09-مايو-2025
ليو الـ14

(EPA) البابا ليو الـ14 يتسلم قبعته بعد تعيينه كاردينالًا من قبل البابا فرانسيس

انتُخب الكاردينال الأميركي روبرت فرانسيس بريفوست، يوم الخميس، بابا جديدًا للكنيسة الكاثوليكية، ليصبح أول أميركي يقود 1.4 مليار كاثوليكي حول العالم، متخذًا اسم ليو الـ14. ودعا، في أول ظهور علني من شرفة كاتدرائية القديس بطرس، إلى السلام وتذكّر المظلومين.

إرث من العمل الكنسي

وُلد البابا ليو الـ14  في 14 أيلول/سبتمبر 1955 بجنوب شيكاغو، وفقًا لصحيفة "الغارديان" البريطانية. حيثُ نشأ في كنف عائلة ذات أصول فرنسية وإيطالية وإسبانية. تربى على قيم الإيمان الكاثوليكي، حيث كان يصلي في كنيسة القديسة مريم العذراء. وقد خدم والده كمعلم تعليم ديني ووالدته عملت أمينة مكتبة، وكان منزل العائلة ملتقى لرجال الدين من مختلف أنحاء إلينوي.

خدم بريفوست كصبي مذبح والتحق بمدارس دينية، ثم نال شهادة البكالوريوس في الرياضيات من جامعة فيلانوفا عام 1977. بعد خمس سنوات، رُسم كاهنًا، وأكمل دراسته العليا في روما حيث حصل على الدكتوراه في القانون الكنسي. أُرسل لاحقًا في مهمة تبشيرية إلى بيرو، ليقضي أكثر من عقدين خادمًا ككاهن رعية ومبشر نشط في مختلف مدن البلاد.

انتُخب الكاردينال الأميركي روبرت فرانسيس بريفوست، يوم الخميس، بابا جديدًا للكنيسة الكاثوليكية، ليصبح أول أميركي يقود 1.4 مليار كاثوليكي حول العالم، متخذًا اسم ليو الـ14

خلال وجوده في بيرو، عمل ليو الـ14 كنائب قضائي وأستاذ للقانون الكنسي والأخلاقي في معهد ديني بمدينة تروخيو. عُين أسقفًا على مدينة تشيكلايو شمال البلاد في تشرين الثاني/نوفمبر 2014، حيثُ ظل يُعرف بخدمته التعليمية والروحية المتعمقة، كما اكتسب الجنسية البيروفية، مما ميزه عن النمط التقليدي لرجال الدين الأميركيين في الكنيسة الكاثوليكية.

عينه البابا فرنسيس كاردينالًا في أيلول/سبتمبر 2023، وذلك رغم الممانعة التاريخية من انتخاب بابا أميركي، نظرًا لنفوذ السياسي والثقافي في مختلف أنحاء العالم. وببلوغه 69 عامًا، أصبح بريفوست أول أميركي شمالي يقود الكنيسة الكاثوليكية، واضعًا "خاتم الصياد" بيده. إذ يُمثل انتخابه تحولًا لافتًا يعكس تغيرات داخل الفاتيكان نحو زعامة أكثر تنوعًا وتوازنًا بين التقاليد والانفتاح الثقافي، وفقًا لعديد التقارير الغربية.

"اليانكي اللاتيني"

على الرغم من ولادته في الولايات المتحدة، إلا اكتسب لقب "اليانكي اللاتيني" نتيجة سنوات طويلة قضاها في بيرو، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، حيث خدم المجتمعات الفقيرة والمهمشة واكتسب الجنسية البيروفية. حتى وقت قريب، كان يشغل منصبًا رفيعًا في الفاتيكان، مشرفًا على المكتب الذي يراجع ملفات الأساقفة حول العالم، وهو موقع يحمل تأثيرًا كبيرًا في الكنيسة.

وقد جاء صعود ليو الـ14 كمزيج فريد من الهوية الأميركية واللاتينية، فهو يجيد عدة لغات ويتمتع بخبرة دولية واسعة. تمثل قيادته محاولة من الكنيسة لتجاوز الانقسامات الداخلية، والبحث عن توازن في مرحلة حساسة. ويُنظر إلى رؤيته باعتبارها انسجام مع التوجهات الإصلاحية، ما جعله شخصية مقبولة لعدد من التيارات داخل الكنيسة الكاثوليكية الممتدة عالميًا.

كما أن ليو الـ14 يُعتبر امتدادًا لفكر البابا فرنسيس، الذي توفي عن 88 عامًا. لطالما تبنى قضايا العدالة الاجتماعية، وصرح سابقًا بأن الكنيسة يجب أن تركز على الفقراء والمهمشين. هذه اللغة تعكس رؤية فرنسيس الذي اختاره في أدوار متعددة. لذا يُعد انتخابه استمرارًا لمسار إصلاحي بدأه فرنسيس وسط تحديات ثقافية ولاهوتية كبيرة.

رؤية إصلاحية وإرث من الجدل

قاد ليو الـ14 رهبنة القديس أوغسطين مرتين، ما منحه تجربة إدارية عميقة، لكن موقعه الجديد يتجاوز كل ما سبقه، حيث يقود اليوم أكثر مليار كاثوليكي. قال صديقه القس ليغو إن المنصب يغيّر الشخص، لكنه وصف ليو الـ14 بأنه مستمع حكيم، يتأنى في قراراته، ومنفتح على التغييرات دون تسرع أو صدام.

يرث ليو الـ14 ملفات حساسة داخل الكنيسة، منها مواقفها من المرأة والجنس. في 2012، انتقد تصوير الأسر المثلية بشكل إيجابي في الإعلام. لاحقًا قال إن النساء يمكن أن يقدمن الكثير للكنيسة، لكنه حذر من أن رسامتهن (الشماسة) قد تخلق تعقيدات جديدة بدلًا من حل المشكلات القائمة، مما أثار جدلًا داخل الأوساط الكنسية.

وكان البابا فرنسيس قد كلف ليو الـ14 بإصلاح جريء ضم ثلاث نساء للهيئة التي تقترح أسماء الأساقفة في عام2022. وقالت المؤرخة كاثلين كامينغز إن ليو استوفى جميع معايير الانتخاب: "روح رعوية، خبرة إدارية، ورؤية عالمية". وبحسب "واشنطن بوست"، فإنه على الرغم من اتهامه سابقًا بالتقصير في قضايا اعتداءات جنسية في كل من البيرو والولايات المتحدة، إلا أنه تغلب على منافسيه وحاز ثقة المجمع البابوي.

اتهامات قديمة ومواقف داعمة للهجرة

تشير "واشنطن بوست" إلى أنه على الرغم من الاتهامات المتعلقة بقضيتين منفصلتين من الاعتداء الجنسي ارتكبهما كهنة في شيكاغو والبيرو، إلا أنهما لم يعيقا ترشيح بريفوست. وأضافت أن القضية الأولى تعود إلى 25 عامًا، حين سُمح لكاهن متهم بالبقاء قرب مدرسة كاثوليكية، بينما كان بريفوست رئيسًا إقليميًا للأوغسطينيين. وقد أنكر الفاتيكان أن بريفوست وافق على هذا الترتيب أو شارك فيه فعليًا.

كما ظهرت تساؤلات جديدة مؤخرًا عن علم بريفوست بادعاءات تحرش في أبرشية تشيكلايو أثناء توليه منصب الأسقف. حيثُ اتُهم كاهنان بالتحرش بثلاث فتيات، وسط مزاعم بأن بريفوست لم يحقق في الأمر كما يجب، وأرسل تقارير ناقصة للفاتيكان. لكن الفاتيكان عاد وأكد من جديد عدم وجود مخالفة واضحة في تصرفاته.

ومع ذلك، بحسب تقارير غربية من بينها "نيويورك تايمز" الأميركية، فإن ليو الـ14 يتمتع كأميركي بمكانة فريدة تسمح له بمواجهة التيارات المحافظة المتشددة داخل الكنيسة في بلاده. إذ يُعرف بموقفه الرافض لرؤية إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الدينية الصارمة، وسبق أن نشر عبر وسائل التواصل انتقادات لسياسات الهجرة. رغم إشادة ترامب بتعيينه، فإن ليو الـ14 يحمل توجهات تختلف بوضوح عن الفكر السياسي المحافظ السائد في الولايات المتحدة.

وكان ترامب على خلاف واضح مع البابا السابق، والذي ظهر صريحًا في انتقاده لسياسات ترامب، خاصةً المتعلقة بالهجرة وبناء الجدار الحدودي مع المكسيك، حيثُ رفض فكرة الجدران قائلاً: "من لا يبني الجسور ليس مسيحيًا". وقد أثارت تصريحات فرنسيس غضب ترامب حينها، الذي اعتبر تشكيك زعيم ديني في إيمان شخص آخر أمرًا غير مقبول.