07-مايو-2018

دعاية انتخابية على ضفاف الضاحية الجنوبية في بيروت (جوزيف عيد/أ.ف.ب)

حُدّدت الساعة السابعة من مساء أمس الأحد، موعدًا لإقفال صناديق الاقتراع في الانتخابات اللبنانية التي أجريت لاختيار 128 نائبًا لتشكيل البرلمان الجديد، خلفًا لبرلمان 2009 الذي كان قد مدّد لنفسه مرتين. إلا أن تدني نسبة الإقبال على الاقتراع دفعت عددًا من أحزاب السلطة إلى المطالبة بتمديد الوقت المحدد ساعة واحدة أو اثنتين. وهو ما طلبه بشكل علني نائب أمين عام حزب الله، الشيخ نعيم قاسم على سبيل المثال، بعد إدلائه بصوته في بيروت.

 استخدمت كل أنواع التجييش لحث الناس على النزول إلى مراكز الاقتراع في الساعات الأخيرة

وقد استخدمت كل أنواع التجييش لحث الناس على النزول إلى مراكز الاقتراع في الساعات الأخيرة، وصولًا إلى توجيه رئيس الجمهورية، ميشال عون، رسالة متلفزة لحض اللبنانيين على ممارسة حقهم. وقد أتت الحملات هذه أكلها، فازدحمت مراكز الاقتراع في الدقائق الأخيرة، الأمر الذي أخر عملية إقفال الصناديق لعدة ساعات وبالتالي أخّر ظهور النتائج حتى ساعات الليل المتأخرة، وامتدت إلى صباح الإثنين في بعض المراكز.

بلغت نسبة الإقتراع حوالى 49% وهي أقل من نسبة الاقتراع في 2009، أي أن اكثر من نصف الناخبين بقليل لم يأبهوا برمة الأمر، وهو تدنٍ يعزوه البعض الى تململ ويأٍس  لدى اللبنانيين، فيما يرى آخرون أنه تقاعس وتخلٍ عن المسؤولية، خاصة في ظل اعتماد القانون النسبي للمرة الأولى، وبالتالي فإن الفرصة كانت متاحة لإيصال رسالة في وجه السلطة.

اقرأ/ي أيضًا: الانتخابات البلدية اللبنانية.. "مكانك راوح"

بالنتيجة، اختار اللبنانيون مجلسهم الجديد، من دون أن تكون كلمة جديد دقيقة كل الدقة، فمعظم نواب مجلس 2009 أعيد انتخابهم مرة أخرى، بينما ورّث بعض النواب مقاعدهم إلى أبنائهم، كوليد جنبلاط وسليمان فرنجية وأحمد فتفت. وإذا كانت أحزاب السلطة قد نجحت في اكتساح السواد الأعظم من المقاعد، فإن المعارك الحقيقية كانت عمليًا بين هذه الأحزاب، في ظل ضعف تأثير المستقلين ولوائح المجتمع المدني، لأسباب كثيرة أهمها قلة الإمكانيات وسوء إدارة العملية الانتخابية وتوحيد الجهود. وقد جرت الانتخابات للمرة الأولى في ظل القانون النسبي، وتبادلت الأحزاب الرئيسية المقاعد والحصص والأحجام فيما بينهما.

استخدم الثنائي الشيعي المتمثل بحزب الله، والذي كان قد أعلن أسماء مرشحيه في وقت مبكر جدًا، شتى الطرق للوصول إلى النتيجة الكاملة: أي الفوز بـ27 مرشحًا شيعيًا من أصل 27، فبرزت كل أشكال التجييش المذهبي والطائفي واستخدام الإسقاطات الدينية والسياسية. نجح الثنائي في حصد 26 مقعدًا في النهاية، بعدما خسر فقط  مرشحهم حسين زعيتر في جبيل –كسروان.

أما حزب القوات اللبنانية والذي يرأسه سمير جعجع، فقد خاض الانتخابات ببراعة وحنكة، وعرف جيدًا كيف ينسج تحالفاته بما يوافق مصالحه الانتخابية. وتشير النتائج شبه الرسمية إلى فوز القوات بـ 15 مقعدا كاملًا، وهو رقم كبير جدًا لم يتوقعه أكبر المتفائلين. وعلى المستوى النوعي، نجح القواتيون في خرق لائحة حزب الله – حركة أمل وحلفائهم في بعلبك وأوصلوا مرشحهم انطوان حبشي، كما حققوا أرقامًا عالية في جبل لبنان وفي زحلة وفي بيروت.

جرت الانتخابات للمرة الأولى في ظل القانون النسبي، وتبادلت الأحزاب الرئيسية المقاعد والحصص

أما التيار الوطني، فبالرغم منه أنه نجح في تأمين 20 مقعدًا تقريبًا، إلا أن الآمال كانت أكبر لديه، خاصة وأنه تيار العهد ويمتلك زمام السلطة، وبيده مقادير الحكم، وبالتالي فإن العونيين لا يشعرون بالرضا التام عن النتائج. الشيء الإيجابي بالنسبة لهم هو نجاح رئيس التيار والرجل الأقوى فيه، جبران باسيل، في الوصول إلى الندوة البرلمانية بعدما فشل في ذلك في الدورتين السابقتين.

اقرأ/ي أيضًا: تشريح جيسيكا عازار على مذبح الانتخابات اللبنانية.. لهو ذكوري على هامش السياسة

وبخصوص تيار المستقبل، فقد كان الخاسر الأكبر في الانتخابات، رغم تحصيله هو الآخر ما يقارب العشرين مقعدًا هو الآخر. فالتيار الأزرق الذي يرأسه سعد الحريري رئيس الحكومة، خسر كثيرًا من المقاعد في بيروت، عاصمة لبنان ومعقل الحريرية السياسية. كما أمن القانون النسبي لخصوم الحريري في طرابلس وصيدا مقاعد عديدة، فنجيب ميقاتي حصل على 4 مقاعد في طرابلس، ما سيعيده إلى الواجهة بقوة، كذلك نجح فيصل عمر كرامي وأسامة سعد، أخصام الحريرية السياسية في الوصول إلى الندوة البرلمانية. الانتصار الكبير الوحيد للمستقبل كان اكتساحه مقاعد عكار، فيما برزت على صعيد الساحة السنية، الخسائر الكبرى التي منيت بها لوائح اللواء أشرف ريفي كلها، وفشله في إيصال أي مرشح.

لم تحصل مفاجآت  كبيرة في الانتخابات، إلا أن كبراها أتت من بيروت الأولى، حيث نجحت لائحة المجتمع المدني المستقلة في الظفر بمقعدين، من خلال فوز الإعلامية بولا يعقوبيان، والصحفية جمانة حداد. التجربة المستقلة هذه، ووصول سيدتين الى الندوة أثارت انتباه وإعجاب عدد كبير من المتابعين.

لم تحصل مفاجآت  كبيرة في الانتخابات، إلا أن كبراها أتت من بيروت الأولى

من النتائج الملفتة أيضًا كانت فوز رئيس حزب الكتائب سامي الجميل بعد تحقيقه لرقم عالٍ جدًا في المتن، كذلك فوز النائب السابق ميشال مر، فيما برزت خسارة كل من الوزير السابق وئام وهاب، والنائب بطرس حرب الذي لم يغب عن المجلس منذ عام 1972.

أقفل إذًا ملف الانتخابات فيما يستعد المجلس المنتخب لانتخاب رئيس جديد له، وسيكون نبيه بري بطبيعة الحال في حال لم تحصل معجزة، ثم سيسمي النواب رئيسًا للحكومة الجديدة، وسيكون سعد الحريري غالبًا، وسيخفت الخطاب الطائفي الذي انتشر في الأشهر الأخيرة، وستعود لغة صفقات المحاصصة وتقاسم قالب الجبنة الكبير، فيما سيعود الشعب إلى الندب واللطم، وسب الطبقة السياسية وتحميلها مسؤولية مشاكله الاقتصادية والاجتماعية، رغم أنه هو من أعطاها ثقته مرة أخرى.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الانتخابات النيابية اللبنانية.. انسحابات بالجملة وتحالفات الأعداء!

الانتخابات النيابية اللبنانية.. الإقطاع السياسي في مواجهة المواطنة!