14-أكتوبر-2017

أعلن النظام المصري دعمه المرشحة الفرنسية على حساب المرشح القطري لرئاسة اليونسكو (أ.ف.ب)

"فازت الفرنسية أودري أزولاي بفضل الأزمة بين العرب، رغم أنها بدأت حملتها دون حظوظ في مواجهة المرشحين العرب"، هكذا افتتحت جريدة "ليبيراسيون" الفرنسية مقالها حول فوز وزيرة الثقافة الفرنسية السابقة أودري أزولاي، بمنصب مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) على حساب الدبلوماسي ووزير الثقافة القطري السابق حمد الكواري، بفارق ضئيل، وهو 30 صوتًا للفرنسية مقابل 28 لقطر، وذلك في آخر جولات انتخابات اليونسكو بعد أسبوع ماراثوني من الشد والجذب في الكواليس وفي وسائل الإعلام.

بفارق صوتين اثنين فقط وبسبب "الأزمة العربية" فازت المرشحة الفرنسية برئاسة اليونسكو على حساب القطري

بذلك خسر العرب فرصة ثمينة للفوز بمنصب لم يبلغه أي عربي منذ تأسيس المنظمة الأممية قبل 70 سنة، وذلك بعد اصطفاف مصر التي خاضت غمار الانتخابات بمرشحتها مشيرة الخطاب وزيرة الدولة للأسرة والإسكان زمن الرئيس المخلوع حسني مبارك، إلى جانب المرشحة الفرنسية على حساب المرشح العربي الوحيد في الجولة الختامية، وذلك من منطلق قطع الطريق على الدولة التي تشارك مصر دول السعودية والإمارات والبحرين في حصارها منذ أكثر من أربعة أشهر.

اقرأ/ي أيضًا: الإعلام المصري وانتخابات اليونسكو: نظرية المؤامرة تقود كل شيء

تحالف عربي ضد العرب

تجنّدت طيلة أسبوع الانتخابات، وسائل الاعلام المصرية المؤيدة للنظام في حملة ممنهجة وهستيرية ضد المرشح القطري، أكثر من تجنّدها لدعم المرشحة المصرية نفسها. ولم تكن لتنتهي هذه الهسيتريا إلا بمشهد ما قيل إنه دبلوماسي مصري انطلق صارخًا فور إعلان النتيجة النهائية، وبلغة ركيكة، ليقول: "Vivia la France.. no Qatar" أي "نعم فرنسا لا قطر"، ما استدعى تدخل الأمن في مشهد سيظل شاهدًا لعقود على عمق الشرخ العربي.

 

ويبدو أن هذا الصّارخ ليس دبلوماسيًا في نهاية المطاف، إذ تناقل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي شهادة تثبت أنه منتحل صفة "مستشار سياسي وخبير استراتيجي"، وذلك ضمن موجة انتحال لهذه الصفة التي تسمح لأصحابها بالظهور على وسائل إعلام النظام المصري لممارسة طقوس الدجل على المشاهدين.

بيد أن ما نطق به هذا الرجل، هو في النهاية مثال على جهر النظام المصري بالخصومة، حتى في غير مواقفه، فهو النظام الذي لم يتردّد وزير خارجيته سامح شكري في إعلان دعم بلاده للمرشحة الفرنسية، في خرق للأعراف الدبلوماسية العربية، والتي لم تبلغ لهذا المستوى رغم حدة الخصومات، وذلك في إطار كتلة عربية تقليدية طيلة عقود في المنابر الأممية، يبدو أنها باتت اليوم هباءً منثورًا، ليكون العرب، جميعهم ودون استثناء، هم الخاسر الأوّل والأوحد.

فوتت دول الحصار وعلى رأسها مصر، فرصة ثمينة لوصول العرب للمرة الأولى لمنصب رئيس اليونسكو

فوّتت دول الحصار فرصة ثمينة لوصول العرب لأوّل مرّة للمنصب الأممي الأول في مجال التربية والثقافة، وذلك لتأكيد النفوذ العربي على المنظمة الأممية التي قبلت فلسطين بعضوية كاملة قبل ست سنوات، وهي المنظمة التي أكدت قبل أشهر بأن القدس "مدينة محتلّة ولا سيادة لإسرائيل عليها"، وهو تفويت مضاعف لفرصة تاريخية، خاصة بعد إعلان الولايات المتحدة ومن ثمّ جروتها المدلّلة إسرائيل، الانسحاب من المنظمة خلال سير الانتخابات الأخيرة، والذي كان سيجعل المرشّح العربي سيبدأ ولايته بأكثر قوّة وانسيابية لنصرة القضية الفلسطينية من باب الثقافة.

اقرأ/ي أيضًا: 4 سيناريوهات لزيادة الضغط على قطر.. دول الحصار المتضرر الأكبر

وبعد الهزيمة العربية، احتفت دول الحصار -بحسب مظاهر التشفّي المنتشرة في وسائل إعلامها- بالهزيمة العربية في اليونسكو بعد قطع الطريق على قطر. وربّما الآن تقول هذه الدّول في قرارة نفسها، إن الخطوة القادمة هي التحشيد لسحب مونديال 2022 من قطر، وذلك ضمن الحملة الممنهجة الجارية للتشكيك في أحقية الدوحة في استضافة المونديال، رغم تأكيد تحقيق للفيفا نُشر قبل أشهر على شفافية فوزها بالاستحقاق العالمي.

في الواقع، لم يكن التنافس في انتخابات اليونسكو جديًا إلا بين ثلاث مرشحين، هم القطري حمد الكواري الذي تصدّر جميع الجولات الأولى، والفرنسية أندري أزولاي التي فازت بالمنصب في النهاية، وأخيرًا المصرية مشيرة خطاب، التي كانت وزيرة للأسرة والإسكان زمن مبارك، والتي عمل نظام السيسي جاهدًا على تصعيدها، إلا أن السمعة السيئة للنظام المصري في مجال حقوق الإنسان ومنها الحقوق الثقافية، كانت مانعًا جوهريًا للترويج لمشيرة خطاب، فالنظام الذي يريد تصعيد مرشحته لليونسكو، هو نفسه الذي أغلق، طيلة السنوات الماضية، عديد المراكز الثقافية والمكتبات، واعتقل كتاب وصحفيين، وصادر مؤلفات وكتب.

فعشية الدورة الترجيحية بين خطاب وأزولاي، قبض النظام المصري على الكاتب الصحفي سليمان الحكيم، وهدم منزله، لمجرّد ظهوره في قناة معارضة للنظام انتقد فيها السيسي. وقبل بضع أسابيع، أقفل النظام مكتبة "البلد" القاهرية، وقد علّق حينها الحقوقي جمال عيد: "‏بعد مكتبات الكرامة العامة، غلق مكتبة البلد والاستيلاء على أثاثها وتشميعها، والقبض على اثنين من العاملين بها، من قبل دولة مرشحة لرئاسة اليونسكو!".

 

 

حمد الكواري.. كان الأوفر حظًا

في سباق انتخابات اليونسكو، كان المرشح القطري حمد الكواري هو الأوفر حظًا منذ بدايته، ليس فقط باعتبار أنه يحمل اسم بلد ذات ثقل سياسي واقتصادي في العالم وقادرة على القيام بتحالفات لدعم مرشحها، بل من منطق تكوينه وتجربته العملية والدبلوماسية مقارنة بمنافسيه، إذ حصل الكواري على دبلوم الدراسات العليا من الجامعة اليسوعية في بيروت، والماجستير من جامعة السوربون في فرنسا، والدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة ولاية نيويورك بالولايات المتحدة، كما عمل سفيرًا لبلاده في عديد الدول منها فرنسا وإيطاليا وسويسرا، وكذلك مندوبًا في الأمم المتحدة بنيويورك، وفي اليونسكو. وتولى وزارة الثقافة في بلاده، وعديد المهام الأخرى ومنها رئاسة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد 2013).

كان حمد الكواري الأوفر حظًا بسبب ثراء تجربته العلمية والدبلوماسية، لولا تحالف دول الحصار العربية ضد ممثل شقيقتهم العربية!

في المقابل، لم تكن الفرنسية الفائزة أودري أزولاي ذات حظوظ حينما أعلنت ترشحها، وذلك بشهادة وسائل الإعلام الفرنسية، وذلك لتواضع تجربتها مقارنة بمنافسها القطري، إذ لم تصبح ابنة أندري أزولاي، الفرنسي ذو الأصول المغربية اليهودية والمستشار في الديوان الملكي المغربي منذ 1991، معروفة لدى الرأي العام إلا قبل ثلاث سنوات فقط، حينما عيّنها الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند مستشارةً له في الثقافة سنة 2014، قبل أن يعينها لاحقًا وزيرة للثقافة في حكومته.

لكنها استطاعت في النهاية بلوغ رئاسة اليونسكو، ما دام اتفق العرب على ألا يتفقوا! هكذا يقول المثل البليغ، مُختزلًا المشهد في اليونسكو يوم أمس. وهو يوم أليم، سيظل في الذاكرة العربية، ليس لأن العرب انهزموا، بل لأن عربًا تحالفوا ضد العرب، فلم تكن الهزيمة إلا عربية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مرة ثانية.. أمريكا تنسحب من اليونسكو بسبب المال والانحياز إلى إسرائيل!

الجالية المصرية في قطر.."ضد المقاطعة وخائفون من العودة"