22-مايو-2017

عناصر من تنظيم داعش خلال إحدى مواكبه الاستعراضية (ياسر الخضر/ رويترز)

عادت للواجهة مرًة أخرى الأحاديث عن إبرام اتفاق بين عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المتواجدين جنوب دمشق، وبين النظام السوري، ينص على خروج عناصر داعش إلى مناطق سيطرته شرقي سوريا، بعد أن كان النظام عقد اتفاقًا مشابهًا العام الماضي مع التنظيم، لكنه أُلغي لأسباب غير معروفة، رغم نشر صور حينها تظهر وصول الحافلات حتى تقلهم إلى مدينة الرقة.

وتناقل عدد من النشطاء أمس الأحد، صورة نشرتها صفحة "تنسيقية الثورة السورية في حي القدم الدمشقي" على موقع فيسبوك، تتضمن إعلان التنظيم افتتاح ثلاثة مكاتب في أماكن مختلفة تدعو الراغبين بالذهاب إلى مدينة الرقة لتسجيل أسمائهم، دون أن يذكر أي تفاصيل أخرى متعلقة بموعد إخلاء مناطقه وهي الحجر الأسود ومخيم اليرموك والعسالي والتضامن، جنوبي العاصمة دمشق.

إعلان من داعش للراغبين في الانتقال إلى الرقة

ويأتي هذه الإعلان بعد نحو ثلاثة أيام من شن مقاتلي التنظيم أعنف هجوم لهم على قريتي المبعوجة، وعقارب الصافي بريف "السلمية" شرقي حماة، واللتين تسيطر عليهما قوات الأسد، قام خلالها عناصر التنظيم بارتكاب مجزرة بحق السكان المدنيين أسفرت عن مقتل 80 شخصًا على الأقل، بينهم أطفال ونساء، إضافة لإصابة العشرات، وذلك بعد نحو عامين على تنفيذ التنظيم هجومًا مماثلًا على قرية المبعوجة في نيسان/أبريل 2015 أسفر عن مقتل وإصابة العشرات.

تتناقل أنباء عن إخلاء داعش لمناطق سيطرته جنوب دمشق، بناءً على اتفاق مع النظام السوري

وخسر التنظيم خلال الفترة الأخيرة مساحات واسعة من مناطق سيطرته في ريف حلب، كان أهمها مطار الجراح العسكري بريف حلب الشرقي، إضافة لمجموعة من القرى والبلدات في الريف عينه، رغم محاولات عناصره قطع الإمدادات عن قوات الأسد التي يقودها العميد سهيل الحسين المعروف باسم "النمر"، إذ يحاول التنظيم عرقلة الإمدادات العسكرية باستهدافه طريق "خناصر – أثرية" بشكل متفاوت.

اقرأ/ي أيضًا: حلب وتدمر.. حسابات داعش ومعسكر الأسد

وإن صحت الأنباء المتناقلة حول إخلاء جنوب دمشق من مقاتلي التنظيم، وتليها مقاتلي هيئة "تحرير الشام" المحسوبين على اتفاقية "المدن الأربعة"، والمتوقع خروجهم خلال الأيام القليلة القادمة إلى محافظة إدلب، يكون النظام السوري استطاع تأمين العاصمة دمشق بشكل كامل، وتصبح بالتالي بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم، التي تخضع لنظام الهدنة المسيطر عليها من قبل قوات المعارضة، هي الهدف التالي، رغم محاولات النظام إدراجها ضمن اتفاقيات التغيير الديموغرافي التي يفرضها على المناطق المحاصرة.

ورغم أن النظام السوري لم يصدر أي تصريح رسمي حول صحة الأحاديث المتعلقة بخروج مقاتلي داعش إلى مدينة الرقة، إلا أنه في حال تم تنفيذها فذلك يعطي عدة دلالات، يكون في مقدمتها محاولة حشد التنظيم لأكبر عدد من مقاتليه في مدينة الرقة، نتيجة اقتراب إعلان قوات سوريا الديمقراطية الكردية (قسد)، بشكل رسمي، بدء عملية استعادة الرقة من قبضة التنظيم.

اقرأ/ي أيضًا: عملية الرقة.. هل تحقق حلم أكراد سوريا في الفيدرالية؟

كما أن التنظيم خسر العشرات من مقاتليه قبيل انسحابه من مدينة الطبقة بريف الرقة، زاد عليها قصف مقاتلات التحالف الدولي للمجموعة المنسحبة إلى الرقة، حيثُ برر استهدافه للرتل بعدم حضور ممثل عن التحالف عند إبرام الاتفاق بين "قسد" وداعش، إضافة لأن جيش الإسلام المتواجد في البلدات المحاذية لسيطرة التنظيم، شن هجومًا مفاجئًا السبت الماضي، على إحدى مواقع داعش الواقعة بين بلدتي الحجر الأسود ويلدا، أسفر عن مقتل ثلاثة عناصر للتنظيم، وأسر عنصر آخر.

ويظهر أن ارتفاع وتيرة الاشتباكات بين مقاتلي التنظيم وتحرير الشام في مخيم اليرموك دفعت بالتنظيم إلى إبرام الاتفاق، حتى يستفيد من والعناصر المتبقية في معركة "الرقة" التي تعتبر مفصلية بالنسبة لوجوده، كون خسارة المدينة التي أعلنها عاصمًة لما يُسميها بـ"الخلافة الإسلامية"، يعني بدء العد العكسي لإنهاء تواجده بشكل كامل في سوريا والعراق، بخاصة وأن القوات العراقية قد أصبحت على مقربة من السيطرة على مدينة الموصل.

ويتعرض مقاتلو التنظيم في ريف الرقة لهزائم متتالية، إذ إن الهجوم العنيف الذي تنفذه "قسد" بدعم جوي ولوجستي وعسكري من التحالف الدولي، جعلها على بعد فترة زمنية تقدر باليومين في حال استمر الهجوم بذات الوتيرة من فرض سيطرتها على كامل الريف الشرقي للمدينة، ما دفع بالتنظيم لاستقدام تعزيزات عسكرية من المدينة إليها، إلا أن الغطاء الجوي المكثف، والأسلحة المتطورة التي حصلت عليها "قسد"، قد تسمح لها بتسجيل تفوق في العتاد على مقاتلي التنظيم، رغم أن ماكينته الإعلامية تروج لابتكاره أسلحة متطورة تسمح له بالاستغناء عن العمليات الانتحارية مستقبلًا.

يتعرض داعش لهزائم متتالية في ريف الرقة، بسبب الهجوم العنيف لـ"قسد" المدوعمة بقوة من الولايات المتحدة

أما النظام السوري فإنه خلال تنفيذ عملية الإخلاء لجنوب دمشق من مقاتلي التنظيم، يكون قد استطاع تأمين كامل العاصمة دمشق ومحيطها من ناحية الريف الغربي، وبقي أمامه إضافة لبلدات جنوب دمشق المدرجة ضمن اتفاقية المدن الأربعة، مدن وبلدات دوما وحرستا والنشابية وعربين وكفربطنا، في منطقة "الغوطة الشرقية" المحاصرة، ليكون بذلك استعاد السيطرة على جميع المناطق الخارجة عن سيطرته في دمشق وريفها منذ عام 2012، واستكمل مخطط التغيير الديموغرافي الذي بدأه في آب/أغسطس الفائت.

اقرأ/ي أيضًا: سوريا.. التحالفات الإقليمية ستغير الخارطة العسكرية

ويشكل تأمين دمشق ومحيطها للنظام السوري في هذا الوضع عاملًا مهمًا، إذ يجعله يشن هجومًا واسعًا على مناطق سيطرة المعارضة في محافظة درعا، رغم صعوبة العملية، كون المساحة التي تتواجد فيها قوات المعارضة تجعل قوات الأسد والميليشيات الداعمة لها محاصرة، لكن تأمين دمشق يجعل النظام السوري يشن هجومه دون خوف من تقدم مقاتلي المعارضة إلى مساحات جديدة في العاصمة، على غرار الهجوم الأخير قبل أن يبدأ عملية التغيير الديموغرافي في أحياء دمشق الشرقية. 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

لأجل من قُتلت سوريا؟

سوريا.. هدنة "الحوادث الفردية"