14-يونيو-2020

لم يفلح النظام في قمع التطلع السوري إلى الكرامة والحرية (فيسبوك)

كان أجدادنا عندما يتخطى أمر أو حدث ما الواقع المألوف، ويتعدى القدرة على الاحتمال يطلقون قولهم المأثور "لقد بلغ السيل الزبى"، مع ما يحمله من نفاذ صبر وغضب وتهيؤ لرد فعل يناسب المقام، وبقي هذا المأثور الشعبي بمثابة المعيار الذي يحكم العلاقة بين الفعل ورد الفعل، إلى أن جاء أداء النظام السوري، الذي وسم سلوكه ضد السوريين من الجنوب إلى الشمال ومن شرق البلاد إلى غربها، حيث اجتاح سيل الحطام والقتل والانهيار الاقتصادي والاجتماعي الزبى السورية وأغرقها وحول السوريين الى أكياس لتلقي لكمات ما بعد الحطام.

 الأعذار والتبريرات التي ساقها النظام لإحداث الشروخ العميقة في الجسد السوري لم تفلح بإنهاكه وإظهاره بلا روح، وبلا فعل

 الأعذار والتبريرات التي ساقها النظام لإحداث الشروخ العميقة في الجسد السوري لم تفلح بإنهاكه وإظهاره بلا روح، وبلا فعل. الأرواح السورية في كل البلاد تنعش بعضها البعض وحبل السرة الممتد من السويداء ودرعا جنوبًا الى إدلب والرقة شمالًا، ومن دير الزور شرقًا إلى الحفة واللاذقية لم ينقطع يومًا.

اقرأ/ي أيضًا: "هذا زمان آخر".. احتجاجات السويداء تتوسع رغم التعزيزات الأمنية

تنتفض السويداء على الأسد اليوم وتعيد لحبل السرة تدفق الكرامة مجددًا،  ومن يحاول تصوير ثورة مدينة السويداء على أنها قفز بالهواء لا حفر في الواقع، هو ذاته الذي وجد في ثورة السوريين كلها خارج المألوف، والمألوف هنا نظرة استكانية وقدرية في ظل حكم الأسد، والاتهام في موقع الدفاع والعجز عن انتزاع المبادرة بالمعنى السياسي والجماهيري لم يغب. هذه الحقيقة من الخطأ التغافل عنها أو تمويه النقاش بصددها من خلال رفع الصوت واقتصار الحديث عن مأزق المعارضة أو الأقليات التي لعب على وترها النظام، وفشل بعد تسعة أعوام من تسويق رتابة الانهيار الشامل بسيطرة وحشية ونصر على السوريين، يفضي بأحسن أحواله للعودة مجددًا للثورة والمطالبة بإسقاط النظام

قبل العام 2011، كانت أسباب الثورة البديهية المعروفة ضد نظام الاستبداد والقمع والقهر ونظام الفساد والوظيفة تقود لبداهة اندلاع ثورة ضد نظام متشعب في سطوته الأمنية والاقتصادية. بعد تسعة أعوام من الثورة ونصف قرن من الأسباب التي أضافت لها الثورة السورية ملايين الأسباب، القاضي أبسطها بمحاكمة النظام وأركالنه كمجرمي حرب، وبجرائم الإبادة الجماعية ضد الإنسانية، فما بالنا اليوم مع التردي الشامل للانهيار على مستويات عميقة، لن ينفع معها الترقيع والتقطيب لحلة النظام المهترئة، ولم تعد تنفع الشعارات والبرامج والخطط التي باتت محل تندر واستهزاء في صفوف حاضنته "الشعبية"، ولا سياسة تبديل القبعات والوجوه التي يحركها نظام مستبد يمكنها حل أبسط المشكلات التي تواجه المجتمع السوري، بالاعتماد على منظومة قاتلة وفاسدة وفاشلة في التجريب منذ أكثر من خمسة عقود لنظام ذي نزعة أمنية وعسكرية صرفة، بالتعامل مع تحديات المجتمع وتطوره الطبيعي.

في ثقافة النظام السوري يظهر ترادف بين التصريحات والأفعال فقط حين يتعلق الأمر بقمع السوريين، وتظهر الحيرة والارتباك بين الفعل ورد الفعل على ما يدعيه من مواجهة للعدو أو المؤامرة "الكونية". هذه الحيرة ليست ضريبة كلامية وشعاراتية بقدر ما كانت قاسمًا مشتركًا للمهمة الهامة الموكلة لوظيفة النظام الأساسية نحو ترسيخ هزيمة المجتمع السوري أمام مطالبه في الحرية والعدالة والمواطنة و الكرامة  الإنسانية. وفي ثقافة المجتمع السوري الذي نستطيع القول إنه ناجٍ اليوم من هاوية الفتنة والتذابح التي رسم خطها النظام، يعيد السوريون بلورة التناقضات مع الأسد، وقد تكثفت عيانيًا أمامهم بجملة التفريط بحياة ملايين السوريين وبمقدراتهم الاقتصادية والاجتماعية وبالسيادة الوطنية.

انتفاضة السويداء أو ثورة أبنائها، صورة للبدايات والنهايات الحتمية في الحفر العميق بواقع السوريين للخلاص من حكم الأسد، وتعرٍ للحقائق الدامغة بأن سيطرة الأسد ودعمه من قوى الاحتلال المختلفة على الأرض السورية لن يحمي أبدًا الطاغية المتزعزع والمهزوز أصلًا قبل قانون قيصر. كل سوري بات قيصرًا في حكمه على نظام الأسد وقوانين البقاء والولوج إلى سوريا المستقبل، تقبل عصرها دون الأسد، وتلك ضرورة الحرية والمواطنة والكرامة، وهي بديهيات مغادرة الأسد وحلفائه لأساطير البقاء فوق صدور السوريين، والسيل والزبى لن يوقفان مجرى التاريخ.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تظاهرات في السويداء تطالب الأسد بالرحيل.. ما علاقة قانون قيصر بذلك؟