تتزايد المؤشرات على وجود فتور سياسي وشخصي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في وقت بدأت فيه الإدارة الأميركية تعتمد نهجًا جديدًا في مقاربتها لملفات الشرق الأوسط، يتميّز باستقلالية أكبر وتحوّل في أولويات التحالفات الإقليمية.
ولا تبدو هذه اللحظة مجرّد أزمة ثقة بين شخصيتين سياسيتين، بل تعكس صعود قوى جديدة داخل الإدارة الأميركية، وإعادة تموضع شامل في السياسات الخارجية.
فتور وقطع للاتصالات
ووفق ما أوردته وسائل إعلام إسرائيلية، فإن العلاقة بين ترامب ونتنياهو تشهد تدهورًا غير مسبوق، إذ أفادت صحيفة "يسرائيل هيوم" بأن ترامب قطع الاتصالات مع نتنياهو بعد اقتناعه بأنه "يتلاعب به"، مشيرةً إلى أن العلاقة الشخصية بين الطرفين وصلت إلى أدنى مستوياتها، وأن ترامب يشعر بخيبة أمل متزايدة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بحسب مصادر مقربة منه.
أفادت صحيفة "يسرائيل هيوم" بأن ترامب قطع الاتصالات مع نتنياهو بعد اقتناعه بأنه "يتلاعب به"
في حين أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن ترامب يخطط للمضي قدمًا في خطوات حاسمة في الشرق الأوسط من دون تنسيق مع نتنياهو.
وأشار مراسل الإذاعة ياني كوزين إلى أن مقربين من ترامب حذروا من أن نتنياهو يسعى للتلاعب به، وهو ما اعتبره ترامب إهانة شخصية لا يمكنه السكوت عنها، فاتخذ قرارًا بقطع الاتصالات المباشرة معه.
اجتماع سري وفتور في الثقة
في هذا السياق، كشف موقع "واللا" الإسرائيلي عن اجتماع غير معلن عُقد في البيت الأبيض بين ترامب ووزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، مبعوث نتنياهو الخاص. تطرق الاجتماع إلى المحادثات النووية الأميركية-الإيرانية والحرب على قطاع غزة، وكان لافتًا انعقاده قبيل الجولة الرابعة من مفاوضات واشنطن وطهران المرتقبة في مسقط، وزيارة ترامب المرتقبة للشرق الأوسط، والتي ستشمل السعودية وقطر والإمارات، بينما ستستثني إسرائيل.
بحسب رئيس تحرير صحيفة "هآرتس" ألوف بن، يسعى نتنياهو لتحويل "إسرائيل" إلى دولة ديكتاتورية دينية وقومية، مستفيدًا من دعم إدارة ترامب اللامحدود.
اقرأ أكثر: https://t.co/WqY1wZMHsc pic.twitter.com/A4mhDvvqA2
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 21, 2025
لطالما حاول ديرمر، مهندس العلاقات بين نتنياهو وواشنطن، تقديم نفسه على أنه الخبير في الشأن الأميركي، لكن يبدو أن نفوذه تراجع في إدارة ترامب الجديدة، التي يسيطر عليها جناح قومي شعبوي من تيار "اجعلوا أميركا عظيمة مجددًا"، بزعامة نائب الرئيس جي. دي. فانس. أما التحالف القديم مع الجناح الإنجيلي الجمهوري، فقد تم تجاهله لصالح مقاربة أكثر انعزالًا عن الالتزامات التقليدية.
ويأتي هذا اللقاء بعد صدمة إسرائيلية أحدثها إعلان ترامب المفاجئ عن وقف إطلاق النار مع الحوثيين، دون تنسيق مسبق مع تل أبيب. هذا القرار ألقى الضوء على التباين العميق في الثقة بين الحليفين، كما أثار قلقًا إسرائيليًا من احتمال ألا تشمل تهدئة ترامب مع الحوثيين وقفًا لهجماتهم على إسرائيل.
هذه التغييرات، تركت إسرائيل من دون أوراق ضغط فعالة في الكونغرس، وسط شعور متنامٍ في واشنطن بأن نتنياهو لم يعد ورقة رابحة.
حملة نتنياهو تعكس اهتزاز الثقة
رغم ذلك، تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى نفي وجود أزمة. وتروج عبر صفحاتها الرسمية إلى أن التحالف الأميركي-الإسرائيلي "أقوى من أي وقت مضى"، في محاولة لامتصاص القلق الداخلي.
لكن المراقبين يرون في لكنّ مراقبين يرون أن الحملة الإعلامية المتصاعدة التي يشنّها بنيامين نتنياهو، والتي تتضمّن تسريبات وتلميحات موجهة ضد الإدارة الأميركية، تعكس في جوهرها حالة من اهتزاز الثقة بين الطرفين، وتُعد مؤشرًا واضحًا على تراجع قدرة رئيس الوزراء الإسرائيلي على التأثير في دوائر صنع القرار داخل البيت الأبيض، بعدما كان يُنظر إليه في السابق كأحد أكثر الزعماء الأجانب قربًا من ترامب. ويرى هؤلاء أن نتنياهو، في سعيه لاستعادة زمام المبادرة، بات يواجه صعوبات غير مسبوقة في فرض روايته أو انتزاع التزامات واضحة من واشنطن بشأن أولويات تل أبيب في الملفات الإقليمية.
📌 في قلب الأزمة السياسية المتفاقمة التي تعصف بإسرائيل منذ أكثر من عام، برز مصطلح "الدولة العميقة" كأحد أبرز أدوات الخطاب السياسي لحكومة بنيامين نتنياهو، التي دخلت في صدام مفتوح مع "مؤسسات الدولة"، وعلى رأسها الجهاز القضائي والأمني.
📌 وفقًا لمقال تحليلي نشرته صحيفة "يديعوت… pic.twitter.com/Uq5xt2NwGc
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 13, 2025
واشنطن تطرح خطة مساعدات جديدة لغزة: بين السياسة والإنسانية
في تطور موازٍ، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن "حلًا لإيصال المساعدات إلى غزة بات وشيكًا"، في خطة مثيرة للجدل تهدف إلى إنشاء أربع نقاط توزيع تستوعب كل منها 300 ألف شخص.
وبحسب صحيفة "واشنطن بوست"، فإن إدارة ترامب تضغط على الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية للانخراط في خطة تنسق توزيع المساعدات ضمن شروط رقابية إسرائيلية صارمة. إلا أن الأمم المتحدة، ومعظم المنظمات الإنسانية، أعلنت رفضها المشاركة في هذه الخطة، معتبرة أنها تتعارض مع المبادئ الإنسانية الدولية.
وتفيد وثائق مسربة بأن مؤسسة خيرية أميركية جديدة ستُكلّف بتنفيذ الخطة، وستتم الاستعانة بشركات أمنية خاصة لحماية المواقع، مع استبعاد وجود الجيش الإسرائيلي داخل أو قرب مراكز التوزيع.
لكن منظمات إغاثية فلسطينية حذرت من أن إشراك كيانات غير محايدة في توزيع المساعدات يشكل سابقة خطيرة، ويقوض الثقة بالعمل الإنساني، لا سيما في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي ومنع دخول الغذاء والدواء منذ أكثر من شهرين.
وفي مؤتمر صحفي، أعلن السفير الأميركي مايك هاكابي إطلاق "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF)، مشيرًا إلى أن "الطعام سيُوزع بطريقة تمنع وصوله إلى حماس"، وهو ما اعتُبر تسييسًا إضافيًا للمساعدات.
نتنياهو رفض الموافقة على صفقة وقف إطلاق النار لـ"إرضاء" الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
اقرأ أكثر: https://t.co/d1lGrzenyp pic.twitter.com/f729vSleVT— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) November 25, 2024
خطة ترامب الجديدة
في ظل تسارع المتغيرات الجيوسياسية، تظهر الولايات المتحدة عازمة على إعادة رسم أدوار اللاعبين الإقليميين بما يتجاوز المعادلات التقليدية. فالمواقف الأخيرة الصادرة عن إدارة ترامب، سواء في ملف إيران أو غزة، تعكس انتقالًا من نمط الشراكات الثابتة إلى براغماتية سياسية تستند إلى المصالح الأميركية أولًا، بصرف النظر عن الحساسيات الإسرائيلية.
ومع صعود تيارات جديدة داخل الحزب الجمهوري وتراجع هيمنة اللوبيات القديمة، يبدو أن الشرق الأوسط بصدد مرحلة تعاد فيها كتابة قواعد الاصطفاف، حيث لا موقع محجوز مسبقًا لأي طرف، ولا فيتو مضمون لأي حليف.