26-أكتوبر-2015

عائلة لاجئة من الساجل الأفريقي إلى اليمن (أ.ف.ب)

"كالمستجير من الرمضاء بالنار"، هذا حال الآلاف من الأفارقة الهاربين من القرن الإفريقي إلى أحضان معاناة جديدة في اليمن. ساهمت الحرب الأهلية من جهة والفقر والمجاعة من جهة أخرى في هجرة سبعمائة وخمسين ألف بطريقة غير شرعية إلى الشواطئ اليمنية بغية العبور إلى المملكة العربية السعودية، وفقًا لإحصاءات رسمية يمنية نشرت العام الماضي. وسبق أن ارتفعت هذه النسبة إلى ثمانين في المائة من الإجمالي الكلي للوفود الأفارقة غير المسجلين لدى مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والجهات الحكومية في اليمن، خلال العام 2013.

أحواش التعذيب

ينخدع الأفارقة الراغبون في الوصول إلى الأراضي السعودية بعصابات التهريب في المناطق اليمنية المحاذية للمملكة العربية السعودية، فمنهم من يتعرض إلى التعذيب ثم ينجون بمعجزة ومنهم من يموت. السوداني دليل حسين آدم، ستة عشر ربيعًا، نجى من الموت بعد تعذيب دام خمسة أشهر على أيدي المهربين في مديرية عبس بمحافظة حجة، شمال اليمن.

جاء في إحصاءات يمنية العام الماضي أن 750 ألف إفريقي هاجروا بطريقة غير شرعية إلى الشواطئ اليمنية قصد العبور إلى المملكة السعودية 

يروي دليل قصته لـ"ألترا صوت": "بعد استقبال المهربين لنا أثناء وصولنا عبر البحر أوهمونا بمساعدتهم لنا دون أن نقع في أيدي حرس الحدود السعوديين، لكن سرعان ما وجدت نفسي في "حوش" أحد المنازل، وفوجئت بهم يطالبونني بالمال ولما أدركوا استغرابي وتحققوا من أنه ليس لدي أي قطعة نقدية، قيدوني بالسلاسل وطلبوا مني الاتصال بعائلتي في السودان لتحويل مبلغ اثني عشر ألف ريال سعودي، وبالرغم من ظروفنا الصعبة التي شرحتها لهم إلا أنهم أصروا وهددوا بأن يكون مصيري الموت".

ويضيف: "أمهلوا عائلتي أسبوعًا واحدًا لإرسال المال، أبي متوفي وأمي لا تملك المبلغ ولا حتى جزءًا منه، كانت النتيجة أن تعرضت للتعذيب بالكهرباء وبأدوات حديدية أخرى، كما تعرضت إلى التجويع أيضًا ولكنني كنت محظوظًا إذ أنقذتني الشرطة بعد فرار أحد المحتجزين ليقوم بإبلاغهم ولولا ذلك لكان مصيري الموت أو الإعاقة الأبدية".

يتم التعذيب في غرفة بلا سقف تعرف بـ"حوش"، وهو تعذيب ينسف كل معاني الإنسانية وقيمها. في هذا الإطار يتحدث محمد، ذو الأربعة عشر عامًا، وهو نيجيري الأصل لـ"ألترا صوت"، عارضًا آثار التعذيب على جسده: "أغمي علي مرات عديدة بسبب الجوع والتعذيب. لم أكن أصدق أني لا أزال حيًا بعد كل مرة أصحو فيها من الإغماء".

ويتابع محمد: "أوهموا عائلتي أنهم سيمكنوني من الوصول للسعودية لكنهم نقلونا إلى أحواش التعذيب وفصلوني عن والدي وإخواني وأخواتي، ثم قاموا بتعذيبي ولم يهتموا بصرخاتي ولا بتوسلي. هم يريدون المال ولا يفهمون أو يرون إلا المال".

تعرض محمد للتعذيب والتجويع

أما عائشة، إمرأة سودانية في الثلاثين من العمر، فلا تستطيع التحرك بسبب إصبع قدمها الذي بتره المهربون بآلة زراعية حادة والآلام في مفاصلها بفعل الصدمات الكهربائية. عن تجربتها تعلق عائشة لـ"ألترا صوت": "أقسمت أني لا أملك مليمًا واحدًا إلا أنهم استمروا في تعذيبي وتجويعي، أنا وأطفالي بلا شفقة".

بتر المهربون إصبع عائشة

عجز أمني

تشكل محافظات حجة وصعدة والحديدة والجوف أكثر المناطق نشاطًا لهذه العصابات، التي انتشرت بالعشرات مؤخرًا. يقومون بوضع الفخاخ على الطرقات لـ"صيد" المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين وتطور الأمر إلى قيام المهربين باختطافهم في وضح النهار وقتل كل من يعارضهم. ويعود هذا العجز الأمني إلى الصراع والانفلات الذي تشهده البلاد. يوهم المهربون المهاجرين غير الشرعيين بتقديم المساعدة في اختيار الطرق الآمنة البعيدة عن الصراع القائم.

يتم تعذيب المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين في اليمن من قبل المهربين في غرف بلا سقف تسمى "حوش"

في هذا السياق، يقول الملازم مجاهد عمر، مدير التحريات في المخابرات اليمنية بمديرية عبس في محافظة حجة شمال اليمن، لـ"ألترا صوت": "بدأت عصابات التهريب بهذه الأعمال الإجرامية منذ أكثر من خمس سنوات وكلما قبضنا على بعض أفرادها، وصلتنا أوامر فورية بإطلاق سراحهم من جهات عليا في الحكومة اليمنية ". ويضيف: "مؤخرًا أنقذنا اثنين وثلاثين مهاجرًا إفريقيًا من بينهم نساء وأطفال وكانوا قد تعرضوا للتعذيب بشكل رهيب وسلمناهم للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، كما قبضنا على اثنين من المهربين أيضًا لكن الأوضاع الأمنية الصعبة والجهات النافذة حتمت إطلاق سراحهم".

ويستمر مسلسل قتل وتعذيب المهاجرين غير الشرعيين، وهم أفارقة أساسًا من دول الموزمبيق وسيراليون والسودان ونيجيريا وأثيوبيا والصومال، في الحدود اليمنية والذين لا يزال بعضهم يتلقى العلاج في المستشفيات اليمنية بينما تعجز الكثير من المنظمات الإنسانية المحلية والدولية عن التحرك إضافة إلى صمت المهاجرين غير الشرعيين خوفًا من أن تقبض عليهم الحكومة اليمنية.

اقرأ/ي أيضًا:

من السودان إلى أوروبا.. رحلة الشك والمخاطر

مقابر اليمن.. خفف الوطء