25-سبتمبر-2018

تسعى إسرائيل إلى أسرلة المجتمع الجولاني من خلال انتخابات المجالس المحلية (Getty)

ألترا صوت – فريق التحرير

من المفترض أن يشهد منتهى الشهر الجاري، تشرين الأول/أكتوبر 2018، التجربة الأولى منذ احتلال إسرائيل لمرتفعات الجولان عام 1967، التي سيختار فيها سكان الجولان رؤساء بلدياتهم، والممثلين المحليين عنهم. قد يبدو هذا خبرًا سارًا في غير هذه المنطقة المحتلة، التي يعاني سكانها "غير المواطنين" من تهميش تاريخي، في حين تحاول إسرائيل منذ السنوات الأولى لاحتلالها، أسرلة السكان، وتفكيك هويتهم القومية، على غرار المحاولات المستمرة التي تجري للدروز في شمال فلسطين.

 يواجه السكان السوريون في الجولان، تهميشًا فجًا، إذ تعيش الغالبية العظمى منهم بصفة غير مواطن، ويصنفون في الوثائق الإسرائيلية كسكان "غير معرفين"

في العام الماضي، أعلن وزير الداخلية الإسرائيلي، أرييه أدرعي، النية بإجراء انتخابات محلية في الجولان بالتزامن مع الانتخابات المحلية الإسرائيلية المزمع إجراؤها في نهاية العام الجاري. لاقت هذه الخطوة منذ الإعلان عن النية للشروع بتنفيذها، جدلًا صاخبًا في أوساط السكان المحليين، بين من يدافع عنها باعتبار أنها فرصة لتغيير المسار التقليدي، الذي دأبت إسرائيل من خلاله على اختيار هؤلاء الممثلين بالتعيين، وبين من يرفضها، باعتبار أنها جزء من التصعيد الإسرائيلي ضد الجولان، والمحاولات المتواصلة من أجل فصله عن المحيط العربي الذي ينتمي له.

وفي حين يواجه السكان السوريون للمنطقة، تهميشًا فجًا، حيث تعيش الغالبية العظمى منهم بصفة غير مواطن، ويصنفون في الوثائق الإسرائيلية كسكان "غير معرفين"، فإن هذه الخطوة كما يرى مراقبون، تقوم على تعزيز الشرخ داخل المجتمع المحلي، الذي تحظى فيه أقلية لا تزيد عن خمس السكان بمواطنة إسرائيلية. وحيث يُشترط من المترشح للانتخابات أن يكون من هذه الأقلية، ما يجعل الأثر الذي ستتركه عملية التصويت غير ذي شأن، وسيبقي الممثلين ضمن النخبة الموالية للإدارة الإسرائيلية.

اقرأ/ي أيضًا: الجولان المُحتل.. 50 عامًا من الوهم

المجالس المحلية.. تاريخ من الضبط

قامت السلطات الإسرائيلية، منذ منتصف السبعينات بإنشاء المجالس المحلية في الجولان المحتل، قبل الشروع بضمه في أوائل الثمانينات، وكانت عملية اختيار رؤساء وأعضاء هذه المجالس من خلال التعيين المباشر، فيما كانت العادة أن يتم اختيار المقربين من إسرائيل لشغل هذه المناصب. ومنذ سن "قانون الجولان" في عام 1981، والشروع بضم أراضيه، انتقلت صلاحيات تعين رؤساء المجالس المحلية إلى وزير الدفاع الإسرائيلي بشكل مباشر.

دأبت هذه المجالس، على استغلال الاحتياجات الخدمية للسكان في المنطقة، بالتزامن مع القيام بدور الوساطة مع الإدارة الإسرائيلية. ومع استلام وزارة الدفاع الإسرائيلية ملف المجالس الإدارية للمجموعة الدرزية في الجولان، انتشرت مجموعة من المقاربات الأمنية في التعامل معه، وبدأت عمليات الاستيطان بالتوسع، مع تقديم اقتراحات بين وقت وآخر من أجل فرض السيادة الكاملة على المنطقة، وتوسيع التواجد الإسرائيلي هناك.

وفي عام 2015، طالب وزير التعليم اليميني، نفتالي بينيت، بزيادة عدد المستوطنين في المنطقة، والمساهمة بنقل 100 ألف مستوطن هناك، بينما صادقت حكومة بنيامين نتنياهو في عام 2016 على بناء 1600 وحدة استيطانية جديدة.

محاولة إسرائيلية لاستثمار الفراغ السياسي

منذ انطلاق الثورة السورية في عام 2011، فإن إسرائيل دأبت على استغلال هذا الحدث على عدة أصعدة. وقد طالبت إدارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الأمم المتحدة في غير مرة، بإعطاء الضوء الأخضر للسيطرة الإسرائيلية على الجولان، باعتبار أن سوريا لم تعد دولة مستقلة. بالإضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل سعت إلى استغلال التباينات داخل المجتمع المحلي في الجولان بخصوص الملف السوري.

ويقول الباحث السوري من الجولان المحتل، ومدير برنامج الدراسات الإسرائيلية في جامعة بيرزيت، منير فخر الدين، إن إسرائيل والأوساط المتأسرلة المتماشية معها، تحاول في الفترة الأخيرة استغلال الفراع السياسي الحاصل، نتيجة الاصطفاف داخل المجتمع الجولاني حول الموقف من الثورة السورية. ويضيف في حديثه لـ"ألترا صوت"، أن "السبب الحقيقي وراء إجراء هذه الانتخابات، قائم على محاولة مجموعة من الشباب المتأسرلين سد هذه الفراغ"، حيث تتنازع هذه الأوساط المتماشية مع إسرائيل، على تمثيل الوسط الجولاني.

اقرأ/ي أيضًا: نازحو الجولان.. خمسون عامًا والقمح بانتظارهم

وفي حين لا تمثل هذه العملية انقلابًا في موازين العلاقة داخل المجتمع السوري في الجولان بشكل عام، فإنها حسب منير فخر الدين، تعبر عن صراع داخل الأوساط المتساوقة مع الأسرلة، وتحديدًا بين مجموعة من الشباب الذين يريدون تغيير نظام التعيين المباشر، وبين النخبة التقليدية.

ضرب من الديمقراطية الوهمية

وترى مجموعة من الأصوات المناهضة للأسرلة داخل المجتمع الدرزي، أن هذه الانتخابات تنطوي على ممارسة غير ديمقراطية، باعتبار أنها لا تقوم على التمثيل المتساوي للسكان، حيث تفرض المؤسسة الإسرائيلية شروطًا تناسبها لأولئك المسموح لهم بالترشح، عطفًا على أن هناك أهدافًا سياسية لتعزيز الشروخ داخل المجتمع الجولاني، وتحديد الامتيازات على أساس الولاء لمؤسسة الاحتلال.

ترى مجموعة من الأصوات المناهضة للأسرلة داخل المجتمع السوري في الجولان، أن هذه الانتخابات تنطوي على ممارسة غير ديمقراطية، باعتبار أنها لا تقوم على التمثيل المتساوي للسكان

ويوضح تقرير نشره المركز العربي لحقوق الإنسان في الجولان، أن هذه الانتخابات التي ستكون الأولى من نوعها منذ بدء الاحتلال، تمثل "ضربًا من الديمقراطية الوهمية". حيث إن الانتخابات "ستنظم حسب القوانين الإسرائيلية، التي تشترط على المترشحين حيازة الجنسية الإسرائيلية، وهذا الشرط لا ينطبق على الغالبية العظمى (أكثر من 80%) من سكان الجولان السوريين الذين يرفضون قبول الجنسية الإسرائيلية، ويحملون إقامة دائمة (مماثلة للفلسطينيين في القدس الشرقية)، مع فارق وحيد يتمثل بتصنيف جنسيتهم من قبل إسرائيل على أنها غير معرفة".

وفي حين أن تطبيق القانون الإسرائيلي على الجولان المحتل، يعارض القرارات الأممية، فإن هذه الانتخابات المقامة على أساس هذا القانون، وطبيعتها غير الديمقراطية تتناقض، حسب تقرير المركز العربي لحقوق الإنسان في الجولان مع القانون الدولي، الذي يرفض الإجراءات الإسرائيلية ضد المنطقة السورية المحتلة، كما أنه يشترط أن تتم أي عملية انتخاب على أساس المساواة الكاملة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عزمي بشارة في الذكرى الخمسين للنكسة.. مقاربة جديدة لهزيمة 1967

نكسة حزيران.. بدء حكم الطغاة وهزيمة الإنسان