21-فبراير-2020

ليست الانتخابات الإيرانية أكثر من مجرد "تعيينات" بإمرة السلطة الدينية (أ.ف.ب)

ألترا صوت – فريق التحرير

توجه الناخبون الإيرانيون للتصويت على الانتخابات البرلمانية التي بدأت يوم 21 شباط/فبراير الجاري، في ظل أجواء يغلب عليها حالة من عدم اليقين لمشاركة نسبة كبيرة من الإيرانيين في الانتخابات، بعد رفض السلطات لمئات الطلبات المقدمة من المرشحين الإصلاحيين، وموافقتها على المرشحين المحافظين والمتشددين المتوافقين بوجهات نظرهم مع سياسة الحرس الثوري الإيراني، وسط حث الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي للناخبين على المشاركة في عملية الاقتراع بوصفها "واجب ديني"، ما تلاه تمديد لفترة التصويت، تحت مبرر تزايد الإقبال.

لا تشير القوائم الانتخابية لوجود منافسة تذكر من الإصلاحيين على مقاعد البرلمان، وسط أجواء وصفها المسؤول السابق مصطفى تاج زاده بأنها عبارة عن "تعيينات" تتم بإمرة من الزعيم الإيراني الأعلى

ويعلق المسؤولون الإيرانيون آمالهم على أن تشهد الانتخابات البرلمانية نسبة إقبال مرتفعة، نظرًا لتفاقم الصراع الدبلوماسي مع واشنطن في منطقة الشرق الأوسط، ما كاد أن يقود في مرحلة متطورة لصراع عسكري، ويمثل الإقبال الواسع على مراكز الاقتراع بالنسبة للمسؤولين الإيرانيين نصرًا في سياق الصراع الناشب مع واشنطن، غير أن التوقعات لا تسير كما يريد الإيرانيون نتيجة سماحهم لأسماء من التيارين المتشدد والمحافظ، مقابل منع الإصلاحيين للانتخابات البرلمانية.

اقرأ/ي أيضًا: بين ترامب وخامنئي.. خطوات إيران "الواثقة" نحو الهاوية

وبحسب وكالة رويترز فإن التوقعات تتحدث عن مشاركة قرابة 60 بالمائة من الإيرانيين في الانتخابات الحالية، ويحق لـ58 مليون من أصل 83 مليون إيراني التصويت، وبالمقارنة مع الانتخابات الماضية التي سيطر فيها الإصلاحيون على البرلمان الإيراني، بلغت نسبة التصويت 66 بالمائة، وكانت أعلى نسبة تصويت شارك بها الإيرانيون في عام 1996 بنسبة 72 بالمائة تقريبًا، فيما كانت أدنى نسبة مسجلة في عام 2004 بنسبة 52 بالمائة.

نسبة إقبال الإيرانيين على الانتخابات البرلمانية منذ عام 1980 المصدر: (The National)

وكان ائتلاف الرئيس الإصلاحي حسن روحاني وحليفه الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني قد حققا مكاسب كبيرة بالانتخابات البرلمانية في عام 2016، بعدما حصلوا على 95 مقعدًا مقابل 103 مقعد للمحافظين من أصل 290 مقعدًا، يضاف إليها 15 مقعدًا في مجلس الخبراء عن مدينة طهران، ما جعلهم يملكون 120 مقعدًا في البرلمان دون أن يحققوا الأغلبية الكاملة.

توزع القوى والنواب للانتخابات البرلمانية التي جرت في عام 2016 المصدر: (The National)

حصر المنافسة بين الموالين للزعيم الإيراني الأعلى

مجلس صيانة الدستور الذي يشرف على جميع الانتخابات ويقوّم المترشحين الذين يريدون المنافسة في انتخابات البلاد المختلفة، اتخذ سلسلة من الإجراءات منعت الإصلاحيين أو الموالين لهم بالإضافة لأسماء محافظة بارزة من الترشح للانتخابات الجارية، الأمر الذي أبقى المنافسة منحصرة بين المحافظين المتشددين ومرشحين آخرين يدينون بالولاء لخامنئي.

ويعرف عن المحافظين في إيران تأييدهم لحكم رجال الدين – النظام القائم حاليًا في البلاد – غير أن التيار المحافظ المعتدل يدعم بشدة انفتاح طهران على العالم الخارجي، ويطالب بمنح المزيد من الحريات السياسية والاجتماعية على نطاق واسع، وكان للرئيس روحاني دور كبير خلال الأعوام الماضية بتوقيع الاتفاق النووي الإيراني مع إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، قبل أن تعلن إدارة دونالد ترامب انسحابها من الاتفاق من جانب أحادي.

وقامت لجان انتخابية تحت إدارة الحكومة الإيرانية بفحص أوراق الذي يريدون ترشيح أنفسهم للانتخابات الحالية، وبعد تحويل أوراق المرشحين لمجلس صيانة الدستور الذي يشرف عليه المحافظون للبحث بمدى التزامهم بتعاليم الإسلام، وقناعتهم بمبدأ ولاية الفقيه والجمهورية الإسلامية، سمحت لما يزيد على 7500 ألف مرشح بالتنافس من بين أكثر من 16 ألف مرشح تقدموا بأوراقهم، وكان من بين الأسماء الممنوعة 80 بالمائة من نواب حاليين عن التيار الإصلاحي.

وفي ظل عدم السماح للإصلاحيين أو المحافظين المعتدلين المشاركة بالانتخابات البرلمانية، أصبحت المنافسة على مقاعد البرلمان محصورة بين أربعة تيارات هي:

  • تحالف قوى الثورة الإسلامية: وهو أكبر ائتلاف انتخابي يجمع بين المحافظين المتشددين، وأفراد سابقين في الحرس الثوري وقوات الباسيج، بالإضافة لأسماء أخرى يعرف عنها جميعها ولاؤها لخامنئي.
  •  الأصوليون: وهم المحافظون الذين يصفون أنفسهم بأنهم سياسيون يتحركون وفقًا للمبادئ بسبب ولائهم لقيم الثورة الإسلامية وخامنئي، ويختلفون عن المحافظين المتشددين بأنهم أقل عداءً للغرب.
  • جبهة ثبات الثورة الإسلامية: يعتبر هذا التحالف أقصى ما وصل إليه التيار الأصولي الإسلامي في إيران، وله صلات بأحد أكثر الشخصيات تشددًا داخل المؤسسة الدينية في البلاد، والمقصود هنا عالم الدين الشيعي وعضو مجلس الخبراء آية الله محمد تقي مصباح يزدي.
  • حزب القائمين على البناء: وهو مؤلف من شخصيات تكنوقراط تدعم قيم الثورة الإسلامية، لكنها تطالب كذلك بالتغيير الاجتماعي والسياسي، غير أن منع مجلس صيانة الثورة الغالبية منهم من الترشح للانتخابات الجارية، جعلهم يشكلون قائمة من 30 اسمًا مع الأحزاب الصغيرة المعتدلة.

لكن التيار المحافظ المعروف أيضًا باسم "المناصرين" بسبب تأييدهم الكامل لسياسة السلطة الإيرانية العليا، يشتهر بمعاناته للكثير من الانقسامات في صفوفه، ولطالما فشلت محاولاتهم المستمرة للاتحاد، فضلًا عن ندرة قدرتهم على تشكيل تحالفات يتفقون فيها على مرشح رئاسي واحد، وعادة ما تكون هذه الانقسامات الرئيسية بين التكنوقراط والأيديولوجيين أو الشخصيات المستقطبة مثل الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، أو رئيس بلدية طهران السابق محمد باقر قاليباف.

تفاقم الضغوط الداخلية والخارجية على السلطة الدينية

تأتي الانتخابات الإيرانية في مرحلة تواجه فيها طهران المزيد من الضغوط سواءً على الصعيد الداخلي أو الخارجي، والتي تفاقمت بشكل كبير خلال الأشهر الماضية عندما اندلعت احتجاجات شعبية في مدن مختلفة بسبب قرار زيادة أسعار الوقود، متأثرةً بسياسة العقوبات الاقتصادية القصوى التي أعادت فرضها الإدارة الأمريكية.

وحاولت السلطات الإيرانية احتواء الاحتجاجات الشعبية باستثمارها مقتل قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني بغارة جوية أمريكية، إلا أن الرد الإيراني على مقتل سليماني الذي أدى لإسقاط طائرة الركاب الأوكرانية ما أودى بحياة أكثر من 170 شخصًا كان على متنها، ونفي الحرس الثوري مسؤولية إسقاطها، قبل أن يعلن لاحقًا مسؤوليته عن إسقاطها بصواريخ إيرانية لاعتقاده أن الطائرة "صاروخ سكود"، جدد الغضب الشعبي ضد السلطات الإيرانية، ووصل لأقصى درجاته بمطالبة المحتجين الزعيم الإيراني الأعلى بالاستقالة.

ولأول مرة منذ ثمانية أعوام وجد خامنئي نفسه مضطرًا للظهور في خطبة الجمعة في منتصف كانون الثاني/يناير الماضي، مهددًا واشنطن بنقله المعركة إلى خارج حدود إيران، دون أن يعتذر عن إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية التي كان غالبية ركابها إما إيرانيون أو من أصول إيرانية يحملون جنسيات أخرى، وعلى عكس ذلك حث الإيرانيين على إظهار الوحدة بإقبالهم على الانتخابات، وقبل بضعة أيام جدد خامنئي مطالبة الإيرانيين المشاركة بالانتخابات، مشددًا على أن "التصويت ليس فقط مسؤولية ثورية ووطنية.. بل هو أيضًا واجب ديني".

الزعيم الإيراني الأعلى في أول خطبة له منذ 8 أعوام (نيويورك تايمز)

وتأثر الاقتصاد الإيراني لدرجة كبيرة بالعقوبات الاقتصادية المفروضة عليه منذ أيار/مايو لعام 2018، بعدما انخفضت صادرات النفط الخام لأكثر من 80 بالمائة عمّا كانت عليه سابقًا، وانخفضت قيمة الريال الإيراني بوصول سعر الصرف في السوق السوداء لـ140 ألف ريال مقابل الدولار الواحد، بينما يسجل سعر الصرف الرسمي 42 ألف ريال مقابل الدولار الواحد.

تحديات المحافظين في الانتخابات البرلمانية

تشكل الانتخابات البرلمانية الحالية بواقعها الذي فرضه مجلس صيانة الدستور تحديًا للمحافظين المتشددين أو الشخصيات الموالية للزعيم الإيراني الأعلى لعدم وجود منافسين إصلاحيين سواء إن كان جرى إقصاؤهم أو رفضوا من الأساس الترشح لولاية ثانية، كما الحال مع النائبة الإصلاحية بارفان صلاح الشوري. وستكون الانتخابات بمثابة أول اختبار للثقة بين الحكومة الإيرانية والناخبين، حيثُ شهدت الانتخابات الماضية إقبالًا واسعًا كان ناجمًا عن حالة من الرضا بين الإيرانيين بعد توقيع الاتفاق النووي.

وهناك حالة من التخوف بين المسؤولين الإيرانيين متعلقة بعدم استجابة الشباب الإيراني الذين يشكلون نصف سكان البلاد للمشاركة بالتصويت، بسبب ارتفاع معدلات البطالة، وعدم القدرة على إيجاد وظائف جديدة، وارتفاع الأسعار بشكل كبير في أعقاب العقوبات، إضافةً لفرض المزيد من القيود على المناسبات الاجتماعية، كان آخرها قبل أقل من أسبوع من موعد الانتخابات عندما حظرت على الشباب الاحتفال بعيد الحب العالمي، وقامت بفرض عقوبات صارمة على المتاجر التي قامت ببيع الورود الحمراء والدمى.

ولا تشير القوائم الانتخابية لوجود منافسة تذكر من الإصلاحيين على مقاعد البرلمان، وسط أجواء وصفها المسؤول السابق مصطفى تاج زاده بأنها عبارة عن "تعيينات" تتم بإمرة من الزعيم الإيراني الأعلى، ويشير وزير الداخلية السابق عبد الواحد موسوي لاري إلى أن 160 مقعدًا من 290 مقعدًا في المجلس لن تشهد منافسة خلال الانتخابات الجارية، حتى داخل التيار المحافظ نفسه.

وتعتبر هذه الهمينة على السلطة التشريعية في البلاد بدايةً لعهد جديد يتصدره الحرس الثوري الإيراني، بإبعاد الإصلاحيين والمحافظين المعتدلين عن المشاركة في الانتخابات، ويكون بذلك ضمن هيمنة المحافظين المتشددين الذين يدينون بالولاء لخامنئي، حيث قال مسؤول إيراني إن ما يحصل في الانتخابات الحالية "لم يعد سباقًا"، مشيرًا إلى أن رغبة المتشددين برئاسة البلاد ستضع "نهايةً للاعتدال لمدة عشر سنوات أو أكثر".

اقرأ/ي أيضًا: احتجاجات إيران.. موجة غضب لا تستثني أحدًا حتى خامنئي!

وفيما يتمتع المرشحون الموالون للزعيم الإيراني الأعلى بدعم المؤيدين للمؤسسة الدينية، ويرى أنصارهم أن التصويت لهم "واجب ديني"، ويساعدهم في همينتهم على البرلمان الإقبال الضعيف على التصويت، فإن الإصلاحيين ينتابهم الشعور بالاستياء والفوضى من الرئيس روحاني لفشله بتخفيف القيود السياسية والاجتماعية، فضلًا عن فقدانهم الأمل بالأساس من أي عملية إصلاح مقبلة.

يعلق المسؤولون الإيرانيون آمالهم على أن تشهد الانتخابات البرلمانية نسبة إقبال مرتفعة، نظرًا لتفاقم الصراع الدبلوماسي مع واشنطن في منطقة الشرق الأوسط

ويتصدر قائمة المرشحين المتشددين في الانتخابات البرلمانية في طهران القائد السابق في الحرس الثوري الإيراني قاليباف، مع إشارة تقارير لبرقيات مسربة تتحدث عن تلقيه الدعم من نجل الزعيم الإيراني الأعلى مجتبى خامنئي، ويدخل قاليباف الانتخابات البرلمانية في تحالف ائتلافي بعد فشله في الفوز بانتخابات الرئاسة السابقة، وينظر إليه على أنه سياسي بارع، كما يرى نفسه أنه بعيد عن الانقسامات داخل التيار المحافظ، وقام ببناء حملته الانتخابية على وعود بحل المشاكل الاقتصادية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

هل يتحمل حسن روحاني مسؤولية أزمات إيران ومصائبها؟