06-فبراير-2025
فرانسوا بايرو

فرانسوا بايرو يعبر بحكومته مؤقتا إلى بر الأمان (رويترز)

منح حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف والاشتراكيون من يسار الوسط قُبلة الحياة لحكومة رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو، وذلك بامتناعهم عن التصويت لحجب الثقة عن الحكومة الذي دعا إليه أقصى اليسار في البرلمان الفرنسي بزعامة حزب فرنسا الأبية، وبهذا الامتناع عبرت حكومة بايرو ـ ولو بشكلٍ مؤقت إلى بر الأمان ـ خاصة أنها مرّرت ميزانية 2025 التي تعثّرت كثيرًا والتي يُنظر إليها على أنها مفتاح خفض ديون فرنسا المنهكة اقتصاديًا، حسب وكالة رويترز.

وكان نواب من أقصى اليسار الفرنسي قد قدّموا مقترحين لحجب الثقة عن حكومة فرانسوا بايرو، بعد لجوء الأخير المتكرر إلى استخدام المادة 49.3 المثيرة للجدل في تمرير الموازنة العامة دون الحاجة لتصويت برلماني. لكنّ مساعي أقصى اليسار اصطدمت هذه المرة بأصوات من داخل نفس العائلة الاشتراكية، وبالتالي لم يحصل مقترح نواب أقصى اليسار إلّا على 128 صوتًا في مقترح حجب الثقة الأول وعلى 122 صوتًا في مقترح حجب الثقة الثاني، وهي أعداد بعيدة جدًّا عن عدد الأصوات المطلوب لحجب الثقة عن الحكومة (289 صوتًا).

اعترف بايرو أمام نواب الجمعية الفرنسية (البرلمان) أنّ الميزانية التي قدّمها أمامهم "ليست مثالية، لكنها ضرورة طارئة، ولا يمكن لفرنسا العيش بدون ميزانية، وميزانية اليوم تعدّ خطوة بل مجرد بداية لبداية البداية"، مشددًا في ذات السياق على أنه "لا يمكن الاستمرار على ذات النهج المتّبع منذ عقود"، مؤكّدًا أن حكومته "ستُجري مراجعة متعمقة للإنفاق في كل وزارة في أقرب وقت ممكن من الأسبوع المقبل".

التحدي الحالي أمام حكومة فرانسوا بايرو يتمثل في توسيع الائتلاف الحكومي بضمان أصوات جديدة في البرلمان

وكان للتحديات الدولية نصيبُها من خطاب بايرو أمام النواب، وعلى رأس تلك التحديات، حسب رئيس الوزراء الفرنسي، "الحرب الروسية الأوكرانية"، بالإضافة إلى "السياسة الخارجية العدوانية للرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب تجاه أوروبا". في إشارة منه إلى تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية قاسية على واردات الدول الأوروبية.

ولذلك يرى بايرو أنّ على الفرنسيين عدم مراكمة ومفاقمة "الضعف والانقسام الداخلي في ظل التهديدات الخارجية الكثيرة"، قائلًا إن فرنسا "يجب أن تستعيد قوتها وتضامنها وفخرها" على حدّ تعبيره.

أمّا وزير المالية إريك لومبارد، فاعتبر أنّ فشل اقتراح حجب الثقة "أمر جيد" بالنسبة لفرنسا.

 وتهدف الميزانية الحالية إلى خفض العجز إلى نسبة 3% من الناتج الإجمالي بحلول عام 2029، وتتضمن خطة لزيادة الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء، وخفض الإنفاق. ولتحقيق هذا الهدف، سيتعين على حكومة بايرو، حسب وكالة بلومبيرغ، أن تستمر "في إجراء تعديلات كبيرة في كل ميزانية حتى ذلك الحين".

ويُثير هذا التوجه مخاوف لدى المسؤولين التنفيذيين للشركات الكبرى الذين أبدوا قلقهم من أن تصبح الزيادات الضريبية المؤقتة أمرًا دائمًا، وذلك ما سيقوّض من وجهة نظرهم "جهود الرئيس إيمانويل ماكرون المستمرة منذ سنوات لبناء بيئة مؤيدة للأعمال"، وأشارت وكالة بلومبيرغ في هذا الصدد إلى الشكوى التي بثّها الرئيس التنفيذي لشركة دار الأزياء الفاخرة "لوي فيتون" برنارد أرنو، من الزيادات الضريبية، مشبّهًا فرنسا بـ"دش بارد"، وجاءت تصريحات أرنو بعد مشاركته في حفل تنصيب دونالد ترامب.

عبور مؤقت

يُمنّي فرانسوا بايرو نفسه بأنّ حكومته ستعمّر لفترة أطول من حكومة سلفه ميشيل بارنييه، لكنّ تمرير الميزانية ليس كلّ شيء، فقد أثارت تعليقات بايرو الأخيرة حول الهجرة حفيظة الاشتراكيين الذين امتنعوا عن التصويت لحجب الثقة عنه، لكنهم أكدوا أنهم "سيقدمون في وقت لاحق اقتراحًا منفصلًا بحجب الثقة بشأن التعليقات الأخيرة التي أدلى بها بايرو بشأن الهجرة"، وكان بايرو قد قال "إنّ العديد من الفرنسيين يشعرون بالغرق في الهجرة"، لكن أصوات الاشتراكيين وحدها ليست كافية، وواضح أن بايرو المحسوب على تيار الوسط والمعيّن من طرف ماكرون في كانون الأول/ديسمبر الماضي، يسعى إلى التقرب من اليمين المتطرف، ويهدف إلى توسيع الائتلاف المحيط بحكومته عبر جذب نواب من اليمين المتطرف.

يشار إلى أنّ فرنسا تعيش منذ فترة وضعًا من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، وذلك منذ أقدم الرئيس إيمانويل ماكرون على الدعوة إلى انتخابات مبكرة مفاجئة في حزيران/يونيو، حيث أسفرت نتائج الانتخابات عن "برلمان معلق منقسم لا يتمتع فيه أي حزب بأغلبية".