25-يونيو-2017

بلغ شباب مصر درجة خطيرة من اليأس (ماركو لونغاري/ أ.ف.ب)

من الطابق السابع، ليلة عيد الفطر، أقدم شاب مصري على الانتحار في مول سيتي ستارز بضاحية مدينة نصر في القاهرة. اختار الشاب مكانًا رمزيًا، فمهما كانت الرفاهية التي يتمتع بها المول الأشهر والأهم في القاهرة، فإن ذلك لم يمنعْه من أن ينهي حياته قفزًا من ارتفاع يصل إلى أربعين مترًا.

كشفت إحصائية عن المركز القومي للسموم، التابع لجامعة القاهرة، عن تزايد أعداد الشباب المنتحرين بسبب تأخر سن الزواج والبطالة في مصر

تعدَّدت الروايات بشأن أسباب ودوافع انتحاره، لكن الرواية التي تصدَّرت المقدمة، خاصة أن تحريات النيابة أكّدتها بعد المعاينة وسماع روايات شهود عيان، أن الشاب المجهول، الذي لم يُعثر بحوزته على أي إثبات شخصية أو متعلقات أو هاتف محمول، انتحر بدليل وجود "حقنة" ملطخة بالدماء ونقطة دماء في المكان الذي كان موجودًا فيه قبل السقوط؛ إذ ربما يكون حَقَن نفسه بشيء وألقى بنفسه من الطابق السابع.

اقرأ/ي أيضًا: أشهر محاولات انتحار في المغرب.. الظلم والبطالة هما العنوان

لم تكشف أجهزة الأمن والتحريات أي شيء، لا أحد يعرف اسم المنتحر أو تفاصيل حياته، كل ما جرى أنه أنهى ما بقى له من أيامٍ على هذه الأرض، ليفتح الباب أمام السؤال: لماذا ينهي الشباب حياتهم في مصر؟.

كشفت إحصائية صادرة عن المركز القومي للسموم، التابع لجامعة القاهرة، عن تزايد أعداد الشباب المنتحرين بسبب تأخر سن الزواج والبطالة، وتقدم 2700 فتاة على الانتحار سنويًا بسبب تأخر سن الزواج، أمّا من بين الشباب فينتحر عدد كبير منهم بسبب فشل علاقات عاطفية.

وفي كتاب "شهقة اليائسين" للكاتب الصحفي ياسر ثابت إحصائية أنّ الفئة العمرية الأكثر انتحارًا ومحاولة للانتحار في مصر، ما بين 15 و25 عامًا، فتبلغ 66.6% من إجمالي عدد المنتحرين من كل الفئات. تأتي بعد ذلك نسبة المنتحرين في المرحلة العمرية ما بين 25 و40 عامًا، وأغلب المنتحرين في تلك المرحلة من الرجال لأسباب مالية. المرتبة الثالثة كانت من نصيب الفئة ما بين 7 إلى 15 عامًا، وللبنات قدرٌ أكبر منها.

وتتبع البنات، في كل الأعمار، طرقًا محددة للانتحار، وهي الأقراص المنومة وسم الفئران وإغراق أنفسهنّ في النيل أو البحر، أو حرق أنفسهنّ، بينما للرجال والشباب طرقٌ أخرى، فينتحرون عادة بالشنق أو قطع شرايين اليد أو القفز من أماكن عالية، أو إطلاق النار على أنفسهم.

أعداد المنتحرين الرسميّة.. أكذوبة

لا تعبّر أعداد المنتحرين الرسميّة عن الحقيقة، ويشكك خبراء في مصداقية الأرقام؛ إذ أنها لا تعبر عن الواقع. لماذا؟

يكشف السرّ عدّة تصريحات لأطباء. يقول المتحدث باسم وزارة الصحة، حسام عبد الغفار، في تصريحات صحفية، لدى سؤاله بشأن أعداد المنتحرين في مصر: "لا نملك أرقامًا عن حالات الانتحار، ونتعامل معها كحوادث عادية مثل حوادث الطرق".

ويكشف الدكتور أحمد أبو الوفا، أخصائي الطب النفسي بوزارة الصحة، أن "هناك صعوبة شديدة في تحديد أرقام حالات الانتحار لأن أهل الشخص المنتحر يرفضون الإعلان عن ذلك، ولا يتم توثيق أغلب الحالات".

لكن تقرير الأمن العام الذي تصدره وزارة الداخلية المصرية سنويًا ذكر أن عام 2011 شهد 253 حالة انتحار وشروع في الانتحار، زادت لتصل إلى 310 حالات في 2012، وتعدّ تلك أرقام متضاربة مع ما جاء في تقرير مركز السموم عن عام 2011 تحديدًا، فقال إنه استقبل 18 ألف حالة محاولة انتحار.

يفسر أطباء نفسيون أن حالات الانتحار تكثر في المجتمعات التي تتزايد بها المسؤوليات

2011.. عام قتل النفس

2011 كان فارقًا في كل شيء في مصر، كانت الأحلام تكاد تلمس السماء بينما الحقيقة سحقت آمال المتظاهرين، الذين كان أغلبهم من الشباب، تعرَّضوا لاضطرابات ما بعد الثورة، فكانت حالات الانتحار ممنهجة. تبلورت حالات الانتحار في حالة زينب المهدي، التي عانت من الاكتئاب، وبعدما كانت ضمن صفوف جماعة الإخوان ثم المقرّبين من جماعة الإخوان ثم عضو بالحملة الانتخابية لعبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي، ومدافعة عن حقوق المرأة، وُجدت مشنوقة في غرفتها بعد أن تركت رسالة أخيرة قبل انتحارها بفترة تقول: "إن النصر لن يأتي. نحن نكذب لنعيش".

اقرأ/ي أيضًا: السياسة في مصر تدفعني نحو الانتحار

المسؤولية.. انتحار بطيء

تتعدد طرق الانتحار، من صعق الماء بالكهرباء وتناول أقراص مبيد حشري وخنق الرقبة بخرطوم، في محاولة للموت السريع لهزيمة غريزة البقاء، التي تظلّ الأقوى مهما زادت محاولات الانتحار، وتتعدد الأسباب: "صحفي حاول حرق نفسه على سلم نقابة الصحفيين احتجاجًا على الفصل والتشريد بعدما أغلقت الصحيفة التي يعمل بها، وروى قصته، مدرب كمال أجسام حصل على بطولات دولية ألقى بنفسه في قناة فرعية من النيل بسبب خلافات زوجية، ناشطة سياسية شنقت نفسها لأن كل الطرق مسدودة". والأطباء النفسيون يفسّرون تلك الحالات بأن حالات الانتحار تكثر في المجتمعات التي تتزايد بها المسؤوليات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جدل في المغرب.. الغش في امتحان يؤدي إلى الانتحار

انتحار الأطفال بالمغرب.. تفاقم مخيف