04-يناير-2018

إيفيلين عشم الله/ مصر

 

1

الهواء الذي بيننا يعرف كيف يطوي المسافات ليخبركِ عن الوحشة، والأمنيات العالقة بين السماء والأرض

لم أسقط من التعب، بل أسقطني الغياب

أسقطني الفراغ الذي تمرح فيه الأحزان والأغاني والبكاء

الفراغ الذي تخلفه خطوات هاربة من طرق مشينا فيها لمّا كانت الأحلام تنظرنا هناك..

 

2

في السماء نصف قمر،

بترت العتمة نصفه الآخر

في القلب نصف فرح

غير أنني لا أعرف أين ذهب النصف الآخر

ربما نهشته أنياب السأم

ربما تكسر بفعلِ الهزيمة

لا أعرف أين ذهب،

كيف غاب،

فالقمر تأكله الظلمة على مهلٍ

ثم تلفظه مرة أخرى

أما الفرحُ فينسحب لغياب دائم

لظُلمةٍ خالصة كالعدم

لثقبٍ أسود،

يبتلع كل شيء

ولا يُبقي سوى مرارة التذكر

ولكن، لا بأس

فنصف فرحة،

أفضل من لا شيء

ربما هي اعتذارنا للزمنِ عن غبارٍ خلفته خطواتنا الثقيلة على جسده المنهك

ربما هي ثأرنا من الذين قتلوا أحلامنا عندما نقشناها على الحوائط

نصف فرحة، نصف ابتسامة، نصف حُب، نصف انتصار

نصف حياة..

هذا ما نحظى به

لنغفر لله ِفداحة وجودنا.

 

3

إن فاجأتك الذكريات التي تناسيتها عن عمد،

بينما جفناك مسدلان على آخر مشهد من حلم غريبٍ "كنت فيه رجلًا لا وجه له، يبحث عن عينيه بين أكوام الحدقات المطفأة"

دعها تنساب،

بطيئة خفيفة،

اتبع أجنحتها الشفافة نحو أماكن سقوط المطر..

حيث الزمن يولد رخوًا، هشًا، ممتلئًا بالضعف الذي منه، تصنع الحياة

اختر من بينها ما يجعلك تطفو فوق العجز عن البُكاء

لتسبح حرًا في دموعك المُعتقلة في زنزانة العجز..

قف قليلًا لتسمع صدى وقع خطوات الصبي الذي كُنته

يتردد جليًا في قلبك

حينما كان يتسكع بصحبة الأغاني القروية، وورود الجبل..

استوقف الفتاة التي هجرتك،

وكن ولداً لطيفًا وقدم لها زهرة بيضاء

كنت أدخرت فيها اللوم،

وأثر التركِ غير المبرر..

أبتسم في وجهها،

ولا تُحدثها عن الندوب التي شوهت روحك..

أقتنص منها ابتسامة، ووعدًا بالبقاء في الذاكرة..

ثُم أستدعي صياحات الديكة،

رائحة الخُبز الطازج في الصباحات الخريفية البعيدة،

حكايا الجدة عن سير الأولين الذين طارت نعوشهم نحو السماء لتستقر في السُحب التي تقطنها الملائكة،

أوردة الذاكرين في حضرات الشيخ "القرشي"،

الفتى الذي اقتسم معك برتقالة وطريقًا مُعتمًا نحو التيه..

استدعهم

وأقرأ لهم قصيدةً لا قافية لها

لم تكُ لتكتب لولا الحنين

وحينما ينجرف تيار الذكريات نحو مصب النسيان،

أفتح عينيك،

سيكون العالم حينئذ مُتشحاً بالأزرق

يُرتل أسفار الفناء.

 

4

كان لديك كل الوقت لتبكي خسارتك

لكنك لم تفعل

نظفت الهواء حولك من عطر السيدة التي أعطتك الخوخ

وأشعلت سيجارة

كانت الأخيرة

ووقفت تضحك..

كُنت تضحك كما لو كان أحدهم

سيسرق كُلّ ضحك العالم

كنت تضحك كما لو كان فَمُكَ سيُباد بقذيفة

المفارقة

أن الجميع كان يبكي

حتى السماء بكت

الله على عرشه أرسل جبرائيل مندوبًا ليبكي نيابة عنه

كان الكون ينتحب

بينما أصداء ضحكك تتردد في شرايين جثته الراكدة

بعد أن دفن الجميع خساراته

بعد أن انتهى الحداد

كان عقابك الأمثل

أن تحيا ملكًا للخسارة

وأن تفقد القدرة على البكاء، والضحك معًا..

5

ليس باستطاعتي ترويض المشهد،

أعجز عن إتمام لغة تليق بالهراء

الهراء الذي أتنفسه كل

تذيعه قنوات التلفاز،

يصيغه الشعراء قصائد..

كنت الولد الجميل

"الذي، لولا المصادفة لكان إلهًا"

وكنت أسرق من الشمس شعاعًا

لأحارب به العفاريت، والظمأ.

 

6

 

فكيف انفلتت مني الحكايا؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيس العجوز

عيد الأعياد