29-أبريل-2019

توفي مئات العاملين في تنظيم الانتخابات في إندونيسيا (ألترا صوت)

بعد أكثر من 20 ساعة من العمل المتواصل دون انقطاع، داخل أحد اللجان الفرعية في الانتخابات الإندونيسية، وصلت شنكيتا، إلى منزلها في حالة إعياء كامل، رفضت زيارة الطبيب وطلبت قسطًا من النوم بسبب الإرهاق. تتذكر الفتاة الإندونيسية (30 عامًا) ما حدث خلال حديثها  لـ"ألترا صوت": "ليومين كنت أشعر بالإعياء، لكن دون مضاعفات، وكنت أتوقع أن أكون وحدي من شعر بذلك، ولكن بعد أيام من الانتخابات عرفت أن عددًا من الأصدقاء الذين شاركوا في تنظيم الانتخابات في اللجان الفرعية الأخرى، ذهب للمستشفى والبعض الآخر زار الطبيب بسبب الإرهاق، وحصلوا على إجازات من عملهم".

توفي نحو 367 موظفًا، إضافة إلى 2115 أصيبوا بالمرض، من الشرطة والمتطوعين والمنظمين، خلال الانتخابات الإندونيسية التي جرت في 17 نيسان/أبريل الجاري، وسط ترجيحات متباينة عن الأسباب

لم يكن إرهاقها أو إرهاق أصدقائها ما يمثل الصدمة لدى شنكيتا، وهي موظفة في شركة خاصة، تطوعت في تنظيم يوم الانتخابات، لكن الصدمة الحقيقية أتت وفقًا لحديثها، "بعد إعلان وفاة نحو 367 موظفًا، إضافة إلى 2115 مرضى، من الشرطة والمتطوعين ومنظمي الانتخابات الإندونيسية التي جرت في 17 نيسان/أبريل الجاري، بسبب الإعياء الشديد حسب الرواية التي أعلنتها لجنة الانتخابات.

اقرأ/ي أيضًا: صديقي البنغلاديشي

وتجري في إندونيسيا للمرة الأولى الانتخابات الرئاسية والتشريعية في ذات الوقت، وتدعم النتائج غير الرسمية، حظوظ الرئيس الحالي جوكوي يدودو ونائبه رجل الدين معروف أمين في الاستمرار كرئيس للبلاد، فيما أعلن منافسه الجنرال السابق برابوو سوبيانتو ونائبه ساندياغا اونو، فوزه بالانتخابات، وتعد تلك الانتخابات الرئاسية الرابعة التي تجرى في إندونيسيا منذ 2004، بعد أن كان يتم اختيار الرئيس من قبل مجلس أعلى سابقًا وليس بالتصويت المباشر للمواطنين.

ووفقًا لبيان للجنة العامة للانتخابات (KPU)، فإن أغلب المتوفَّين من مقاطعة جاوا الغربية، حيث بلغ عددهم في تلك المقاطعة نحو 89 شخصًا. فيما توفي نحو 39 شخصًا في جاوا الشرقية، و31 في جاوا الوسطى و10 من لمبونج.

أما بالنسبة للمرضى فمعظمهم في جاوا الغربية بنحو 259 شخصًا تليها جاوا الوسطى بنحو 246 شخصًا، وسولاويسي الجنوبية بعدد 191 شخصًا ولمبونج 112 وجامبيل 117.

وتعد إندونيسيا واحدة من دولتين فقط يستخدم مواطنوهما المسمار المعدني للتصويت عبر خرق صورة أو رقم المرشح، ولا يتم استخدام الأقلام أو التصويت الإلكتروني، كما تنتشر اللجان الفرعية في الشوارع، بعيدًا عن المقرات الحكومية كنوع من أنواع الشفافية وبعيدًا عن سلطة الحكومة.

عمل متواصل

تعود شنكيتا للحديث مرة أخرى بعد أن بدا عليها التأثر بخبر عدد الوفيات الكبير المعلن، وتقول لـ"ألترا صوت": عدد الوفيات المعلن من لجنة تنظيم الانتخابات (KPU) كبير وصادم، وجديد على الانتخابات الإندونيسية، وتوقعت وجود مرضى وحالات وفاة لكن ليس بهذا العدد"، مضيفة أنه "كان يومًا صعبًا للغاية، وكنت في أحد اللجان الفرعية في Jakarta Pusat، وسط جاكرتا، توجهت للجنة يوم 17 نيسان/إبريل في الخامسة صباحًا، وبدأت الانتخابات في السابعة، واستمرت حتى الواحدة ظهرًا، حصلنا بعدها على ساعة للراحة، ثم بدأت عملية فرز الأصوات".

تتابع شنكيتا: "كان اليوم مرهقًا للغاية، لم تكن الأعداد كبيرة، فعدد المصوتين داخل اللجنة الفرعية لا يتجاوز 300 ناخبًا، لكن فرز الأصوات كان شديد الصعوبة، وكان لزامًا علينا فرز الانتخابات الرئاسية أولًا ثم الانتقال للتشريعية؛ ثلاثة مجالس أخرى في جاكرتا (البرلمان العام وبرلمان الولايات والمقاطعات)، وكان يتنافس على المجالس التشريعية عدد كبير من المرشحين. في النهاية انتهينا في تمام الساعة الثالثة صباح يوم 18 نيسان/إبريل، توجهت للبيت على الفور، في حالة إعياء استمر ليومين، وأعتقد أن من نظم الانتخابات خارج جاكرتا تأخروا أكثر".

رفضت شنكيتا الكشف عن المبلغ الذي تقاضته في ذلك اليوم ولكنها أكدت أنه لم يكن رقمًا كبيرًا، فيما أشارت بعض المصادر الرسمية في تصريحات سابقة أن مقابل المراقبة في ذلك اليوم كان نحو 600 ألف روبية إندونيسي (نحو 43 دولار)، دون تأمين أو بدل مخاطر، و600 ألف روبية في بعض المهن ذات الأجور المنخفضة يمثل 35% من المرتبات الشهرية في إندونيسيا.

آخر الأرقام

عند محاولة الحصول على استفسار من جهة رسمية، لم يتلق "ألترا صوت" ردًا من أي من أعضاء اللجنة العليا للانتخابات (KPU) بالرغم من وصول الرسائل إلى هواتفهم المعلنة للصحفيين، ووصل مجموع من لقوا حتفهم بسبب الإرهاق والتعب خلال الانتخابات الإندونيسية نحو 367 شخصًا حتى الآن، فيما نقلت المواقع المحلية في إندونيسيا، عن عارف الرحمن حكيم الأمين العام للجنة العامة للانتخابات (KPU)، أن مجموع الوفيات وصل إلى 296 شخصًا، من أعضاء لجنة تنظيم الانتخابات (KPPS) التابعين للجنة العامة للانتخابات، فيما لا يزال نحو 2115 آخرين في حالة مرضية تحت الإشراف الطبي، في الوقت الذي قالت فيه وكالة الأناضول في إندونيسيا إن نحو 55 شخصًا آخرين تابعين للجنة الإشراف ومراقبة الانتخابات (Panwaslu) لقوا حتفهم أيضًا، فيما توفي نحو 16 من أفراد الشرطة، وفقًا لتقارير طبية يوم الإثنين، وأكدت اللجنة العامة للانتخابات (KPU) أن 70% من الذي لقوا حتفهم تجاوزوا الـ40 عامًا.

وعلم "ألترا صوت" أن هناك محاولات كبيرة من جانب اللجنة المشرفة على الانتخابات لتجاوز أزمة الوفيات، والانتهاء أولًا من إعلان النتيجة التي يستمر مراجعتها لليوم العاشر على التوالي داخل اللجنة العامة، بخلاف يوم الانتخابات ويوم الفرز في اللجان الفرعية، ومن المتوقع أن تصرف التعويضات لأسرة المتوفّين وفقًا لبيان صادر أمس عن اللجنة العامة، وبتأكيد من وزارة المالية، على أن تمنح كل عائلة 36 مليون روبية (نحو2500 دولار) فيما يحصل المرضى على نسب مختلفة حسب الحالة، وعلى أن يكون أقل تعويض 8 مليون روبية (580 دولارًا).

ماذا حدث؟

إندونيسيا ثالث أكبر الديمقراطيات في العالم بأكبر كتلة تصويتية في انتخابات متعددة بين المرشحين، بنحو 193 مليون نسمة لهم حق الانتخاب خارج وداخل البلاد، وتتوزع اللجان الانتخابية داخل إندونيسيا على نحو 800 ألف مركز للاقتراع في 34 مقاطعة، وشارك حوالي سبعة ملايين شخص في تنظيم الانتخابات التي تجرى للمرة الأولى للاستحقاق الرئاسي، والمجالس التشريعية معًا، تطبيقًا لقرار المحكمة الدستورية عام 2014.

واعتبر القرار جيدًا في وقتها لتوفير نفقات كبيرة على الحكومة الإندونيسية نظرًا لصعوبة نقل الورق وإجراء العملية الانتخابية، بسبب الطبيعة الجغرافية للبلاد، التي تتكون من 17500 جزيرة، غير أن ميزانية الانتخابات الحالية وصلت  لنحو 25.6 تريليون روبية (1.8 مليار دولار أمريكي) بزيادة تقدر بنحو 61 % عن الأموال المخصصة في انتخابات عام 2014، لزيادة أعداد المقاطعات والمدن وزيادة عدد المواطنين.

كانت حالات الوفاة العديدة التي أعلن عنها بسبب ضغط العمل على مسؤولي التنظيم والفرز والمراقبة والحماية في اللجان الفرعية، حسب رواية لجنة الانتخابات، نتيجة الالتزام بإتمام عملية تنظيم التصويت والفرز في يوم واحد فقط، وهو ما يفسر ما وقع من إجهاد خاصة في اللجان الفرعية.

لم ينته الأمر بالطبع مع انتهاء الفرز لكل ورقة تصويتية، فعقب عملية الفرز تم إعداد التقارير واستكمال محاضر التصويت لجميع الشهود ومندوبي المرشحين، لينهي بعض الموظفين عملهم في السادسة من صباح اليوم التالي للانتخابات.

إلى جانب أزمة العمل دون انقطاع والإرهاق والوفيات، التي تجاوزت 350 حالة حتى الآن، ظهرت بعض السلبيات الأخرى التي لم تتوقعها اللجنة العامة للانتخابات (KPU)، من أبرزها ضرورة إعلان كل النتائج الرئاسية والتشريعية في يوم واحد، وبدلًا من إعلان النتائج خلال خمسة أيام فقط أي يوم 23 نيسان/أبريل الماضي، ما زالت اللجنة حتى اليوم تقوم بالمراجعة والفحص اليدوي للنتائج التي تُعلن رسميًا بعد.

اقرأ/ي أيضًابواقي التصدير في مصر.. طريق "الغلابة" إلى ملابسهم

التصويت بالمسمار

إضافة إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في وقت واحد، فإن هناك بعض الملاحظات التي طغت خلال عملية التصويت والفرز في الانتخابات الإندونيسية، والتي قد تكون أثرت بشكل كبير في زيادة الإرهاق وتحمل المنظمين لمجهود أكبر من المعتاد.

تجرى الانتخابات في إندونيسيا داخل لجان فرعية بعيدًا عن المباني الحكومية، داخل خيم مفتوحة في الشوارع الرئيسية، بالقرب من كل وحدة محلية، ولا يتجاوز عدد المصوتين في كل لجنة نحو 300 ناخبًا، ويعتبر الإندونيسيون أن وجود الصناديق خارج المقرات الحكومية ضمان لحماية الشعب للديمقراطية والصناديق، غير أن هذا يجعلها في نفس الوقت، فقيرة الإمكانيات نظرًا للطبيعة المناخية للبلد الاستوائي، الذي يشهد درجات حرارة مرتفعة دائمًا، حتى مع هبوط الأمطار.

من الملاحظ خلال عملية الفرز أيضًا، أنها تتم بشكل يدوي نظرًا لأن التصويت في إندونيسيا ما زال يتم عبر استخدام المسمار المعدني. وتلك الطريقة القديمة، انتهت في معظم دول العالم، ولم يتبق إلا إندونيسيا وكامبوديا، ويتم فيها التصويت للمرشح عبر خرق رقمه باستخدام المسمار المعدني بدل القلم كما في بعض الدول.

ويعود سبب استخدام المسمار في التصويت، وفقًا لمسؤولين حكوميين، إلى عدم قدرة البعض من الإندونيسيين على استخدام الأقلام، وحاولت إندونيسيا استخدام الأقلام من قبل في انتخابات عام 2004 و2009، غير أن ارتفاعًا كبيرًا ظهر في الأصوات اللاغية.

من الملاحظ خلال عملية الفرز، أنها تتم بشكل يدوي نظرًا لأن التصويت في إندونيسيا ما زال يتم عبر استخدام المسمار المعدني، رغم أن تلك الطريقة القديمة، انتهت في معظم دول العالم

ويستهلك التصويت بالمسمار وقتًا أطول في عملية الفرز ويجد بعض الموظفين صعوبة في تحديد موقع المسمار، وما إذا كان الخرق واضحًا أم لا. وتزامن كل ذلك مع عدم وجود وحدات طبية قريبة عند أي من اللجان الفرعية، بالرغم من جاهزية عربات الإسعاف التي كانت تتحرك لنقل بعض الحالات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المؤسسات الخيرية في العالم.. أي فائدة؟

فيلم "طعم الإسمنت" أفضل وثائقي في مهرجان فيزيون دو رييل