06-مارس-2020

من رسومات الفنان الفلسطيني الراحل حسن الحوراني

يَمرُ الوقت لأنه يطيبُ له ذلك، مُستهزءًا من العيون الشاخصة على الساعة والدقائق: قد يفي بوعده، قد يأتي، بلى! سيقرأ لي كثيرًا عن كل الأبطال الذين لم ألتقِ بهم في حقول طفولتي، وحكايا الزهور والبطلات اللاتي يضحكنّ من على مراجيح الفرح والسعادة الأبدية، وتكون الشمس حاضرة في زوايا الصفحات، لا تختفي مساءً، تسطع في نهارات الشتاء لا يُغيبها اعصارٌ ولا تحجبها غيمات.

لكنك!

كنتَ تعرف أنك لن تكون على غلاف قصص الأطفال في ذاك المساء، وأن كل الأمنيات التي سردتها على أُذنَيّ تلك الصغيرة كانت جزءًا من الوهم تُقدمه في لِباس الهدايا... الوقت لا زال يمر ولا أحد يروي أي قصة، يشيخ وجه الصغيرة وصوتها، وفي دواخلها يتحالف العفن مع العناكب الصغيرة فتخيط بيوتًا وتُناكفُ ساعة الحائط التي ينزلق منها الوقت عُمرًا، ثم ترسم على الموائد والأركان ومَهد الطفل لوحة مستوحاة من الغرفة التي أغلقتها (Miss Havisham) في رواية توقعات عظيمة (Great Expectations).

تصيرُ الطفلة عجوزًا ينهش الانتظار روحها، أما الدعاء فرسالة ألم تخطها من ظلمات التوقعات "أيها الإله المتفرد بالقدرة على البعث... هاك روحي ابعثها من جديد".

ثم يجيء الربيع هذا الصباح، وأنت لا تزال تختبئ بين الأناشيد، تزول تدريجيًا كالضباب الذي ينقشع أمام خيوط الشمس الدافئة، أو البرتقال حين يختفي من الأسواق، تهاب زهر اللوز وجبالنا ها هنا تزدان به، نُقدمه للحياة التي تضيق بنا، وللأرض الواسعة التي لا يطيب لها إلا اعتصار أجسادنا وأرواحنا كالألحاد تصير، وأما صفحة السماء فكلما فتشنا فيها عن نجمة، ابتلعتها نكاية بنا... يتخلى عنا كل شيء أو عني! كأنني جمعٌ من الناس أهابُ أن يختلي الحزن بي وحدي.

يَمرُ الوقت لأنه يطيبُ له ذلك، ويحفز أقدارنا بابتعاثنا من جديد وتعليمنا مهارة التخلي ثم استيعاب درس الاغتسال الأبدي من العوالق، فِعلٌ لا تحكمه مواقيت الأسبوع ولا أحكام الطُّهر، نِدٌ يبارز كل ذكرى، ويخنق بيديه الرغبات القديمة ورجاء طفل صغير لا زال يتمنى استماع الحكايا... لا يثنيه عن مهمته دمعة حارة.. كالخَضرِ يصير أو هو كذلك.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ديك.. ذاكرة.. معطف

الحبّ في شهر فبراير