "إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها، والرد على هجمات الصواريخ، وكذلك الفلسطينيون لهم الحق في الحماية والأمن".

ترامب يقود جبهة الجمهوريين الداعمين لإسرائيل

في رصدنا لأبرز مواقف المشرعين الأمريكيين من الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، والتي أفضت إلى حملة قصف عشوائية وصفت بالأعنف منذ عام 2014، برز بشكل لافت عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى المشهد السياسي مجددًا، بعدما هاجم إدارة الرئيس بايدن للملف الفلسطيني – الإسرائيلي، مشيرًا إلى أنه "في عهد بايدن، أصبح العالم أكثر عنفًا وأكثر انعدامًا للاستقرار لأن ضعف بايدن وقلة الدعم لإسرائيل يؤديان إلى مزيد من الهجمات على حلفائنا".

موقف ترامب الذي يطمح إلى أن يكون مرشح الجمهوريين لانتخابات الرئاسة في 2024، انعكس بشكل أكثر وضوحًا من خلال الرسالة التي وجهها 44 جمهوري في الكابيتول هيل ومجلس الشيوخ للرئيس الأمريكي، يقودهم السيناتور الجمهوري مارك روبيو، حيثُ طالبت الرسالة إدارة بايدن بـ"إنهاء المفاوضات مع إيران على الفور، وتوضيح أن العقوبات لن تُخفض"، وأضاف الأعضاء الجمهوريون بأنه "يجب على الولايات المتحدة ألا تفعل أي شيء لتقوية أعداء إسرائيل، بما في ذلك عدم تخفيف العقوبات على نظام يسعى إلى تدمير إسرائيل".

وبالعموم يمكن النظر إلى موقف الجمهوريين من خلال تغريدة عضو مجلس الشيوخ ليندسي غراهام الذي علّق على الاعتداءات الإسرائيلية بوصفه "إسرائيل بالرجل الطيب" و"حركة حماس بالرجل الشرير"، قبل أن يضيف الصقر الجمهوري المؤيد لترامب بأن العنف المتصاعد في المنطقة سببه "افتقار إدارة (الرئيس) بايدن للقيادة".

انقسام ديمقراطي على الجبهة المقابلة

لكن ما كان لافتًا في موجة الدعم الأمريكي للاعتداءات الإسرائيلية، تصريحات المرشح الديمقراطي لمنصب عمدة نيويورك أندرو يانغ الذي غرّد قائلًا: "أنا أقف مع شعب إسرائيل الذين يتعرضون لهجمات قصف، وأدين إرهابيي حماس" ، وهو ما جعله عرضة للانتقادات، الأمر الذي دفعه للتراجع عن تصريحاته مشيرًا إلى أنها كانت "مفرطةً في اختزالها" للأزمة الجارية.

وأضاف يانغ الذي كان يطمح لأن يكون مرشح الديمقرطيين لانتخابات 2020 "أنا أحزن، من أجل كل فلسطيني فقد حياته قبل الأوان بقدر الحزن نفسه، من أجل كل إسرائيلي" فقد حياته كذلك، في وقت أكد منافسه الديمقراطي إريك آدامز بأنه "يقف كتفًا بكتف مع الشعب الإسرائيلي في وقت الشدة هذا".

أما النائبة في الكابيتول هيل إلهان عمر فقد غرّدت عبر حسابها على تويتر مشيرةً إلى أن "الغارات الجوية الإسرائيلية التي تقتل المدنيين في غزة هي عمل إرهابي، يستحق الفلسطينيون الحماية"، وتابعت عمر مضيفةً أنه "على عكس إسرائيل، لا توجد برامج دفاع صاروخي، مثل القبة الحديدية، لحماية المدنيين الفلسطينيين، من غير المعقول عدم إدانة هذه الهجمات في أسبوع العيد".

فيما انتقدت النائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز موقف الإدارة الأمريكية من الاعتداءات الإسرائيلية التي طالت البنى التحتية في قطاع غزة، وفي إشارة لتصريحات مسؤولي الإدارة الأمريكية، قالت كورتيز: "التصريحات مثل هذه، بدون أي سياق، أو اعتراف بما أدى إلى حدوث دورة العنف هذه، أي طرد الفلسطينيين والهجمات على الأقصى، تجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم ​​وتعني ضمنيًا أن الولايات المتحدة ستغض النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان".

وأضافت كورتيز في تغريدة ثانية مرفقة مع التغريدة الأولى إنه من خلال إدانة أفعال حماس فقط ورفض الاعتراف بحقوق الفلسطينيين، يعزز بايدن الفكرة الخاطئة بأن الفلسطينيين حرضوا على هذه الدائرة من العنف، قبل أن تشدد على أن "هذه ليست لغة محايدة، بل وقوف إلى جانب الاحتلال".

ونقلت مجلة نيوزويك الأمريكية أن النائبة الأمريكية رشيدة طليب وجهت دعوة تطلب فيها "محاسبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على جرائم الحرب"، في إشارة لمئات الغارات الجوية التي استهدفت مناطق مختلفة من القطاع المحاصر، وذلك خلال مقابلة أجرتها مع قناة تلفزيونية تبث على مستوى الولايات المتحدة.

وفي وقت لاحق أشارت طليب في خطاب من داخل الكابيتول هيل إلى أنها "تريد تذكير الكونغرس بأن الفلسطينيين موجودون بالفعل، وأنهم بشر"، وأضافت النائبة الأمريكية من أصول فلسطينية أنه "من واجبنا (إدارة بايدن) إنهاء نظام الفصل العنصري والمعاملة غير الإنسانية التي يتعرّض لها الفلسطينيون منذ عقود"، فميا يبدو أنه إشارة إلى تقرير هيومن رايتس ووتش الأخير الذي يتهم إسرائيل بـ"ارتكاب جرائم الفصل العنصري والاضطهاد" ضد الفلسطينيين.

فيما شدد النائب كريس كونز في البداية على إدانته "العنف المستمر" في القدس، قبل أن يضيف محددًا بالقول: "ولا سيما هجمات حماس الأخيرة"، مشيرًا إلى أن "مثل هذه الأعمال لا تتفق مع قضية السلام"، معبرًا عن قلقه من "عمليات الإخلاء في القدس الشرقية، والتوسع الاستيطاني، وهدم المنازل، والإجراءات أحادية الجانب التي تجعل حل الدولتين بعيد المنال"، في إشارة لعملية الإخلاء التي بدأتها السلطات الإسرائيلية في حي الشيخ جراح المقدسي.

ونقل موقع فوكس الأمريكي عن أحد أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين قوله إن الأزمة الفلسطينية – الإسرائيلية المتفاقمة في الشرق الأوسط تساهم بانقسام الحزب الديمقراطي، حيثُ يرى فريق بضرورة دعم الفلسطينين في إطار دعمهم لقضايا حقوق الإنسان العالمية، بينما يرى الفريق الآخر بأنه ليس عليهم تقديم الدعم للفلسطينيين.

 وقياسًا باستطلاعات الرأي السابقة حول الموقف من القضية الفلسطينية داخل المؤسسة الديمقراطية، فقد سجل أحدث استطلاع للرأي تأييد 53 بالمائة من الديمقراطيين ممارسة المزيد من الضغوط على الحكومة الإسرائيلية من أجل تقديم تنازلات تفضي لإنهاء الصراع الدائر في المنطقة، وهي نسبة أعلى بـ10 بالمائة عن استطلاع مماثل أجري في عام 2018، وأعلى كذلك بنسبة 20 بالمائة عن استطلاع مماثل أجري في عام 2008.

وكانت مائة مجموعة ومنظمة قد أصدرت بيانًا مشتركًا تدعو بموجبه إدارة بايدن لإدانة الحكومة الإسرائيلية ردًا على سياستها الداخلية اتجاه الفلسطينيين، حيثُ أشار البيان إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية "ترقى إلى مستوى جرائم الحرب ضد الفلسطينيين"، ويعكس البيان موقف 25 نائبًا ديمقراطيًا كانوا قد وجهوا سابقًا رسالة لوزير الخارجية الأمريكية تطالبه بإدانة عمليات الإخلاء القسري التي يواجهها السكان المقدسيون في حي الشيخ جراح.

كانت مائة مجموعة ومنظمة قد أصدرت بيانًا مشتركًا تدعو بموجبه إدارة بايدن لإدانة الحكومة الإسرائيلية ردًا على سياستها الداخلية اتجاه الفلسطينيين

وحثّ النواب الديمقراطيون في رسالتهم الإدارة الأمريكية على "إرسال أقوى رسالة دبلوماسية إلى إسرائيل على الفور للتوقف عن خططها"، كما طالبوا بـ"إرسال مراقبين لتوثيق التهجير الإسرائيلي القسري للفلسطينيين، بما في ذلك تفاصيل عن الوحدات العسكرية المشاركة في هذه العمليات واستخدام أي أسلحة أمريكية لأغراض الرقابة والمساءلة فيما يتعلق بانتهاكات قانون ليهي وقانون مراقبة تصدير الأسلحة ".