24-يونيو-2019

ما زال النقاش صاخبًا حتى بعد إعلان نتائج الانتخابات الموريتانية (فيسبوك)

بعد ترقّبٍ وانتظار أُعلنت نتائج الانتخابات الرئاسية في موريتانيا، وبخلاف ما كان متوقّعًا استطاع مرشّح السلطة محمد ولد الغزواني الفوز من الجولة الأولى بنسبة تجاوزت 52% بحسب النتائج التي أَعلنت عنها بصفة رسمية اللجنة المستقلة للانتخابات. وللمفارقة، فهي نفسها تقريبًا النسبة التي فاز بها الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز في انتخابات تموز/يوليو 2009 الرئاسية، بعد قيامهما، أي ولد الغزواني وولد عبد العزيز، بالانقلاب على أول رئيس مدني منتخب في السادس من أغسطس 2008.

بخلاف ما كان متوقّعًا استطاع مرشّح السلطة محمد ولد الغزواني الفوز من الجولة الأولى بنسبة تجاوزت 52% بحسب النتائج التي أَعلنت عنها بصفة رسمية اللجنة المستقلة للانتخابات

حسْمُ الانتخابات من جولتها الأولى ليس المفاجأة الوحيدة التي حملتها نتائج انتخابات الثاني والعشرين من حزيران/يونيو الرئاسية، بل انطوت تلك النتائج على مفاجآت أخرى لعل أهمها الصعود البارز للمرشح الحقوقي بيرام ولد الداه عبيد، باحتلاله المركز الثاني، والتراجع المثير للانتباه لرموز وأحزاب المعارضة الموريتانية التقليدية.  

اقرأ/ي أيضًا: فوضى أحزاب موريتانيا.. تعددية غير ديمقراطية

لكن أهمّ معطى تمخض عن إعلان النتائج هو موقف المعارضة منها واندلاع احتجاجات في العاصمة السياسية نواكشوط والعاصمة الاقتصادية نواذيبو تسببت في فوضى، على إثر اتهام المعارضة للنظام بتزوير النتائج لصالح مرشح السلطة وإنزال قوات عسكرية وشبه عسكرية لشوارع العاصمة، في مشهد اعتبرته قوى المعارضة تهديدًا باستعمال القوة لإخراس أي صوت مُعارض وتأكيد الطابع العسكري لحكم النظام الحالي والجديد.

نسبة المشاركة ونتائج المترشّحين

تحظى الدورة الحالية من الانتخابات بأهمية بالغة وذلك ما دعا المعارضة الموريتانية إلى المشاركة فيها بخلاف ما قامت به في 2014 من مقاطعة، فقد كانت فرصة لإحداث نُقلة تاريخية من وجهة نظر المعارضة بعد أن تَقيّد الرئيس الحالي بما ينص عليه الدستور فيما يخص المأموريات الرئاسية، ولذلك كانت نسبة المشاركة معتبرة حيث وصلت إلى 62.66% مقارنة بنسبة 56.46% هي نسبة المشاركة في آخر انتخابات رئاسية سنة 2014. كما أن نسبة المشاركة الحالية قريبة من نسبة المشاركة في انتخابات 2009 الرئاسية التي اتسمت حينها هي الأخرى أيضًا بأهمية بالغة وشاركت فيها المعارضة بعد مسار من المفاوضات تمخض عن تحقيق عدة مكاسب دستورية للديمقراطية الموريتانية، أهمها تحديد المأموريات الرئاسية بمأموريتين غير قابلتين للزيادة وتجريم الانقلابات العسكرية.

ولعل الثيمة المميزة لانتخابات 2009 و2019 هي المغالبة بين إرادة مدنية مُصمِّمة على التغيير لصالح تحقيق حكمٍ مدنيٍّ كاملٍ بعد إجهاض الانتقال الديمقراطي الذي حصل في 2007، في مقابل إرادة عسكرية ترى إمكانية قيام "ديمقراطية عسكرية"، ومتوجسة في نفس الوقت من مغادرة الحُكم.

جاءت نتائج الانتخابات بما لا تشتهي سفن المعارضة الموريتانية التي نزلت للانتخابات بأربعة مترشحين معولة على تشتيت الأصوات والوصول إلى شوط ثان تتحد فيه أمام مرشح النظام المدعوم من الدولة وشيوخ القبائل والطرق الصوفية.

بنسبة 52.01% حسم ولد الغزواني السباق الرئاسي، وحلّ وراءه ثانيًا بيرام ولد الداه بنسبة 18.58% يليه الوزير الأول السابق سيدي محمد ولد بوبكر بنسبة 17.58% ثم كان حاميدو بابا رابعًا بنسبة 8.71% فيما حلّ خامسًا محمد ولد مولود، الوجه المعارض البارز، بنسبة 2.44%، وفي المركز الأخير حلّ المترشح محمد الأمين ولد الوافي بنسبة 0.40% من إجمالي الأصوات.

المعارضة ترفض النتائج وتقرر النزول للشارع

رفضت المعارضة الموريتانية النتائج التي أعلنت عنها اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، وطالبت بإعادة فرز صناديق الانتخابات ليتسنى مقارنتها مع نتائج المحاضر الموجودة لدى المعارضة. وجاء إعلان الرفض في بيان أصدرته المعارضة ووقّعه المرشحون الأربعة: بيرام ولد الداه وسيدي محمد ولد بوبكر وكان حاميدو بابا ومحمد ولد مولود، وقد عاد المرشحون لتأكيد قرار رفض النتائج بعد استدعائهم من طرف وزير الداخلية، وذلك في مؤتمر عقدوه فجر اليوم الإثنين، وأضافوا إلى ذلك مطالبتهم أنصارهم بالنزول لمسيرة احتجاجية كبيرة في العاصمة نواكشوط اعتراضًا على النتائج.

قرار المعارضة الموريتانية هذا لم يكن متوقعًا، لكن إعلان ولد الغزواني فوزه بالانتخابات قبل نهاية فرز أكثر من 20% من النتائج وقبل الإعلان الرسمي للنتائج الأولية من طرف اللجنة المستقلة للانتخابات أثار شكوك المعارضة حول القيام بتزوير ممنهج، لا على مستوى مكاتب الاقتراع وما سُجّل فيها من تجاوزات وصلت في بعض المناطق إلى طرد ممثلي المعارضة من المكاتب والقيام بالتزوير لصالح مرشح النظام، لكن أيضًا على مستوى مركزي في اللجنة المشرفة على الانتخابات أثناء إدخال النتائج.

وشدّد بيان المعارضة الموريتانية على رفض إعلان مرشح السلطة فوزه المزعوم، واستحالة فوز أي من المرشحين في الشوط الأول بناء على النتائج الموجودة بحوزة المعارضة، بالإضافة إلى التصميم على قيادة النضال السلمي للشعب الموريتاني وخصوصًا الشباب من أجل حماية خياراته الانتخابية ومكاسبه الديمقراطية.

اقرأ/ي أيضًا: موريتانيا بين جنرالين

كما أكد البيان على تحميل السلطة المسؤولية كاملة عن الأزمة الانتخابية التي تلوح في الأفق، رغم أن هناك من يتهم المعارضة بمجانية التصعيد في ظل إصرارها على المشاركة في انتخابات قالت في البداية بأنها لا تتوفر على ضمانات النزاهة والشفافية، وأنها أُقصيت من المشاركة في إدارتها، كما يوضح البيان.

حسْمُ الانتخابات من جولتها الأولى ليس المفاجأة الوحيدة التي حملتها نتائج انتخابات موريتانيا، بل انطوت تلك النتائج على مفاجآت أخرى لعل أهمها الصعود البارز للمرشح الحقوقي بيرام ولد الداه عبيد

 فيما برزت أصوات من داخل المعارضة الموريتانية تدعو إلى التعقل وإلى الاعتراف بنتيجة الانتخابات والذهاب إلى حوار سياسي مع المرشح الفائز لتجنيب البلد الفوضى الأمنية ولسد الباب أمام أي نكوص عن المكاسب الديمقراطية، واقترح البعض في هذا الصدد تشكيل حكومة توافقية موسّعة بعيدًا عن نهج الإقصاء الذي اتسم به حُكم ولد عبد العزيز المنصرم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

انتخابات 2018.. رهان موريتانيا على مصيرها

 موريتانيا..وعي حقوقي شبابي متصاعد