02-سبتمبر-2018

مشهد عام من بلدة موريتانية (دافيد دينغر/Getty)

تشهد موريتانيا مخاضًا انتقاليًا عسيرًا عشيّة انتخابات أيلول/سبتمبر 2018، البرلمانية والبلدية والجهوية. وتأخذ الاستحقاقات الحالية أهميتها من كونها تجعل البلد في مفترق طُرق بين خيارين لا ثالث لهما؛ خيار الانتقال الديمقراطي السلس، الذي يضع الدستور الموريتاني الحالي أُسُسَ ضماناته النظرية على الأقل؛ وخيار العودة لمربع الانقلابات العسكرية، إذا قرّر الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الذهاب إلى إجراء استفتاء شعبي لتغيير مواد المأموريات الرئاسية المحصّنة دستوريًا من التعديل.

تكتسب الانتخابات المحلية الموريتانية خصوصية بالغة، نظرًا للسياق الذي تأتي فيه، وهو سياق انتقالي مفتوح على كل الاحتمالات

حيث تُلزم مواد المأمورية في الدستور رئيس البلاد بإمضاء مدةٍ رئاسية لخمس سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة. كما يتضمن اليمين الرئاسي، الذي يُقسمه الرئيس، تعهّدًا واضحًا بعدم مراجعة مواد المأمورية تحت أي ظرف من الظروف.

والدستور الموريتاني الحالي يُعتبر تسوية من التسويات الرئيسية، التي قادت إليها أزمة الإطاحة بأوّل رئيس مدني منتخب هو سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، عام 2008، من طرف الرئيس الحالي، الجنرال السابق، محمد ولد عبد العزيز، الذي وصل بعد ذلك إلى سدّة الرئاسة كرئيس منتخب عام 2009، بعد حوارات ماراثونية أُجريت في الجارة السنغال بين المعارضة وموالاة الانقلاب.

لماذا تعد انتخابات 2018 محطّة فارقة؟

لم تكن الانتخابات التشريعية والبلدية ذات أهمية كبيرة في رسم معالم وجه موريتانيا السياسي، نظرًا للأحادية الحزبية سابقًا، ونظرًا للمعادلات المحلية "الْمَشْيَخِيَّة والقَبَلِيّة" التي تتحكّم في تفاصيلها الدقيقة، إذ يتم تفصيل الترشيحات ونتائج الانتخابات على مقاس التوازنات والتحالفات القبليّة، هذا فضلًا عن حجم التزوير والتلاعب بإرادة الناخبين في ظل الإشراف الكامل لوزارة الداخلية على الانتخابات، قبل تأسيس لجنة وطنية مستقلة تتولى الإشراف عليها في عام 2011.

اقرأ/ي أيضًا: تعديلات ولد عبد العزيز الدستورية.. الشارع الموريتاني يرفض عبث الرئيس

 ولذلك ظل تركيز القوى السياسية الحية في موريتانيا منصبًّا دائمًا على الانتخابات الرئاسية، والتغيير الذي يحصل من أعلى خاصة مع الانقلابات العسكرية، التي تنال موريتانيا منها نصيب الأسد عربيًا بمعدل 9 انقلابات بين انقلابات ناجزة ومحاولات انقلابية فاشلة.

لكن الانتخابات المحلية الحالية تكتسب خصوصية بالغة، نظرًا للسياق الذي تأتي فيه، وهو سياق انتقالي مفتوح على كل الاحتمالات، من المتوقع أن ترسم نتائج الانتخابات الحالية جانبًا كبيرًا من ملامحه. ونظرًا أيضًا لحجم المشاركة الشعبية والحزبية، حيث انخرطت كل الأحزاب الفاعلة "الإسلامية واليسارية والقومية واللاّمصنفة أيديولوجيًا" في السباق الانتخابي، بعد أن قاطع جُلُّها انتخابات 2013 التشريعية والبلدية ما عدا حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل"، المحسوب على الإخوان المسلمين، والذي تمكّن من دخول البرلمان كثاني كتلة بعد الحزب الحاكم، "حزب الاتحاد من أجل الجمهورية"، ويعدّ اليوم في الانتخابات الحالية أكبر منافسيه.

نتائج الصندوق ستحسم مصير "ربيع" موريتانيا الديمقراطي

ستبدد النتائج التي ستسفر عنها الانتخابات، كثيرًا من غيوم التوقعات المتضاربة حول ما ستكون عليه الانتخابات الرئاسية سنة 2019، التي تطرح تحدّيًا حقيقيًا أمام "الديمقراطية الموريتانية" الوليدة. ففي ظل وجود رأي عام رافض لترشح الرئيس الحالي لمأمورية ثالثة، يمنعها الدستور الحالي، في مقابل مسعى حقيقي لدى الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ومن ورائه دعم مفترض من المؤسسة العسكرية وبعض قادة حزبه، للتمسك بمقعده والترشح لمأمورية ثالثة عبر تغيير الدستور، في ظل كل تلك التوقعات والتجاذبات يُصبح مستقبل الانتقال الديمقراطي الموريتاني في خطر محدق يُهدد بالنكوص إلى مربع الحكم الاستبدادي.

فجميع السيناريوهات المطروحة حاليًا مُربكة لمصير الانتقال الديمقراطي الموريتاني، وجميعها أيضًا مرتبط أشد الارتباط بنتائج الانتخابات الحالية. فحصول الحزب الحاكم على أغلبية مريحة في البرلمان سيجعل مسألة تغيير الدستور، للسماح بترشح محمد ولد عبد العزيز، مسألة وقت؛ وعدمُ حصوله على تلك الأغلبية المريحة سيجعل الذهاب إلى استفتاء دستوري شعبي مسألة واردة، وهو ما يعني معركة "كسر عظم" حقيقية قد لا تخرج منها البلاد أحسن حالًا سياسيًا، في ظل مصادر الخطر التي تهددها أمنيًّا، وفي ظل هشاشة قواعد اللعبة السياسية في موريتانيا. أما عجْز الحزب الحاكم عن الحصول على أغلبية بسيطة في البرلمان والانتخابات الحالية، فسيقود إلى أمرين اثنين، أولهما تراجع الرئيس الحالي عن أطماعه بمأمورية رئاسية ثالثة وهو ما يخدم الانتقال الديمقراطي في البلاد. وثانيهما لجوء الرئيس إلى مجموعته العسكرية التي أوصلته إلى سدّة الحكم، لفرض سياسة الأمر الواقع بقوة المؤسسة العسكرية، وفي هذه الحالة تعود البلاد إلى مربع الانقلابات العسكرية، وهذا السيناريو غير مأمون النتائج.

جميع السيناريوهات المطروحة حاليًا مُربكة لمصير الانتقال الديمقراطي الموريتاني، وجمعيها أيضًا مرتبط أشد الارتباط بنتائج الانتخابات الحالية

 

فيما يتحدث بعض المحللين عن سيناريو ثالث أسموه "سيناريو بوتين - مدفيدف"، يحكم من خلاله الرئيس الحالي من وراء قناع، عبر ترشيح وجهٍ سياسي من بين أعضاء حزبه أو من رفقائه من بين الضبّاط المتقاعدين؛ غير أن ذلك لا يبدو مرجحًا في ظل ما عبّر عنه الرئيس محمد ولد عبد العزيز، من سعي نحو تجديد الحُكم لنفسه حال حصول حزبه على الأغلبية المطلوبة في الانتخابات الحالية، وفي ظل الحديث أيضًا عن إمكانية متابعته قضائيًا في عدد من الملفّات، وفي ظلّ الخصومات السياسية التي جرّها على نفسه مع قطاع واسع من الطيف السياسي الموريتاني ومع عدد من رجال الأعمال الفاعلين في المشهد الموريتاني.

 

اقرأ/ي أيضًا:

موريتانيا.. الراب في مواجهة النظام

استمرار اعتقال محمد ولد غده.. رسالة النظام الموريتاني لتهديد المعارضة