ألترا صوت - فريق التحرير

بدا المشهد في الشرق الأوسط  مساء الإثنين 8 آذار/مارس 2018، كأنه مرتب بعناية مسرحية. أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني، رفقة تهليل إسرائيلي وسعودي، وامتعاض أوروبي، في حين سبقته مجموعة من التجهيزات العسكرية الإسرائيلية، بشكل أساسي على جبهة الجولان، وكأنها تنذر بحرب وشيكة، وأخيرًا قصفت إسرائيل في نهاية اليوم مستودعًا في سوريا، اعتبرته تابعًا لإيران وحزب الله في دمشق. علمًا أن التلويح بالضربة هذه المرة اختلف عن مثيلاتها السابقات بأن سبق التلويح به بشكل شبه علني خلال الأيام التي مضت، وتصاعد الحديث الاستخباري الإسرائيلي عن تحضر مدروس، للرد على ضربة إيرانية محدودة ومنتقاة. 

حقق الانسحاب الأمريكي الأحادي من الاتفاق النووي الإيراني لنتنياهو أقصى ما كان يحلم به لتغذية واقعه الانتخابي داخليًا

كانت التوقعات، خاصة تلك التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، تشير إلى أن واشنطن أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن تقبل بإيران نووية، على غرار نموذج باكستان، أو أن تجر المنطقة إلى حرب. وقد دافع أوباما عن خطوته التاريخية، التي وقع خلالها الاتفاق النووي مع طهران، باعتبار أنها الخيار الثالث الوحيد لتجنب الوقوع في الخيارين المذكورين، الذي يخسره ترامب الآن، بينما كان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، منتشيا مع قرار الإدارة الأمريكية الجديدة، مشيرا بكلتا يديه إلى البيت الأبيض، ليقول الإسرائيليون: لقد كنت على حق.

اقرأ/ي أيضًا: كيف ساعدت واشنطن النظام الإيراني على التحكم بالإنترنت؟

كان نتنياهو وما زال عراب الهوس الإسرائيلي بإيران، وقد حذر منذ 25 عامًا، عندما كان عضو كنيست عن الليكود، في مقالة صدرتها صحيفة يديعوت أحرنوت، من القوة النووية الجديدة، التي يجب ردعها قبل فوات الأوان.  تعرف الحكومة الإسرائيلية، وعلى رأسها نتنياهو، أن ما حدث ليس إنهاء للملف الإيراني، ولا حتى تجميدًا لخطورته، وقد أكد نتنياهو في غير مرة على ذلك، وقال إنه لا يرسم صورة وردية للإسرائيليين، "لكننا مستعدون لأي سيناريو، بما في ذلك المواجهة".

أراد "بيبي" أن يظهر واثقًا، وكأنه يعرف مسبقًا ماذا سيقول ترامب. وفعلًا، كان ما قاله في الأيام الماضية مشابهًا لما خرج به الرئيس الأمريكي أمس، من أن الاتفاق النووي لا يردع حصول إيران على قنبلة نووية، وأن التسامح مع طهران سيشجع دولًا أخرى في الشرق الأوسط على هذا النوع من التسلح. وكذلك، فإن موقف الليكود يمثل شيئًا من الإجماع داخل إسرائيل، وكان من الصعب لكثير من المعارضين، حتى الطامحين بالسلطة بعد انتكاسات نتنياهو المتتالية، أن يعبروا عن موقف مختلف. وفي تصريحات لزعيم حزب العمل، نقلتها صحيفة هآرتس، بدا آفي غاباي مضطرًا للتأكيد على خطر إيران، وقال "إننا لن نسمح لإيران بالحصول قدرات نووية"، ما يشكل إشارة مرجعية إلى مدى استحضار إيران في خطاب صنع الأعداء "الإسبارطي" المعتمد إسرائيليًا.

سيشكل انسحاب ترامب من الاتفاق النووري الإيراني مادة خصبة للوبيات إسرائيل في واشنطن للدفع تجاه مواقف تصعيدية أكثر مستقبلًا

ليس من المفهوم بالضبط ماذا ستكون غنائم إسرائيل من خطوة البيت الأبيض المثيرة للجدل، لكن الواضح، أن نتنياهو هو بين أكبر الفائزين، على صعيد المستوى الانتخابي الداخلي على الأقل. ففي هذا المشهد المرسوم بعناية، يخرج إلى الجمهور الإسرائيلي بصورة الرجل القوي والسياسي الحكيم، والقائد صاحب الإجماع، ويتفادى أزماته الداخلية، التي يرتبط معظمها بالفساد وسطوة زوجته سارة نتنياهو على ملفات حكومية شائكة، أو يؤجلها على الأقل. في موازاة ذلك، كان ما حدث خدمة كبيرة للدعاية اليومية في إسرائيل، عن نجاحات أجهزة الاستخابرات الخارقة، التي استطاعت أن تجمع معلومات "تفصيلية" بخصوص نية إيران في مواصلة مشروعها النووي، وإن كانت فرنسا قد قرعت هذا التباهي بقولها أن المعلومات معلومة لديها منذ 2002.

لكن السؤال الذي يطرح بخجل عبر افتتاحيات بعض الصحف الإسرائيلية غير الصديقة لنتنياهو، هو عن تأثير إلغاء الاتفاق النووي على إسرائيل نفسها، وليس على إدارة الليكود المهزوزة.

اقرأ/ي أيضًا: ما هي فرص استمرار التحالف الروسي الإيراني بعد انتهاء الحرب السورية؟

خلال الشهور الأخيرة، قصفت إسرائيل مواقع عسكرية إيرانية في سوريا أكثر من مرة. وفي شباط/فبراير، أسقطت إسرائيل طائرة بدون طيار إيرانية، وهاجمت مركز قيادة الطائرات بدون طيار الإيراني في قاعدة تي 4 الجوية في سوريا، وفي الأيام الأولى من نيسان/ أبريل، ضرب الجيش الإسرائيلي القاعدة الجوية مرة أخرى، ما تسبب بمقتل ثلة من جنود الحرس الثوري الإيراني، وفي الـ29 من نفس الشهر، هاجمت إسرائيل مواقع عسكرية إيرانية أيضًا في سوريا.

شكل انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني مادة تصفيق مشتركة بين نتنياهو ومحمد بن سلمان، لاستنادهما على استعداء إيران في مختلف مستويات خطابهما

لم يكن هناك رد إيراني، لا مباشرة ولا من خلال وكلاء إيران في المنطقة، على غرار حزب الله، وقد كان مفهومًا أن طهران التي تسيطر على أربع عواصم عربية، ليست معنية بالرد، وأنها تدرك الأوضاع السياسية والاستراتيجية التي ليست من مصلحتها، أقلها أن انتخابات لبنان التي كرست الثنائي الشيعي أخيرًا، لم تكن قد انتهت بعد. لكن الأهم، أن الاتفاق النووي، وحرصها على كسب موقف الدول الأوروبية في مواجهة ترامب، حالا دون رد حقيقي، وعدم تصعيد التضارب المصلحي، أقله إعلاميًا، مع الكرملين في سوريا، حد من أي إمكانية إيرانية للتصعيد باتجاه إسرائيل ورسم أي حالة ردع وبناء توازن كالتي استمرت الأوساط الاستخبارية الإسرائيلية في تنبؤها.

في المحصلة  يعني ذلك، أن انهيار الاتفاق النووي سيحيل بالضرورة إلى حرب، فالأمور معقدة أكثر ولا تختص بترامب أو نتنياهو وحدهما، لكن الجلي، أن قدرة إسرائيل على المناورة بنفس الطريقة، وتوجيه ضربات خاطفة إلى الأهداف الإيرانية، مع اطمئنان شبه كامل لغياب الرد، لن يدوم كثيرًا. وقد تكون ضربة أمس، حركة جس النبض الأخيرة. أو ربما ستشكل عتبة العبور إلى شكل أكثر تعقيدًا من الاشتباك الهجين، بما في ذلك الهجمات الإلكترونية والعمليات الاستخبارية الجراحية. 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

العملية كاسندرا.. كيف قايضت واشنطن مخدرات حزب الله بالاتفاق النووي الإيراني؟

أمريكا تهدد وإيران تتوعد وأوروبا تحبس أنفاسها.. فما مصير الاتفاق النووي؟